يكرهون الرياض.. ويتمنون وصال واشنطن !
الخميس / 30 / شعبان / 1441 هـ الخميس 23 أبريل 2020 01:24
محمد الساعد
في الوقت الذي كان فيه إعلام الرئيس السوري (الراحل) حافظ الأسد يشتم أمريكا ليل نهار عبر إذاعاته وتلفزيونه وصحفه، ويصف الدول العربية التي تتمتع بعلاقة حسنة معها وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بالرجعية والعميلة للغرب، كان حافظ الأسد هو من يطلب في الخفاء من ملوك السعودية كلما التقى بهم الحفاظ على العلاقة مع واشنطن بل وتعميقها وتوثيقها، مؤكداً أن علاقة الرياض وواشنطن هي الضمانة الحقيقية للأمن العربي، وهي الوحيدة القادرة على التأثير في القرار الأمريكي وكبح جماحه لو أراد القيام بأعمال عدائية تجاه سوريا أو مثيلاتها.
طلب حافظ الأسد من السعوديين يلخص عقلية عرب الشمال، التي تقول في الخفاء ما لا تقوله في العلن، وهم يعلمون يقيناً أنهم لا يستطيعون حكم شعوبهم من دون وجود شيطان يلقون عليه كل إخفاقاتهم -وهو هنا أمريكا-، يبنون شرعيتهم على عداء الغرب الإمبريالي -حسب وصفهم-، ويتباهون في إعلامهم بسب أمريكا ويدعون لمعاداتها، وفي الوقت نفسه يتمنون رضاها في الخفاء.
دعونا نستذكر أمثلة للمواقف السعودية التي كانت قادرة على توظيف علاقتها مع الغرب لصالح العالم العربي، وفي الوقت نفسه الفصل بين خلافاتها مع أي بلد عربي وبين الحفاظ على أمنه واستقراره، بل ولإبقاء الخلاف في حدوده الدنيا دون الانجراف إلى تهديد وجوده لا سمح الله.
في أعقاب هزيمة الأيام الستة 1967 ائتلفت القمة العربية في الخرطوم، كانت «مصر عبدالناصر» قبل أسابيع تقصف المدن السعودية بالنابالم، التقى العرب من أجل إنقاذ مصر من الانهيار الاقتصادي وعدم قدرتها على إعادة بناء قواتها العسكرية مرة أخرى، كان الملك فيصل حاضراً وكان عبدالناصر حاضراً، وعلى رغم المرارة السعودية إلا أن الفيصل قال -وهذا مسجل في محاضر القمة عندما طلبت مصر مساعدة الرياض اقتصادياً-: مصر تؤمر يا سيادة الرئيس ولا تطلب، إنها القيم السعودية التي لا تحيد عنها.
في عام 2003 اجتاحت أمريكا العراق واستطاعت خلال تسعة أيام الانقضاض على بغداد وإسقاط النظام، كانت دمشق تعلم تماماً أن الدور عليها فلجأت إلى الرياض -وكما كان حافظ الأسد يتوقع- استطاع المصمك إيقاف الدبابات الأمريكية من اقتحام سوق الحميدية في دمشق وإلحاق النظام السوري بأخيه العراقي.
على أثر خيانة دمشق (بشار) للسعوديين ونكثها بوعدها في الحفاظ على حياة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وقيامها باغتياله عام 2005، غضب العالم كله لجرأة النظام السوري على تلك العملية الإرهابية التي حاول كثيراً التنصل منها.
وصل الغضب الأمريكي ذروته وكانت واشنطن عازمة على ضرب الجيش السوري في لبنان والقضاء عليه وأمهلت «دمشق» 24 ساعة فقط لكي تنسحب من لبنان -وهي التي بقيت فيه 40 عاماً أسست قواعدها ومناطق نفوذها- حاول النظام السوري المراوغة لكنّ اتصالاً سعودياً أراد الحفاظ على سوريا من أن تحتل كان كفيلاً بإقناع دمشق بالانسحاب حفاظاً على دولتها، لقد بذلت الرياض جهوداً هائلة رغم الجرح العميق الذي ارتكبه بشار وحسن نصر الله بحقها.
إذن ما هو السر وراء ثقافة كراهية للسعودية المترسخة عن بعض العرب بحجة العداء للغرب؟؟
إنها عقيدة كراهية اخترعها عرب الشمال تخفي غضبهم وحسدهم من تفجر البترول في صحارى المملكة على أيدي الشركات الغربية، متمنين لو غارت الآبار أو أصبح النفط بلا قيمة، كما كانت فرحتهم قبل أيام عندما التبس عليهم سعر البيع الآجل في السوق الأمريكية.
لقد رسخت المنظومة القومجية والبعثية واليسارية بنيتها العقائدية والتنظيمية والإعلامية على العداء لأمريكا والغرب بالعموم، وبلا شك أن الآباء المؤسسين لتلك الثقافة هم ( ميشيل عفلق – وجورج حبش - نايف حواتمة – هواري بومدين – حافظ الأسد – صدام حسين – عبد الناصر – محمد حسنين هيكل) كلهم اقتاتوا على تلك العقيدة وبنوا شرعيتهم عليها، وصنعوا أدبيات أصبح من الصعوبة انعتاق الجماهير منها في سوريا ولبنان وفلسطين، وعرب شمال أفريقيا.
بل إن الثقافة الشعبية في تلك الدول كانت ولا زالت تتبنى تنمراً حضارياً يصور أبناء السعودية بدواً رحلاً لا يستحقون الثروات التي وهبهم الله إياها، فأحمد مطر وسعيد عقل ونزار قباني وغسان كنفاني، ومعظم صحفييهم وكتابهم وشعرائهم شربوا من ذلك النبع المناهض للسعوديين منتجاً الأحقاد التي لا تزال تعيش بين أبنائهم وأحفادهم لليوم.
* كاتب سعودي
massaaed@
طلب حافظ الأسد من السعوديين يلخص عقلية عرب الشمال، التي تقول في الخفاء ما لا تقوله في العلن، وهم يعلمون يقيناً أنهم لا يستطيعون حكم شعوبهم من دون وجود شيطان يلقون عليه كل إخفاقاتهم -وهو هنا أمريكا-، يبنون شرعيتهم على عداء الغرب الإمبريالي -حسب وصفهم-، ويتباهون في إعلامهم بسب أمريكا ويدعون لمعاداتها، وفي الوقت نفسه يتمنون رضاها في الخفاء.
دعونا نستذكر أمثلة للمواقف السعودية التي كانت قادرة على توظيف علاقتها مع الغرب لصالح العالم العربي، وفي الوقت نفسه الفصل بين خلافاتها مع أي بلد عربي وبين الحفاظ على أمنه واستقراره، بل ولإبقاء الخلاف في حدوده الدنيا دون الانجراف إلى تهديد وجوده لا سمح الله.
في أعقاب هزيمة الأيام الستة 1967 ائتلفت القمة العربية في الخرطوم، كانت «مصر عبدالناصر» قبل أسابيع تقصف المدن السعودية بالنابالم، التقى العرب من أجل إنقاذ مصر من الانهيار الاقتصادي وعدم قدرتها على إعادة بناء قواتها العسكرية مرة أخرى، كان الملك فيصل حاضراً وكان عبدالناصر حاضراً، وعلى رغم المرارة السعودية إلا أن الفيصل قال -وهذا مسجل في محاضر القمة عندما طلبت مصر مساعدة الرياض اقتصادياً-: مصر تؤمر يا سيادة الرئيس ولا تطلب، إنها القيم السعودية التي لا تحيد عنها.
في عام 2003 اجتاحت أمريكا العراق واستطاعت خلال تسعة أيام الانقضاض على بغداد وإسقاط النظام، كانت دمشق تعلم تماماً أن الدور عليها فلجأت إلى الرياض -وكما كان حافظ الأسد يتوقع- استطاع المصمك إيقاف الدبابات الأمريكية من اقتحام سوق الحميدية في دمشق وإلحاق النظام السوري بأخيه العراقي.
على أثر خيانة دمشق (بشار) للسعوديين ونكثها بوعدها في الحفاظ على حياة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وقيامها باغتياله عام 2005، غضب العالم كله لجرأة النظام السوري على تلك العملية الإرهابية التي حاول كثيراً التنصل منها.
وصل الغضب الأمريكي ذروته وكانت واشنطن عازمة على ضرب الجيش السوري في لبنان والقضاء عليه وأمهلت «دمشق» 24 ساعة فقط لكي تنسحب من لبنان -وهي التي بقيت فيه 40 عاماً أسست قواعدها ومناطق نفوذها- حاول النظام السوري المراوغة لكنّ اتصالاً سعودياً أراد الحفاظ على سوريا من أن تحتل كان كفيلاً بإقناع دمشق بالانسحاب حفاظاً على دولتها، لقد بذلت الرياض جهوداً هائلة رغم الجرح العميق الذي ارتكبه بشار وحسن نصر الله بحقها.
إذن ما هو السر وراء ثقافة كراهية للسعودية المترسخة عن بعض العرب بحجة العداء للغرب؟؟
إنها عقيدة كراهية اخترعها عرب الشمال تخفي غضبهم وحسدهم من تفجر البترول في صحارى المملكة على أيدي الشركات الغربية، متمنين لو غارت الآبار أو أصبح النفط بلا قيمة، كما كانت فرحتهم قبل أيام عندما التبس عليهم سعر البيع الآجل في السوق الأمريكية.
لقد رسخت المنظومة القومجية والبعثية واليسارية بنيتها العقائدية والتنظيمية والإعلامية على العداء لأمريكا والغرب بالعموم، وبلا شك أن الآباء المؤسسين لتلك الثقافة هم ( ميشيل عفلق – وجورج حبش - نايف حواتمة – هواري بومدين – حافظ الأسد – صدام حسين – عبد الناصر – محمد حسنين هيكل) كلهم اقتاتوا على تلك العقيدة وبنوا شرعيتهم عليها، وصنعوا أدبيات أصبح من الصعوبة انعتاق الجماهير منها في سوريا ولبنان وفلسطين، وعرب شمال أفريقيا.
بل إن الثقافة الشعبية في تلك الدول كانت ولا زالت تتبنى تنمراً حضارياً يصور أبناء السعودية بدواً رحلاً لا يستحقون الثروات التي وهبهم الله إياها، فأحمد مطر وسعيد عقل ونزار قباني وغسان كنفاني، ومعظم صحفييهم وكتابهم وشعرائهم شربوا من ذلك النبع المناهض للسعوديين منتجاً الأحقاد التي لا تزال تعيش بين أبنائهم وأحفادهم لليوم.
* كاتب سعودي
massaaed@