لا تفوت نشوة التسامي أثناء الجائحة
الجمعة / 01 / رمضان / 1441 هـ الجمعة 24 أبريل 2020 00:53
بشرى فيصل السباعي
في البداية يجب التذكير بأن للإنسان طبيعتين مختلفتين؛ طبيعة دنيا غرائزية بدائية همجية أنانية لاواعية وتتمثل بالأنا الغرائزية وغرورها ومشتركة مع الحيوانات، والطبيعة الثانية طبيعة عليا متسامية ربانية واعية تتمثل بالمثاليات العليا ويتفرد بها الإنسان، ويمكن للثقافات والأنظمة والقوانين والتيارات والأحزاب والجماعات والسلوكيات الخاصة والعامة أن تكون متولدة عن الطبيعة الدنيا أو العليا وأكبر محك يظهرها على حقيقتها هو محك الشدة أياً كان نوعها، وفي ظل جائحة كوباء كورونا بات يهيمن على الأخبار إلى جانب إحصائيات الوباء أخبار الحملات العنصرية ضد بعض الفئات كالأقليات لاتهامهم ظلماً بنشر الوباء كما حدث بالصين من اتهام الأفارقة بذلك فتم طردهم من مساكنهم وأعمالهم ومنع دخولهم للأسواق والمطاعم، وبالهند تم اتهام المسلمين بتعمد نشر الوباء كعمل «إرهابي» وتمت مقاطعتهم، وردة الفعل الغرائزية اللاواعية السلبية هذه ضيعت على أصحابها نوعاً فريداً من نشوة السرور النفسي الروحي يسمى بعلم النفس «التسامي-Moral Elevation» ويعرف بأنه؛ نشوة وانشراح يشعر بها من يشهد مواقف الشهامة والإيثار والتضحية والتضامن والطيبة والودية والجمال الأخلاقي والخير والإحسان، وأثرها معدٍ يشجع الآخرين على التصرف بالمثل وهي أهم صفات القيادة الكارزماتية الأخلاقية والبطولة التي تولد حب وولاء الناس، ومجرد مطالعة خبر عنها يؤدي لإفراز هرمونات البهجة ويقلل هرمونات التوتر التي تتسبب بالأمراض المزمنة كأمراض القلب والشرايين، وبالمقابل يشعر الإنسان بهبوط الروح المعنوية عندما يشهد مواقف الأنانية والظلم وسوء المعاملة وهي أيضاً معدية، وقد رأينا مبادرات عظيمة فردية وجماعية بأنحاء العالم للتطوع والتبرع بالإضافة إلى تضحيات فدائية من العاملين على الخطوط الأمامية بمواجهة الوباء تجعل الجسد يقشعر والعين تدمع من عمق الشعور بالتأثر بها، وبالنسبة للإنسان العادي المشاركة بها لا تتطلب مغادرة البيت فكل شيء بات يمكن فعله «اونلاين» عبر العالم التقني الافتراضي، ومن فاتته نشوة الطبيعة العليا هذه ستراه يبحث عن نشوة الطبيعة الدنيا الهمجية المغترة كما هو الحال مع المتفاخرين بخرق حظر التجول والحجر المنزلي، فالإنسان كائن يحركه بشكل أساسي قطبا الرغبة بالنشوة والخوف من الألم، ولهذا حتى في ظروف جائحة كوباء كورونا يسعى الناس لتحصيل نشوة ما عبرها، ومن لم يكرس ذاته على المثاليات العليا ستكون مساعيه للنشوة ذات طبيعة سلبية مظلمة؛ كنشوة الشماتة، التحريض المتعصب العنصري، الانتهازية الجشعة للاحتكار ورفع الأسعار والفساد المالي، ونشوة الانتقام بتعمد البصق على أغراض الناس لنشر العدوى، وكما تقول الحكمة «نفسك إن لم تشغلها بالحق.. شغلتك بالباطل».
* كاتبة سعودية
bushra.sbe@gmail.com
* كاتبة سعودية
bushra.sbe@gmail.com