صندوق الاستثمارات القطري.. الطريق إلى الهاوية
الاثنين / 04 / رمضان / 1441 هـ الاثنين 27 أبريل 2020 01:01
محمد الساعد
في العام 2017 أي قبل ثلاثة أعوام تقريبا نشرت صحيفة سبوتنيك الروسية تقريرا عن صندوق الاستثمارات القطرية قالت فيه: إن الصندوق يمتلك أصولا مالية تصل قيمتها إلى أكثر من 335 مليار دولار، وتتوزع هذه الممتلكات على استثمارات واحتياطات مالية في عدد كبير من بلدان العالم في مختلف القارات.
كانت تلك جزءا من الصورة التي حاولت قطر تمريرها ورسمها عن نفسها في العالم، إمارة شابة حيوية تغري حلفاءها باستثمارات مالية واسعة من خلال صندوق مليء بالأموال، تفكير سطحي، بارد كالثلج سرعان ما يذوب مع أول هزة اقتصادية.
فمع تدفق أموال الغاز منتصف التسعينات وفي بلد صغير جدا يصل عدد سكانه إلى 350 ألفا منهم حوالي 100 ألف مواطنون أصليون والبقية من المقيمين، حاولت قطر توجيه أموالها لخدمة أهدافها السياسية، خاصة وأن الإمارة الصغيرة تعاني من عقدة النقص، وتطمح أن تكون جزءا من اللعبة السياسية في المنطقة، أشركتها الدول العظمى كممول وليس كشريك، تدفع من أجل أنشطة المؤسسات الأمنية والسياسية الغربية التي لا تستطيع تنفيذها بنفسها، تصورت الدوحة أنها دولة ذات قيمة سياسية، فاتها أنها موجودة على هامش القرار، ولا تعدو أن تكون برميل غاز، ولم يسمح لها أبدا بدخول أندية الكبار «مجموعة العشرين مجرد مثال».
المصاريف التشغيلية الداخلية لقطر يبدو أنها لا تشكل عبئا على حكومة الدوحة، فجزء صغير من الأموال يكفي لتوظيف 5000 قطري في القطاع الحكومي، وهو عدد أقل من موظفي فندق في دولة أوروبية سياحية.
لذلك حاولت قطر الاستفادة من فائض الأموال فأنشأت صندوقا للاستثمارات، لكنه كان يتحرك بناء على مصالح سياسية أكثر منها استثمارية بحتة، إضافة إلى تورطه في قضايا فساد غامضة لحقت بأعماله منذ إنشائه وظهرت فضائحه على السطح في أكثر من قضية.
بالتأكيد لم يعرف القطريون إدارة أموالهم بشكل جيد، وكانت خسائر الصندوق المتكررة تطفأ بالأموال الجديدة المتحققة من سوق الغاز، لكن اليوم ومع تباطؤ الطلب العالمي على الطاقة، وضرورة مواجهة أعباء جائحة كورونا لا يبدو أن هناك أموالا إضافية لدى الدوحة تغطي الإخفاقات الأمر الذي اضطرها للالتفات إلى صندوقها الذي وجدته ممتلئا بالأبراج العالية والفنادق والمنتجعات السياحية وأندية القمار الفارغة بدلا من الأموال.
مع كل تلك الثروات وخلال الفترة الذهبية لقطر بين العام 2000 و2015 لم تتحول الدوحة المدينة الوحيدة في الإمارة الصغيرة إلى سنغافورة ولا هونج كونج ولا موناكو ولا حتى دبي القريبة منها، دشنت الأسواق والشوارع الفسيحة وزادت الأبراج غير المسكونة التي بنيت للديكور والمباهاة وأنشئت الأحياء الفارهة للجاليات الأجنبية خاصة الفلسطينية والسورية التي تدير منظومة الإعلام القطري.
اليوم ومع أول أزمة جدية سقطت الصورة «المزورة» التي كانت تغذيها آلة إعلامية ضخمة تتلقى الهبات والعطايا، فالصندوق نفسه يعاني من كارثة قريبة قد تعصف به نظرا لتركيزه الكبير على العقارات والفنادق وشركات الطيران منذ تأسيسه العام 2005، وهي الآن أكبر المتضررين من الكساد الذي لحق بالعالم نتيجة لجائحة كورونا، جزء كبير من استثمارات قطر وجهه على العقارات لأسباب عديدة، منها سهولة غسل الأموال وتمريرها لأهداف سياسية، والحصول على العمولات الضخمة للمنتفعين من الدائرة الضيقة المحيطة بتميم وحمد بن جاسم وحمد بن خليفة.
إخفاق الصندوق القطري اليوم يذكرنا بما حدث 2007، أي بعد تأسيسه بعامين، عندما كشفت تقارير غربية عن غضب في القصر الأميري على رئيس الصندوق في تلك الفترة وهو ابن عم الحاكم حمد خليفة وأحد أفراد عائلة آل ثاني، إثر تورطه في صفقات شراء وهمية لتحف وآثار ليس لها قيمة ضخمت أسعارها أضعاف قيمتها الحقيقية.
ومع أن تأثيرات كورونا الاقتصادية لم تكتمل بعد، إلا أن (جهاز قطر للاستثمار) الذي كانت تعده قطر لخدمة أغراضها السياسية أصبح عبئا عليها وربما تصبح عوائدها المستقبلية أسيرة لأصوله الفاشلة وما يترتب عليها من مصاريف تشغيلية، مع التذكير بأنه أصبح خارج نادي الصناديق العشرة الكبار حول العالم نتيجة سحب الأموال المتسارع وتسييل استثمارات عديدة.
* كاتب سعودي
massaaed@
كانت تلك جزءا من الصورة التي حاولت قطر تمريرها ورسمها عن نفسها في العالم، إمارة شابة حيوية تغري حلفاءها باستثمارات مالية واسعة من خلال صندوق مليء بالأموال، تفكير سطحي، بارد كالثلج سرعان ما يذوب مع أول هزة اقتصادية.
فمع تدفق أموال الغاز منتصف التسعينات وفي بلد صغير جدا يصل عدد سكانه إلى 350 ألفا منهم حوالي 100 ألف مواطنون أصليون والبقية من المقيمين، حاولت قطر توجيه أموالها لخدمة أهدافها السياسية، خاصة وأن الإمارة الصغيرة تعاني من عقدة النقص، وتطمح أن تكون جزءا من اللعبة السياسية في المنطقة، أشركتها الدول العظمى كممول وليس كشريك، تدفع من أجل أنشطة المؤسسات الأمنية والسياسية الغربية التي لا تستطيع تنفيذها بنفسها، تصورت الدوحة أنها دولة ذات قيمة سياسية، فاتها أنها موجودة على هامش القرار، ولا تعدو أن تكون برميل غاز، ولم يسمح لها أبدا بدخول أندية الكبار «مجموعة العشرين مجرد مثال».
المصاريف التشغيلية الداخلية لقطر يبدو أنها لا تشكل عبئا على حكومة الدوحة، فجزء صغير من الأموال يكفي لتوظيف 5000 قطري في القطاع الحكومي، وهو عدد أقل من موظفي فندق في دولة أوروبية سياحية.
لذلك حاولت قطر الاستفادة من فائض الأموال فأنشأت صندوقا للاستثمارات، لكنه كان يتحرك بناء على مصالح سياسية أكثر منها استثمارية بحتة، إضافة إلى تورطه في قضايا فساد غامضة لحقت بأعماله منذ إنشائه وظهرت فضائحه على السطح في أكثر من قضية.
بالتأكيد لم يعرف القطريون إدارة أموالهم بشكل جيد، وكانت خسائر الصندوق المتكررة تطفأ بالأموال الجديدة المتحققة من سوق الغاز، لكن اليوم ومع تباطؤ الطلب العالمي على الطاقة، وضرورة مواجهة أعباء جائحة كورونا لا يبدو أن هناك أموالا إضافية لدى الدوحة تغطي الإخفاقات الأمر الذي اضطرها للالتفات إلى صندوقها الذي وجدته ممتلئا بالأبراج العالية والفنادق والمنتجعات السياحية وأندية القمار الفارغة بدلا من الأموال.
مع كل تلك الثروات وخلال الفترة الذهبية لقطر بين العام 2000 و2015 لم تتحول الدوحة المدينة الوحيدة في الإمارة الصغيرة إلى سنغافورة ولا هونج كونج ولا موناكو ولا حتى دبي القريبة منها، دشنت الأسواق والشوارع الفسيحة وزادت الأبراج غير المسكونة التي بنيت للديكور والمباهاة وأنشئت الأحياء الفارهة للجاليات الأجنبية خاصة الفلسطينية والسورية التي تدير منظومة الإعلام القطري.
اليوم ومع أول أزمة جدية سقطت الصورة «المزورة» التي كانت تغذيها آلة إعلامية ضخمة تتلقى الهبات والعطايا، فالصندوق نفسه يعاني من كارثة قريبة قد تعصف به نظرا لتركيزه الكبير على العقارات والفنادق وشركات الطيران منذ تأسيسه العام 2005، وهي الآن أكبر المتضررين من الكساد الذي لحق بالعالم نتيجة لجائحة كورونا، جزء كبير من استثمارات قطر وجهه على العقارات لأسباب عديدة، منها سهولة غسل الأموال وتمريرها لأهداف سياسية، والحصول على العمولات الضخمة للمنتفعين من الدائرة الضيقة المحيطة بتميم وحمد بن جاسم وحمد بن خليفة.
إخفاق الصندوق القطري اليوم يذكرنا بما حدث 2007، أي بعد تأسيسه بعامين، عندما كشفت تقارير غربية عن غضب في القصر الأميري على رئيس الصندوق في تلك الفترة وهو ابن عم الحاكم حمد خليفة وأحد أفراد عائلة آل ثاني، إثر تورطه في صفقات شراء وهمية لتحف وآثار ليس لها قيمة ضخمت أسعارها أضعاف قيمتها الحقيقية.
ومع أن تأثيرات كورونا الاقتصادية لم تكتمل بعد، إلا أن (جهاز قطر للاستثمار) الذي كانت تعده قطر لخدمة أغراضها السياسية أصبح عبئا عليها وربما تصبح عوائدها المستقبلية أسيرة لأصوله الفاشلة وما يترتب عليها من مصاريف تشغيلية، مع التذكير بأنه أصبح خارج نادي الصناديق العشرة الكبار حول العالم نتيجة سحب الأموال المتسارع وتسييل استثمارات عديدة.
* كاتب سعودي
massaaed@