رمضان.. فرص عديدة في موسم استثنائي
الاثنين / 04 / رمضان / 1441 هـ الاثنين 27 أبريل 2020 01:01
نجيب يماني
«نتألم لأن يدخل هذا الشهر العظيم في ظل ظروف لا تتاح لنا فيها فرصة صلاة الجماعة وأداء التراويح والقيام في بيوت الله بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، لكن عزاءنا جميعاً أننا نمتثل لتعليمات شرعنا الحكيم الذي جعل الحفاظ على الأنفس من أجل مقاصده العظيمة».
نعم يا خادم الحرمين الشريفين، حفظكم الله، كلماتكم الوضيئة بلسم للنفس المؤمنة المكلومة وهي تغالب أطياف الحزن، وتعيش أجواء إطلالة شهر رمضان الفضيل، إطلالة على غير المعتاد، وزورة على غير المتوقع، والناس، بل الدنيا كلها، حبيسة الدور، وقرينة المنازل، إنفاذاً لأوامر منع التجول اتقاء واحترازاً ووقاية للنفس من فايروس كورونا الجائح.. لن يكون حال رمضان في هذا العام، كما ألفه الناس وعايشوه في سابق أعوامهم ومواسمهم، لن يفد الزوّار والمعتمرون إلى بيت الله الحرام، الكعبة في سكون والحمام لا يطير ولن تمد موائد الرحمن للصائمين والمعتكفين، ولن يكون المسجد النّبويُّ الشّريف بما عهد عنه في رمضان وغيره من صلاة وقيام واعتكاف.. صورة محزنة، وغصّة في الحلق، وحال نسأل الله أن يكشف عنّا غمته.
هي حالة مؤقتة وستزول بإذن الله. إن رمضان في هذا العام مختلف جراء الالتزام بالاحترازات الضرورية والتباعد الاجتماعي والتعاون لحماية الجميع من هذا الوباء والوصول إلى بر الأمان، وهذا من ضمن الأخذ بالأسباب، معتزين فخورين بكل ما اتخذته حكومتنا الرشيدة من منظومة الإجراءات الاحترازية.
كنت قد وطّنت نفسي على النظر إلى الجانب الإيجابي من كل أمر؛ فلعلّ في رمضان هذا العام من أطياف الخير ما غفلنا عن إدراكه بدافع الحزن الذي في قلوبنا، وإني لأدعو نفسي مبدأً، إلى النظر بعين الإيجاب في ما نحن عليه اليوم، فالتزام الناس في بيوتهم أتاح لنا جميعاً فرصة لنراجع علاقتنا بأزواجنا وبناتنا وأولادنا، وفتح بيننا مسارات التواصل التي غيبناها وغبنا عنها في خضم الحياة المتسارعة، ولعلها ستكون أوثق عرى، وأكثر انفتاحاً واتساعاً مع شهر رمضان هذا العام، حين تجمعنا مائدة واحدة، وحين نؤدي صلاة التراويح معاً، عوضاً عن أدائها في المسجد سابقاً، فعلينا أن نجعل من دورنا مساجد نوقد فيها مسارج الصلاة جماعة، ونحيي فيها سنّة القيام بالتراويح والدعاء والابتهال.
إنها فرصة لأن نجدد فيها علاقتنا بعباداتنا التي كنا نؤديها على «العادة» سابقاً، لتكون محل التفكّر والتدبّر اليوم، وقد أتيحت لنا الفرصة بتخفيف ضغط الحياة عنّا قليلاً، وافتراض المشغوليات التي حرمتنا الكثير والكثير..
إنها فرصة لأن نجدد العهد مع كتاب الله دراسة وحفظاً وتدبّراً، والتزوّد من معين الفقه والمعرفة بالأصول، ما يسلك بعبادتنا مسلك اليقين الراسخ، والمعرفة الضرورية، وعندها ستنير القلوب وتجد لذة لعبادتها..
إنها فرصة لأن نستشعر العالم من حولنا وفي هدوء وسكون وترقّب، ونعرف قيمة الأشياء من حولنا، والنعم التي أضعناها بالغفلة والتجاهل..
نغير الكثير من سلوكياتنا التي كنا نمارسها في هذا الشهر نتسابق على الأكل وتخزينه وكأننا لن نأكل بعدها أبداً، نفرط في توزيع عبوات إفطار صائم وكأن محتاجي العالم كلهم عندنا، نتباهى بما نحمله من طعام وشراب عند إشارات المرور والمساجد حتى أصبح ترفا نحاسب عليه، نتسابق في عصاري رمضان ونشبع بعضنا بعضاً شتماً وضرباً على قرص عيش وصحن فول.
فلابد من مراجعة سلوكياتنا وهذه فرصتنا.
فرصة لأن نقرأ، ونستثمر مواهبنا المختلفة ما استطعنا سبيلاً للإبداع والإنجاز، وندوّن على قدر ما هو متاح لنا من التجربة والمكنة التدوينية..
فرص كثيرة، علينا جميعاً أن نستثمرها بقدر ما نستطيع، فغداً حين تنجلي هذه الغمة، وتزول آثارها الثقيلة على القلوب والأجساد والنفوس، سيكون لنا متسع من اللحظات لنروي ما جرى بلسان الصدق والاعتبار، سيكون متاحاً لنا أن نعيد المستفاد من تجربتنا التي مرت، وكيفية اتقاء مثيلاتها في المستقبل، إن هي حصلت -لا قدر الله- وسيتوجب علينا جميعاً أن نرفع صوت الشكر وفعل المحبة لقيادتنا الرشيدة، وقد أدارت هذه الأزمة بالحنكة والدراية ورجاحة المسلك ما جعل من المملكة نموذجاً يحتذى، ومثالاً يقتدى به.. سنرفع العقال احتراماً وتقديراً لكافة المسؤولين، في كافة القطاعات، وقد تباروا جميعاً في تخفيف آثار الجائحة علينا، وبخاصة العاملين في القطاع الصحي، الذين تتقاصر الكلمات دون بلوغ حقهم، ويكفي شهادة خادم الحرمين الملك سلمان وولي عهده الأمين، حفظهما الله، في حق هذا القطاع والعاملين به، فذلك مما يكلل هاماتهم فخراً واعتزازاً.
* كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com
نعم يا خادم الحرمين الشريفين، حفظكم الله، كلماتكم الوضيئة بلسم للنفس المؤمنة المكلومة وهي تغالب أطياف الحزن، وتعيش أجواء إطلالة شهر رمضان الفضيل، إطلالة على غير المعتاد، وزورة على غير المتوقع، والناس، بل الدنيا كلها، حبيسة الدور، وقرينة المنازل، إنفاذاً لأوامر منع التجول اتقاء واحترازاً ووقاية للنفس من فايروس كورونا الجائح.. لن يكون حال رمضان في هذا العام، كما ألفه الناس وعايشوه في سابق أعوامهم ومواسمهم، لن يفد الزوّار والمعتمرون إلى بيت الله الحرام، الكعبة في سكون والحمام لا يطير ولن تمد موائد الرحمن للصائمين والمعتكفين، ولن يكون المسجد النّبويُّ الشّريف بما عهد عنه في رمضان وغيره من صلاة وقيام واعتكاف.. صورة محزنة، وغصّة في الحلق، وحال نسأل الله أن يكشف عنّا غمته.
هي حالة مؤقتة وستزول بإذن الله. إن رمضان في هذا العام مختلف جراء الالتزام بالاحترازات الضرورية والتباعد الاجتماعي والتعاون لحماية الجميع من هذا الوباء والوصول إلى بر الأمان، وهذا من ضمن الأخذ بالأسباب، معتزين فخورين بكل ما اتخذته حكومتنا الرشيدة من منظومة الإجراءات الاحترازية.
كنت قد وطّنت نفسي على النظر إلى الجانب الإيجابي من كل أمر؛ فلعلّ في رمضان هذا العام من أطياف الخير ما غفلنا عن إدراكه بدافع الحزن الذي في قلوبنا، وإني لأدعو نفسي مبدأً، إلى النظر بعين الإيجاب في ما نحن عليه اليوم، فالتزام الناس في بيوتهم أتاح لنا جميعاً فرصة لنراجع علاقتنا بأزواجنا وبناتنا وأولادنا، وفتح بيننا مسارات التواصل التي غيبناها وغبنا عنها في خضم الحياة المتسارعة، ولعلها ستكون أوثق عرى، وأكثر انفتاحاً واتساعاً مع شهر رمضان هذا العام، حين تجمعنا مائدة واحدة، وحين نؤدي صلاة التراويح معاً، عوضاً عن أدائها في المسجد سابقاً، فعلينا أن نجعل من دورنا مساجد نوقد فيها مسارج الصلاة جماعة، ونحيي فيها سنّة القيام بالتراويح والدعاء والابتهال.
إنها فرصة لأن نجدد فيها علاقتنا بعباداتنا التي كنا نؤديها على «العادة» سابقاً، لتكون محل التفكّر والتدبّر اليوم، وقد أتيحت لنا الفرصة بتخفيف ضغط الحياة عنّا قليلاً، وافتراض المشغوليات التي حرمتنا الكثير والكثير..
إنها فرصة لأن نجدد العهد مع كتاب الله دراسة وحفظاً وتدبّراً، والتزوّد من معين الفقه والمعرفة بالأصول، ما يسلك بعبادتنا مسلك اليقين الراسخ، والمعرفة الضرورية، وعندها ستنير القلوب وتجد لذة لعبادتها..
إنها فرصة لأن نستشعر العالم من حولنا وفي هدوء وسكون وترقّب، ونعرف قيمة الأشياء من حولنا، والنعم التي أضعناها بالغفلة والتجاهل..
نغير الكثير من سلوكياتنا التي كنا نمارسها في هذا الشهر نتسابق على الأكل وتخزينه وكأننا لن نأكل بعدها أبداً، نفرط في توزيع عبوات إفطار صائم وكأن محتاجي العالم كلهم عندنا، نتباهى بما نحمله من طعام وشراب عند إشارات المرور والمساجد حتى أصبح ترفا نحاسب عليه، نتسابق في عصاري رمضان ونشبع بعضنا بعضاً شتماً وضرباً على قرص عيش وصحن فول.
فلابد من مراجعة سلوكياتنا وهذه فرصتنا.
فرصة لأن نقرأ، ونستثمر مواهبنا المختلفة ما استطعنا سبيلاً للإبداع والإنجاز، وندوّن على قدر ما هو متاح لنا من التجربة والمكنة التدوينية..
فرص كثيرة، علينا جميعاً أن نستثمرها بقدر ما نستطيع، فغداً حين تنجلي هذه الغمة، وتزول آثارها الثقيلة على القلوب والأجساد والنفوس، سيكون لنا متسع من اللحظات لنروي ما جرى بلسان الصدق والاعتبار، سيكون متاحاً لنا أن نعيد المستفاد من تجربتنا التي مرت، وكيفية اتقاء مثيلاتها في المستقبل، إن هي حصلت -لا قدر الله- وسيتوجب علينا جميعاً أن نرفع صوت الشكر وفعل المحبة لقيادتنا الرشيدة، وقد أدارت هذه الأزمة بالحنكة والدراية ورجاحة المسلك ما جعل من المملكة نموذجاً يحتذى، ومثالاً يقتدى به.. سنرفع العقال احتراماً وتقديراً لكافة المسؤولين، في كافة القطاعات، وقد تباروا جميعاً في تخفيف آثار الجائحة علينا، وبخاصة العاملين في القطاع الصحي، الذين تتقاصر الكلمات دون بلوغ حقهم، ويكفي شهادة خادم الحرمين الملك سلمان وولي عهده الأمين، حفظهما الله، في حق هذا القطاع والعاملين به، فذلك مما يكلل هاماتهم فخراً واعتزازاً.
* كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com