كتاب ومقالات

في الإقصائيات.. تتضح الشخصيات

محمد المطيري

- في أي مهنة تحتاج إلى الاستقرار النفسي والمادي، حتى تشعر بالأمان والصفاء الذهني لتُبدع.

فمهنة لاعب هي إحدى المهن التي تتطلب وجود الاستقرار النفسي والمادي، لكن..

- ضوء الشهرة والضغوط الإعلامية تجاه اللاعب أحياناً يؤثران سلباً على مستواه الذهني، فلا غرابة أن قدم اللاعب مستوى ممتازاً طيلة الموسم، لكن الوضع يختلف تماماً في اللقاءات الإقصائية، وتحديداً ضد الفرق القوية في البطولات الكبرى، حينها يشعر اللاعب بأن أي خطأ يخطئه سيكلّف فريقه الخروج من البطولة.

- لوريس كاريوس حارس ليفربول الإنجليزي حطّم طموح جماهيره ومدربه يورغن كلوب بتحقيق دوري الأبطال في موسم 2017-2018، نهائي كييف، كانت مأساة حقيقية لجماهير الريدز، بخسارة البطولة بأخطاء كاريوس البدائية، وإصابة نجمهم محمد صلاح إصابة بالغة على إثرها خرج بمنتصف الشوط الأول. الحارس الألماني لم يتحمل الضغوط الإعلامية لمناسبة المباراة النهائية لأقوى بطولة كروية في العالم وضد حامل اللقب ريال مدريد، فظهر مرتبكاً خائفاً من قوة المناسبة فتسبب بهدفين من أصل ثلاثة، في المباراة التي انتهت لصالح الريال 3-1، وصرّح كاريوس بأنه تعرّض لضربة في رأسه أثناء المباراة، أثرت على تركيزه.

- ركلات الجزاء أثناء المباراة، وركلات الترجيح، تحتاج اتزاناً نفسياً من اللاعب، ويقرر حينها المدرب اختيار اللاعبين الأكثر هدوءاً واتزانا لتنفيذها. مارتشيلو ليبي ليس أحد أفضل المدربين في تاريخ كرة القدم على الصعيد الفني فحسب، بل يعتبر مدربا نفسانياً كذلك، بداية باختياره للنجم فابيو كانافارو ليكون كابتناً لمنتخب إيطاليا، بالرغم من عدم حمله شارة الكابتنية في الأندية التي لعب بها، بل أصبح قائداً على قائده في نادي يوفينتوس الإيطالي أليساندو ديل بييرو. بلا شك رأى المدرب رؤية نفسية في كانافارو، واتضح أنه مناسب ليكون القائد الأول للآزوري. ولم ننتهي من رؤية مارتشيلو ليبي النفسية في لاعبيه، ففي نهائي كأس العالم 2006 ضد منتخب فرنسا، بعد نهاية الوقتين الأصلي والإضافي بتعادل المنتخبين 1-1 وذهابهما إلى ركلات الترجيح استبعد ليبي القائد كانافارو من تنفيذ الركلات الترجيحية، بالرغم من كفاءته بتسديدها، واتزانه النفسي حينها، لكن المدرب خشيّ أن يضيع فابيو كانافارو الركلة الأولى، وشعور بقية اللاعبين بالتشتت الذهني، كما حصل في نهائي مونديال 1994 بين البرازيل وإيطاليا، عندما أضاع قائد منتخب إيطاليا آنذاك فرانكو باريزي، وشعور لاعبي إيطاليا في 94 بالقلق والشك حينها، اللذين نجما عن ضياع ركلة ترجيحية لأحد أفضل مسددي الركلات الثابتة في تاريخ اللعبة، عن روبيرتو باجيو أتحدث.

اتبع مارتشيلو ليبي أسلوبا نفسياً فريداً في تحديد منفذي الركلات الترجيحية، فاختار اللاعبين الأفضل لتسديد الركلة الأولى والثالثة التي لها تأثير نفسي، فالأولى إن سُجِلت ستكون الحالة الذهنية للفريق ممتازة، والعكس إن ضاعت، والثالثة تحدد مسيرة الفريق غالباً في نسبة الفوز وتساهم بزيادة الثقة لدى البقية، أما سبب اختياره لفابيو غروسو لتسديد الركلة الأخيرة، فصرّح مارتشيلو ليبي بأن غروسو يمتلك الهدوء والشجاعة و«الحظ»، حتى مدربي كرة القدم يؤمنون بالفأل.

- هذا الأسلوب النفسي افتقده المدرب السويدي زيفين غوران أريكسون في يورو 2004، عندما اختار ديفيد بيكهام لتنفيذ أولى الركلات الترجيحية ضد البرتغال في ربع نهائي البطولة، فأضاع بيكهام الركلة الترجيحية الأولى، وأصيب لاعبو منتخب إنجلترا بالتشتت الذهني حينها، فخسروا المباراة التي أخرجتهم من البطولة بعد ضياع عدة ركلات ترجيحية، والغريب بالموضوع أن المدرب لم يتعظ من ضياع ديفيد بيكهام ركلة جزائية في دور المجموعات ضد المنتخب الفرنسي.

- الهدوء والاتزان النفسي ليسا مقتصرين على اللاعبين في الركلات الترجيحية، بل الحراس كذلك، تحدث اللاعب الإيطالي أندريه بيرلو في مذكراته عن عدم اتزان حارس إنجلترا جو هارت في يورو 2012، وقال بيرلو ذهبت إلى تنفيذ ركلة الترجيح وسبق وأن حددت الزاوية التي سأسدد الكرة إليها، لكن لفتت نظري كثرة تحرك الحارس على خط المرمى، فشعرت أنه قلق من هذه اللحظات، فألغيت فكرة التسديد بتلك الزاوية، وقررت تنفيذها على طريقة اللاعب التشيكسولفاكي أنتونين بانينكا، وهي تسديد الكرة بطريقة خفيفة وساقطة بمنتصف المرمى. وتحليل بيرلو النفسي للحارس جو هارت كان صحيحاً، فقد قفز جو هارت للزاوية اليمنى، وتم تنفيذ الركلة بنجاح.

- وفي نهائي كأس العالم 1990 بين ألمانيا والأرجنتين بقيادة الأسطورة دييغو مارادونا، حصل المنتخب الألماني على ركلة جزاء في الدقائق الأخيرة من زمن المباراة، لم يتقدم لها المتعهد لوثار ماتيوس لتسديدها كالعادة، بل تقدم الظهير الأيسر أندرياس بريمة لتنفيذها، بريمة لم ينفذها بقدمه اليسرى التي يلعب بها، بل نفذها بالقدم اليمنى، وعندما سئل بريمة عن السبب، قال بأن قدمه اليسرى للقوة وقدمه اليمنى للدقة، وأنا أحتاج أن أستخدم الدقة في تنفيذ الركلة الجزائية.

أتذكر تصريحاً للوثر ماتيوس في أحد لقاءاته بعد اعتزاله، قال فيه: «عندما كنت لاعباً، دائما أشعر بعدم الثقة بنفسي، وأقول لزملائي إنني أقل من هؤلاء اللاعبين ولا أبهر الجماهير كمارادونا وخولييت وفان باستن، ودائماً أنظر إلى اللاعبين الآخرين، وأقول بنفسي هذا اللاعب أفضل مني». أعتقد أن أندرياس بريمة تقدم لتنفيذ الركلة الجزائية، بعد شعوره بأن ماتيوس ليس هادئاً ومتزناً لتنفيذها.

- المباريات الإقصائية، هي أكثر المباريات صعوبة على المستوى الذهني، في هذه المباريات لا تحتاج إلا للاعبين أكثر هدوءاً واتزاناً وتحملاً لظروف المباراة.