منوعات

أبو زاهرة.. إذاعي «زمن الطيبين» فاتن الحنجرة.. نابش اللغة

عبيدالله أبو زاهرة

طالب بن محفوظ (جدة) talibym_mahfooz@

من ساحل رابغ انتقل مع والده إلى ساحل جدة، ومن تخصص اللغة العربية امتهن التعليم بمهارة تربوية، ومن إذاعة جدة صدح بصوته الإيماني بمهنية وحرفية، ومن الأدب أخذ الشعر بالتفكير لا بالانفعال، ومن علوم البيان والمعاني والبديع التقط بلاغة الاستعارة والجناس والطباق وفن الخطاب. إنه الأديب والشاعر والإذاعي الراحل عبيدالله أبو زاهرة.

عندما ظهر صوته عبر الأثير مذيعاً، ربط بين جيلين إذاعيين، فطَعِم كعكة جيل سَلَف، وذاق انفتاحية جيل خَلَف.. ولما خرج من أنماط البرامج الإذاعية السائدة، نطق لسانه فصاحة أمام عمالقة المذياع.. وكما أنه عالِم بدهاليز اللغة وغُرَف البلاغة ونوافذ الشعر، تربت على صوته وأدائه أجيال، فكان موجهاً نصوحاً، ضابطاً للغة، مصححاً للنصوص، ومقوِّماً للاعوجاج.

ولما أرسى قواعد المسؤولية المهنية، لم يساوم على قناعاته ومبادئه وقيمه، لكنه نقش الساحة أدباً ولغة وشعراً؛ بفصاحة لسان، وفتنة لغة، وجمال أداء، وحسّ عالٍ بالكلمة ومعانيها وإحساسها، وعشق للثقافة ووقودها الإعلام.. وعندما امتلك النُبل والنجابة في حياته؛ ظل صوته وأدبه ولغته وشعره محفوراً لن ينسى بعد رحيله، لتبقى ذكراه سلوى لمحبيه.

بين المدرسة معلماً والإعلام مذيعاً واللغة بلاغياً والأدب شاعراً، هناك رجل ملأ المكان إنجازاً، وهناك عصامي تماهى مع النجاح والأحلام والآمال.. وهناك مفكر نبش الماضي وقرأ الحاضر وأشار إلى المستقبل.. وهناك مصلح بقي حِسّه أصيلاً وإحساسه متوقداً بأمانة الحرف والكلمة.. من ذلك كله شكَّل مدرسة لغوية لجيل حالي ولاحق.

وبين قرضه الشعر وقراءته وتحليله للنصوص، كانت أبياته مخضبة ببناء يجمع بين الوصف والإضمار.. وفي قصائده التي كانت جزءاً من تكوينه لم يستخدم اللعب على أوتار العاطفة، إنما فتّش عن اكتشاف الشعرية في عوالم أخرى خارج اهتمامات الشعراء الآخرين.

وفي وقت رآه البعض مُسرفاً في اللغة متكلفاً فيها، فإن الكثرة الغالبة جعلته رمزاً لغوياً عبقرياً بمفرداته الزاهرة، وكسراته المتفردة، وشعره «الحلمنتيشي» الممتزج بين الفصحى والعامية.. ومن قوة تدفق وجزالة حِرفة؛ لُقِّب بشيخ اللغويين ومعلم التربويين ومرجع الإذاعيين.