كتاب ومقالات

العالم بعد كورونا.. !

صدقة يحيى فاضل

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم يسبق أن وضع العالم كله في حالة خوف وترقب، واستنفار وقلق، يشمل كل الكرة الأرضية تقريباً، ويحيل الحياة فيها إلى ركود وتدهور صحي واقتصادي كاسح، كما يحصل الآن، بفعل تفشي وانتشار فايروس كورونا القاتل. أصبح انتشار هذا الفايروس يمثل وباءً عالمياً، بحسب بيان منظمة الصحة العالمية الصادر يوم 11 مارس 2020م. اجتاح الفايروس العالم، ابتداء من شهر ديسمبر 2019م، منطلقا من الصين. وداهم، حتى كتابة هذه السطور، حوالي ثلاثة ملايين شخص، وقتل أكثر من 300 ألف شخص، في 191 دولة. ولم يتعاف منه إلا نحو ربع المصابين.

لذا، تعتبر هذه الجائحة وتداعياتها من أسوأ ما مر على العالم منذ عام 1945م، عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. ولا ندري، حتى الآن، متى ينتهي هذا الوباء الفتاك، ويضع أوزاره هو الآخر. لكن معظم المراقبين حول العالم يجمعون على القول إن تداعيات ونتائج كورونا الكارثية ستجعل العالم (أو هكذا يجب) يراجع و«يعدل» من مساراته السابقة الخاطئة وغير المناسبة، ليصبح وضعه -ربما- أفضل من وضعه قبل تفشي كورونا به. وإن حصل ذلك بالفعل، تكون كورونا «ضارة نافعة». وسينطبق على هذه الجائحة هذا الوصف إن غيرت القوى المتنفذة في العالم من سياساتها وأوضاعها السلبية، واستبدلتها بسياسات إيجابية... همها الأول سلامة وأمن الإنسانية. وذلك إن حصل، فسيكون العالم في وضع أفضل مما كان عليه قبل كورونا. وفي كل الأحوال، يتوقع المراقبون أن «يتغير» العالم بعد كورونا. ونتمنى هنا أن يكون هذا التغيير، مهما كان قدره، إيجابيا. أو أن تكون إيجابيات التغيير أكبر من سلبياته.

****

ولو حاولنا أن نتنبأ، أو نتوقع، أهم ما ستفرضه هذه الأزمة من تغييرات عالمية قادمة، يمكن أن نلخص ذلك في ما يلي:

(1)- أكدت هذه الجائحة الضعف المشهود للإنسان، وصعوبة مواجهته لعدو فايروسي قاتل، لا يرى بالعين المجردة.

(2)- كشفت تركيز الدول العظمى والكبرى على استغلال البلاد الأضعف، وبناء ترسانات عسكرية هائلة، وإهمال الاهتمام بصحة وسلامة مواطنيها، والشعوب الأخرى، بالقدر المناسب الذي يحمي الشعوب من الكوارث الطارئة.

(3)- وضحت ضعف، وعدم ملاءمة، التعاون الإقليمي والدولي في مواجهة الكوارث الطبيعية والمختلقة، التي لا تعترف بالحدود، وتتطلب المواجهة المشتركة الفعالة، باعتبارها أخطارا مشتركة.

(4)- نبهت لوجود كميات هائلة من أسلحة «الدمار الشامل» الفتاكة، التي تمتلكها بعض الدول الآن، وتحتفظ بمخزون ضخم منها، والتي لو تسرب، أو استعمل، جزء بسيط منها، فستحدث في العالم كوارث تشبه كارثة كورونا أضعافا مضاعفة. فما تمتلكه الدول العظمى والكبرى في ترساناتها، من هذه الأسلحة، بأنواعها الثلاثة، هي كميات ضخمة تكفي لتدمير كل العالم مرات ومرات... وقد حان الآوان لنزع وحظر هذه الأسلحة، أفقيا، ورأسيا - وليس أفقيا وحسب.

(5)- حتمت هذه الأزمة وما تعلق بها من حيثيات، ضرورة إجراء «تحقيق دولي أممي» فيما حدث، وعدم اعتبار ما حدث مجرد مصادفة، إلا إن أثبت التحقيق ذلك. لا بد أن يعرف العالم: هل فايروس كورونا الجديد وجد في الطبيعة، ولتوفر «بيئة» حاضنة مناسبة له، أم أنه فايروس من صنع الإنسان، ومخلق صناعيا في معامل بيولوجية معينة؟!

(6)- أثبتت هذه الجائحة ضرورة مراجعة و«إصلاح» كل من: العولمة، الرأسمالية، الديمقراطية.

****

وأبرز ما تحتاج العولمة إليه هو: إضفاء قدر من الصبغة الإنسانية عليها، ووقف استغلال الدول الأضعف من قبل القوى الدولية الكبرى... وبحيث لا تصبح العولمة عبئاً على غالبية البشرية. كما أن الرأسمالية الحالية تحتاج إلى مزيد من القيود التي تكبح جماحها، وتلطف شراستها. وذلك عبر «التدخل الحكومي» المتوازن، الذي يأخذ في اعتباره مصلحة الجماعة أولا. أما «إصلاح» الديمقراطية الراهنة، فلا يتم -كما يقول الصحفي الأمريكي توماس فريدمان- إلا عبر جعلها أكثر ديمقراطية.

* كاتب سعودي

sfadil50@hotmail.com