كتاب ومقالات

إعلام الذعر والطمأنة

مفتاح ضائع

أنمار مطاوع

الإعلام -خصوصا التقليدي- فقد الكثير من الأدوار التي كان يقوم بها.. وربما تراجعت سلطته من المستوى الرابع إلى مستويات متأخرة، إلا أن دوره في التأثير على الرأي العام ما زال قائما. وخلال الجائحة العالمية، ظهر هذا الدور التأثيري بشكل واضح؛ المقصود بالتأثير هو طرفا النقيض: إما أن يكون جزءاً من المشكلة أو جزءاً من الحل.

ما يضعف دور الإعلام -بشكل عام- هو المجاملة المبالغ فيها، فمجاملة الإعلام لمراكز القوة في المجتمع تجعل الحياة أقل جودة.. كما أن ممارسة السلطة لكبح الإعلام تؤدي إلى ضعف أدائه. لكن الأزمات قد تبيح بعض تلك الممارسات.

صحيح أن مواجهة الأزمات الكبرى تحتاج إلى الصراحة وليس المجاملة .. فهي -أي الصراحة- تعتبر المنفذ الأكثر أمانا للجميع، ولكن في الوقت ذاته، الإعلام -التقليدي والجديد- يحتاج إلى بعض الكبح حتى لا يمارس دوره كاملاً؛ خصوصاً في مسألة الصراحة. بالتأكيد لا يمكن تغييب الصراحة بالكامل، ففي حالة نقص المصادر الرسمية التوضيحية، تصبح الشائعات هي مصدر المعلومات الموثوقة. وحين يرتفع مستوى الذعر.. تزدهر حد الطفرة، وتصبح أكثر خداعا.

إذا مارس الإعلام أدواته لإثارة الذعر الاجتماعي -وهو أكثر ما يُقلق أي حكومة في العالم- عندها يصبح جزءاً من الأزمة. أساليب إثارة الذعر قد تكون غير مقصودة أحيانا.. فقد تأتي من خلال تبادل المعلومات الوهمية أو غير الدقيقة أو غير المصرح بها؛ مثل: نشر معلومات عن نقص الكمامات والمعقمات، أو معلومات عن نقص معدات المستشفيات والأسرة والأوكسجين.. أو نشر توقعات سوداوية عن الجائحة.. وكل ما يبعث على اليأس في النفس. أيضا توجيه أسئلة محرجة للمسؤول في المقابلات حول بعض الاستعدادات لمواجهة الأزمة؛ خصوصا أسئلة (ماذا لو؟) يعتبر من أساليب إثارة الذعر، إضافة إلى نشر صور الرفوف الفارغة في البقالات -مما يروج لمبيعات الذعر؛ أي المواد الغذائية والاستهلاكية التي تكدس في المنازل وقت الحروب والكوارث الطبيعية-، أو حتى الترويج لمضادات وعلاجات بالوصفات البلدية والشعبية.. كل هذا يعتبر من أساليب إثارة الذعر وربما الترويج للوهم والجهل أيضا.

يكون الإعلام جزءاً من الحل حين يعين ويوعّي المجتمع بكيفية الحفاظ على سلامته، ويزوّده بالمعلومات الصحيحة، ويكافح الأكاذيب والشائعات ومفهوم نظرية المؤامرة التقليدي.. يكون جزءاً من الحل حين يشجع على الأعمال الخيرية لمساعدة الأسر والأفراد الأكثر تضررا من الحجر، وتقديم الدعم النفسي للمجتمع على مدار الساعة.

الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كلها تمارس التأثير.. المسؤولية المجتمعية المطوِّقة لعنق الجميع هي أن يكون هذا التأثير إيجابياً.

* كاتب سعودي

anmar20@yahoo.com