أخبار

هكذا نكلت محاكم تركيا بخصوم أردوغان

تقرير «رويترز» يفضح فساد وتسييس القضاء التركي

أرشيفية

رويترز (اسطنبول)

تعاقب 16 قاضيا على قضية انتهت بإدانة السياسيتين الكرديتين جولتان كشاناك وصباحات تونجل بالانتماء إلى تنظيم إرهابي في العام الماضي، واختتمت المحاكمة في ديار بكر أكبر مدن جنوب شرق تركيا، حيث يمثل الأكراد أغلبية، في نحو عشر جلسات لكن القضاة كانوا يتغيرون باستمرار خلال هذه الجلسات.

ولم تنقل المرأتان اللتان تصران على براءتهما إلى قاعة المحكمة إلا مرة واحدة في جلسة النطق بحكم الإدانة.

وقال محاميهما جيهان أيدن، إن الترافع من خلال دفاع سليم عنهما كان مستحيلا لأنه لم يكن يعرف من سينطق بالحكم. وقد تم تبديل القضاة دون تفسير وأغلبهم شباب بلا خبرة.

وقال أيدن المحامي الحقوقي رئيس نقابة المحامين المحلية «رئيس هيئة المحكمة تغير أربع مرات أيضا. وفي كل جلسة كانت هناك مجموعة من القضاة الجدد. وفي كل مرة كنا نضطر لبدء الدفاع من البداية»، وقلبت هذه البلبلة الإجراءات رأسا على عقب.

واضاف أيدن «كان من المستحيل أن يقرأ القضاة آلاف الصفحات في ملف القضية ولذلك كنا نضطر في كل مرة إلى التلخيص وشرح ما ورد في قائمة الاتهام. وأصبحت مهمتنا تعليم القضاة»، فيما امتنعت المحكمة عن التعليق على القضية.

وأصبحت تهم الإرهاب، مثل التهم المستخدمة في إدانة المرأتين، شائعة في تركيا لا سيما منذ محاولة انقلاب نفذها بعض عناصر الجيش للإطاحة بالرئيس رجب أردوغان في العام 2016، وأعقب المحاولة الفاشلة حملة اعتقالات جماعية.

وقال أكثر من عشرة محامين ومصادر قانونية أخرى لرويترز إن أسلوب تغيير القضاة خلال المحاكمات شاع أيضا على نحو متزايد. ويقول مسؤولون أتراك إن هذه التغييرات روتينية فحسب ترجع لأسباب صحية أو إدارية.

ويقول محامون حاورتهم رويترز إنهم مقتنعون أنها أسلوب تتحكم من خلاله الحكومة في المحاكم.

وقال جاريث جنكينز المحلل السياسي في اسطنبول إن «التغيير المتواصل للقضاة آلية بسيطة لكنها شديدة الفائدة. فكل مرة تتدخل فيها الحكومة بهذا الشكل في القضاء توجد مئات أخرى من القضايا التي يتعلم فيها القضاة الدرس» ألا يتصرفون بما يتعارض مع المصالح الواضحة للحكومة.

ولم يرد مكتب أردوغان ولا وزارة العدل على أسئلة تفصيلية لهذا التقرير حتى نشره.

ويستخدم القضاء كأداة لدعم البرامج السياسية في تركيا منذ عشرات السنين. ويقول خصوم أردوغان إن القضاء استخدم في عهده كهراوة سياسية وتعرض للتجريف بدرجة غير مسبوقة.

وفي ظل حملة التطهير التي شنها أردوغان تم عزل آلاف القضاة والمدعين وفق بيانات الحكومة نفسها. وحل محلهم قضاة جدد لا يمتلكون الخبرة وغير مؤهلين للتعامل مع الزيادة الكبيرة في أعباء العمل من جراء القضايا المرتبطة بمحاولة الانقلاب.

وبينت حسابات رويترز من واقع بيانات وزارة العدل أن 45 في المئة على الأقل من القضاة والمدعين البالغ عددهم حوالي 21 ألفا تقريبا لديهم الآن خبرة لا تتجاوز ثلاث سنوات.

وقال النائب التركي زين العمري من حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي «نحن لا ندعي أن القضاء كان مستقلا عن الحكومات من قبل. لكن لا مثيل لفترة كهذه تلوّح فيها الحكومة بالقضاء كسيف مصلت على السياسة ولا سيما المعارضة».

وعند القبض على كشاناك وتونجل في أواخر العام 2016 كانت الاثنتان من الشخصيات البارزة في الحملة التي تشنها الأقلية الكردية منذ عشرات السنين من أجل المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

كانت الصحفية السابقة كشاناك (58 عاما) قد انتخبت قبل فترة قصيرة رئيسة لبلدية ديار بكر. أما تونجل (44 عاما) النائبة في البرلمان فكانت تمثل دائرة في اسطنبول.

وحكم عليهما بالسجن 14 و15 عاما على الترتيب لنشرهما دعاية إرهابية والانتماء لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا والذي تصنفه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضمن المنظمات الإرهابية. ونفت الاثنتان الاتهامات.

وقال محمد دراق أوغلو رئيس نقابة المحامين في اسطنبول إن حكومة أردوغان حققت من خلال استخدام القضاء كأداة ضد خصومها «ما لم تستطع إنجازه بالوسائل السياسية» عبر صندوق الانتخابات.

وترد الحكومة التركية بالقول إن نظامها القانوني متقدم مثل أي دولة غربية وإن التهديدات الموجهة لأمنها الوطني تستلزم قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب.

ويقر يلماز من مجلس القضاة والمدعين «أننا شهدنا مشاكل مثل زيادة العمل. فحجم العمل يزيد كثيرا على المتوسط العالمي».

سلم وزير العدل جول أمام البرلمان بأن وزارته تواجه صعوبات بسبب قلة عدد العاملين وقال العام الماضي إن تركيا تهدف لزيادة عدد القضاة والمدعين.

وتبين أرقام من مجلس القضاة والمدعين أنه تم تعيين ما لا يقل عن 9323 قاضيا ومدعيا جديدا منذ محاولة الانقلاب. وهذا معناه أن 45 في المئة على الأقل من المدعين البالغ عددهم 21 ألفا تقريبا في تركيا لهم خبرات تبلغ ثلاث سنوات على الأكثر.

قال حقي كويلو رئيس لجنة العدل بالبرلمان التركي والنائب عن حزب العدالة والتنمية الحاكم لرويترز إن بعض القضاة والمدعين «تم تعيينهم دون تدريب كاف».

وأضاف «لسوء الحظ، يحدث كل ذلك اعتباطا. ونحن نشهد بعض الأحكام التي يصدرونها. والآن لا يسعنا سوى أن نأمل أن تصحح المحاكم الأعلى هذه الأحكام».

غير أن محكمة الاستئناف العليا أعلى محاكم الاستئناف في البلاد تعرضت للتجريف أيضا.

وقال جيريت رئيس المحكمة لرويترز إن تعيين قضاة بخبرات تقل عن خمس سنوات في محكمة الاستئناف العليا ”يمثل مخاطر لا على الفترة المعقولة للإجراءات فحسب بل على الحق في محاكمة عادلة".

وذكر أكثر من عشرة محامين وقضاة حاليين وسابقين أن القضاة الجدد يفتقرون في كثير من الأحيان للخبرة.

وقال كوكسال سنجون الذي تقاعد في 2013 «أصبحت قاضيا في محكمة للجنايات في سن الثامنة والأربعين». وأضاف أن متوسط سن القضاة في بعض الأقاليم انخفض إلى 25 عاما بعد قرارات العزل والتعيينات الواسعة. ولم يشر إلى مصدر المعلومات التي بنى على أساسها تلك الملاحظة.

وقال «في رأيي يجب أن يكون الحد الأدنى للسن في محاكم الجنايات 40 عاما. وربما أكثر من ذلك. فعليك أن تصعد السلم درجة درجة. في النظام الحالي يتم تعيينهم في سن صغيرة جدا»

وأوضح أن نقص التدريب يجعل هؤلاء القادمين الجدد يفتقرون للقوة الانفعالية والنفسية اللازمة لأداء المهمة.

وقال «هؤلاء القضاة لديهم خبرة ثلاث إلى خمس سنوات يرأسون محكمة تصدر أشد الأحكام وطأة. هؤلاء الأولاد يتعرضون لضغوط كبيرة وينسحقون. لا يمكن أن تتوقع الكثير من قاض في مثل هذه السن الصغيرة».

ويتجاوز أثر قلة الخبرة القضايا الجنائية. فقد وصفت محامية متخصصة في القضايا التجارية في اسطنبول اسمها يسيم فوضى الإجراءات في إحدى القضايا لكنها اشترطت عدم نشر اسمها بالكامل.

قالت يسيم إن القضية «بسيطة جدا» عبارة عن نزاع على دين صغير بين شركتين. ولم يجد القاضي أي مشكلة في إصدار الحكم. لكنه لدهشة المحامية طلب منها أن تؤدي له معروفا.

قالت يسيم «سألني القاضي الذي كان يبدو أصغر من 25 عاما: سيادة المحامية، هل يمكنك أن تساعديني في صياغة الحكم؟ لست واثقا من الأسلوب. فلم اتمالك نفسي من الضحك لكننا كتبنا الحكم معا».

ولا تلوح أي بوادر على أن تركيا ستغير مسارها. فبعد المحاولة الانقلابية ألغت البلاد برنامجا تدريبيا يدعمه الاتحاد الأوروبي للمسؤولين في القضاء التركي وتقرر أن يكون تدريب القضاة والمدعين محليا.

وقالت المفوضية الأوروبية في تقريرها السنوي لعام 2019 إن التوسع في تعيينات القضاة والمدعين الجدد «يدعو للقلق». وردت تركيا بأن انتقادات الاتحاد الأوروبي غير منصفة ولا تتناسب مع الواقع.

وقد تولى المحامي فيسيل أوك الدفاع عن عدد من الصحفيين المتهمين بأنهم من أعضاء شبكة كولن. وفي العام الماضي فاز بوسام توماس ديلر العالمي الذي اشتق اسمه من اسم المحامي الألماني الذي دافع عن مواطنين يهود أمام الادعاء النازي وذلك اعترافا بإنجازاته في الدفاع عن حرية التعبير وسيادة القانون.

وقال أوك إن قضاة صغار السن يحصلون على ترقيات بفضل اتصالاتهم السياسية دون أن تكون لهم خبرة تذكر في الحياة بخلاف الخبرة المهنية.

وأضاف «هذا في حد ذاته ظلم. في الماضي اعتدنا إجراء التحريات عن القضاة عند تعيينهم في قضية نترافع فيها وكنا نعدل مرافعاتنا حسب الأحكام السابقة التي أصدروها وآرائهم السياسية».

قال بنبرة مزاح ممتزجة بالمرارة إن الزمن تغير. وأضاف «لسنا مضطرين لذلك الآن لأننا نعلم أنهم كلهم موالون للحكومة».