كتاب ومقالات

صراع العائلات الحاكمة في سوريا ينفجر

رامي الخليفة العلي

في سابقة تاريخية وفي حدث استثنائي، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد وأكثر رجال النظام قرباً من دوائر صنع القرار، والممسك بزمام الوضع الاقتصادي في سوريا على مدى العقدين الماضيين رامي مخلوف خرج على وسائل التواصل الاجتماعي يتحدث عن ضيم وظلم تعرض له من خلال الإجراءات التي تقوم بها الحكومة السورية لمطالبة شركاته التي تتجاوز الثلاثين بضرائب تصل إلى 150 مليار ليرة سورية، أي ما يقارب 150 مليون دولار أمريكي. خلال الفيديو ناشد مخلوف ابن عمته أن يتدخل وأن يراقب كيف ستنفق الأموال. وكان في كلامه إشارات ضمنية أن الأسد مسير وأن هناك من يكيد لابن الخال الذي كان مدللاً طوال السنوات الماضية. قد تبدو المسألة للوهلة الأولى خلافات عائلية وإن أخذت طابعاً شبه رسمي ولكنها في حقيقة الأمر تقع في صلب نظام الحكم، ولفهم أهمية الخلاف دعونا نشير إلى طبيعة النظام السوري التي أسسها حافظ الأسد.

شهد حافظ الأسد منذ انخراطه في الجيش السوري تسعة انقلابات شارك في معظمها، وشهد كيف ينقلب الرفاق على بعضهم البعض وهو نفسه انقلب على رفيقه صلاح جديد الذي نسج نظام البعث والذي مات في سجنه بعد أن رفض الأسد الأب الإفراج عنه بالرغم من كل المناشدات. هذه التجربة جعلت حافظ الأسد رجلاً متشككاً لا يثق بأحد وحاول أن يبني دوائر للولاء على أسس عائلية وطائفية ومناطقية، فالدائرة الأضيق شملت عائلة الأسد ومخلوف وأقاربهما، وهذه العلاقة العائلية يتم الاستناد إليها في مفاصل الدولة الأمنية والعسكرية، ومن لم ينخرط في تلك المفاصل انخرط في النهب الاقتصادي، فقد عين على سبيل المثال حافظ الأسد، محمد مخلوف (والد رامي مخلوف) رئيساً لمؤسسة التبغ وكانت من أهم المؤسسات الاقتصادية وقد نخرها مخلوف الأب فساداً. البعض الآخر كان يعمل في التهريب وكان أولاد أخ الأسد الأب هم الذين يرأسون مافيا متشعبة في هذا الإطار، ولا يمكن أن ننسى رفعت الأسد الذي كان نائباً للأسد لفترة طويلة. الدائرة الأوسع هي المناطقية، فأبناء القرداحة مسقط رأس حافظ الأسد انخرطوا في المؤسسة الأمنية والعسكرية بشكل كبير وكان الطريق ممهداً أمامهم للوصول لأعلى الرتب. أما الدائرة الثالثة فهي الدائرة الطائفية والتي تغلغلت في كافة مؤسسات الدولة على حساب الطوائف الأخرى وعلى رأس تلك المؤسسات، المؤسسة العسكرية. والدائرة الأخيرة هم الموالون من باقي الطوائف في سوريا، مما جعل النظام السوري يوصف بالنظام الحديدي، وهذا ما جعل الإطاحة بالنظام مسألة صعبة وربما مستحيلة في زمن الثورة. الخطر الوحيد الذي واجهه حافظ الأسد هو محاولة الانقلاب التي قادها رفعت الأسد والتي انتهت بنفيه بعد أن أعطاه حافظ الأسد كل ما كان موجوداً في خزينة الدولة. هذه الدوائر استمرت في عهد بشار الأسد ولكن دخلت معطيات جديدة، وبالأحرى عائلات جديدة وهي عائلة الأخرس، أي عائلة زوجة الرئيس السوري بشار الأسد، لذلك بدأ الصراع يشتد بين هذه العائلات (الأسد، مخلوف، الأخرس، الدباغ «الأخيرة هم أخوال أسماء الأسد») الجديد أن عائلة أسماء الأسد سنية وهذه نقطة ضعف ربما يستغلها خصومها وهذا ما ألمح إليه رامي مخلوف بأن الأجهزة الأمنية اعتقلت أبناء جلدة بشار الأسد، وهو بذلك يضرب على الوتر الطائفي. لذلك يبدو أننا نشهد فصلاً قد يطول من صراع السلطة والنفوذ بين عائلات الحكم في مسلسل قد يطول.

* باحث سياسي

ramialkhalife@