المثقف والسلطة الفكرية
جوار النص
الأربعاء / 13 / رمضان / 1441 هـ الأربعاء 06 مايو 2020 01:07
مها الشهري
في الآونة الأخيرة ظهرت الكثير من الصدامات الفكرية بين المثقفين، في حالة متشابهة مع الفترة التي تسبق ما قبل الانفتاح والتي كانت فيها الهيمنة الفكرية لتيار واحد، من أجل الاستحواذ على عقلية الجماهير والسيطرة عليهم وضمان تبعيتهم، تلك الهيمنة كانت تتميز باستخدام أدواتها العاطفية واللاعقلانية في الخطاب، بينما لم يكن الجمهور متمرساً على فعل شيء أمامها سوى التسليم والتصديق.
انخفضت حدة ذلك الخطاب وبدرجة كبيرة فيما بعد ذلك، وأصبحت الساحة الفكرية شبه خالية للدور الذي كان ينتظر من المثقف وهو البناء، لكنْ المثقفون قد خرجوا من حروب كلامية وفكرية استهلكتهم وأرهقتهم لأكثر من 15 عاماً، ثم ظهرت حالات من الانقسام والجدليات بين المثقفين أنفسهم، كحالة صحية يظهر فيها اختلاف الرأي والرأي الآخر ولكنه بعيداً عن الود، لأن الخلاف أحياناً قد يفسد الود والقضية.
ماذا عن الجماهير التي تعافى وعيها بطريقة أفضل مما كانت عليه في السابق، وما هو دور المثقف تجاه هذه الجماهير بعيداً عن التنافسية بينه وبين أقرانه، وهي ليست حالة عامة على أي حال وإن كانت بارزة كثيراً هذه الأيام بين البعض.
في تصوري أن الخطابات المؤثرة التي تحمل الرسائل الذكية وتعطي المتلقي حرية الاقتناع أقرب إلى نفسية المتلقي الحرة عن الخطابات المبتذلة في استخدام العواطف كالتخويف والإرباك والدروشة وغيرها، لأن العواطف تستخدم كأدوات إقناعية، وقد استخدمها التيار المهيمن في السابق من أجل التماهي مع سيكولوجية الجماهير التي تعودت أن تستفتي ولا تفكر، فلا ينتظر من المثقف أن يبادلهم الأدوار.
البعض من المثقفين أخذ في بناء خطاباته في محاكاة الجماهير بهذه الصيغة بوعي ربما أو بلا وعي، ومن الطبيعي أن يجد الأمر جاذبيته لأن حالة التعافي في الوعي العام لا تعني الخلاص من رواسب هيمنة الخطاب على العقل الجمعي ومن أدواتها، ومن الممكن أن نلاحظ ان التجمهر واسع وكبير عند من يمارس دور العنصرية ومن يتغذى على غضب الجماهير أو خوفهم أو عنصريتهم وكبريائهم، فارتفاع الوعي في بعض جوانب الحياة لا يعني امتلاك الإنسان لجميع مفاتيح مشاعره، الأمر الذي يجعله تابعاً لمن يفهم كيف يتلاعب بتلك المفاتيح.
للمثقف دور هام في إخراج الجمهور من حالة التبعية التي تنساق للخطاب العاطفي، فبدلاً من ممارسة دور السلطة الفكرية التي تقول «لا تفكر، دعنا نفكر بدلاً منك» وتحمل مسؤولية الإقناع الزائفة، فالتأثير بالطريقة الموضوعية يبقى الحل الأسلم في أي بناء فكري حر.
* كاتبة سعودية
ALshehri_Maha@
انخفضت حدة ذلك الخطاب وبدرجة كبيرة فيما بعد ذلك، وأصبحت الساحة الفكرية شبه خالية للدور الذي كان ينتظر من المثقف وهو البناء، لكنْ المثقفون قد خرجوا من حروب كلامية وفكرية استهلكتهم وأرهقتهم لأكثر من 15 عاماً، ثم ظهرت حالات من الانقسام والجدليات بين المثقفين أنفسهم، كحالة صحية يظهر فيها اختلاف الرأي والرأي الآخر ولكنه بعيداً عن الود، لأن الخلاف أحياناً قد يفسد الود والقضية.
ماذا عن الجماهير التي تعافى وعيها بطريقة أفضل مما كانت عليه في السابق، وما هو دور المثقف تجاه هذه الجماهير بعيداً عن التنافسية بينه وبين أقرانه، وهي ليست حالة عامة على أي حال وإن كانت بارزة كثيراً هذه الأيام بين البعض.
في تصوري أن الخطابات المؤثرة التي تحمل الرسائل الذكية وتعطي المتلقي حرية الاقتناع أقرب إلى نفسية المتلقي الحرة عن الخطابات المبتذلة في استخدام العواطف كالتخويف والإرباك والدروشة وغيرها، لأن العواطف تستخدم كأدوات إقناعية، وقد استخدمها التيار المهيمن في السابق من أجل التماهي مع سيكولوجية الجماهير التي تعودت أن تستفتي ولا تفكر، فلا ينتظر من المثقف أن يبادلهم الأدوار.
البعض من المثقفين أخذ في بناء خطاباته في محاكاة الجماهير بهذه الصيغة بوعي ربما أو بلا وعي، ومن الطبيعي أن يجد الأمر جاذبيته لأن حالة التعافي في الوعي العام لا تعني الخلاص من رواسب هيمنة الخطاب على العقل الجمعي ومن أدواتها، ومن الممكن أن نلاحظ ان التجمهر واسع وكبير عند من يمارس دور العنصرية ومن يتغذى على غضب الجماهير أو خوفهم أو عنصريتهم وكبريائهم، فارتفاع الوعي في بعض جوانب الحياة لا يعني امتلاك الإنسان لجميع مفاتيح مشاعره، الأمر الذي يجعله تابعاً لمن يفهم كيف يتلاعب بتلك المفاتيح.
للمثقف دور هام في إخراج الجمهور من حالة التبعية التي تنساق للخطاب العاطفي، فبدلاً من ممارسة دور السلطة الفكرية التي تقول «لا تفكر، دعنا نفكر بدلاً منك» وتحمل مسؤولية الإقناع الزائفة، فالتأثير بالطريقة الموضوعية يبقى الحل الأسلم في أي بناء فكري حر.
* كاتبة سعودية
ALshehri_Maha@