أم حديجان
الجمعة / 15 / رمضان / 1441 هـ الجمعة 08 مايو 2020 01:08
علي بن محمد الرباعي
أدركتُ زمن مسلسل (أم حديجان) الإذاعي، ومضارب البادية قبل البث التلفزيوني في الباحة. برامج المذياع باعثة على التخيّل، خصوصاً في ليالي رمضان.
لا شك أن مدارس الفن والإبداع مراتب وأنواع، منها الفن للفن أي تجريده من الفكر والأيديولوجيا، ومنها (الفن العبثي) القائم على فلسفة حاجة الإنسان للصدمات والدهشة المستمرة كونه سكن الكون بدون مفاتيح، ومحاطا بالألغاز، ووجوده مهددا.
الشاشة الفضية بحضورها التقليدي قدمت صورة عن الشعب السوري الشقيق من خلال الدراما التي عبّرت عن هوية بلاد الشام، وعرفتنا على مصر والأردن قبل أن نزورهما وإلى اليوم ومسلسل (بابا عبده) وحارة أبو عواد خالدة في ذهن أجيال.
الدراما وسيلة للتعريف بالهوية الوطنية بكل مغذياتها، ومعبّرة عن إنسانها، فالأمم تحكم على المجتمعات بما يصلها عنهم من منجزات ومخترعات وفنون، والفن مع سمو مكانته عرضة للابتذال إذا تسلّع وغدت غايته (الكسب المادي) فقط، بينما هو معني بنقل ثقافة وحضارة وسلوك.
ليس من اليسير صناعة الدراما والجهود بحسب إمكانات البشر، ولأن شهر رمضان روحاني الطبع وفيه تعلو حساسية المسلم فمن المناسب أخذ ذائقة المشاهد في الحسبان، فالبرامج ليست كالوجبات السريعة تغلف والزبون يغرف ويلهف.
نحن في زمن تحولات كبرى ما يستدعي أن نكون جميعاً بمستوى الحدث المبيض للوجه، والقنوات التجارية ما دامت ستبيع منتجها علينا مغلفاً بالإعلان الدعائي فمن حقنا أن نكون شركاء في رسم ملامح ما سيعرض ولو بنخبة من كتاب الرواية والقصة والمتخصصين في علم النفس والاجتماع والتاريخ والكتابة الدرامية ليسهموا في ورش عمل وندوات وجلسات عصف ذهني.
عالمنا العربي المختنق بهذه المسلسلات والبرامج ما زال يعاني من ظواهر تحتاج معالجات، فمشكلتنا ليست في التطرف والعنف، بل هناك اختلالات اجتماعية تحتاج معالجات وبطالة تستدعي صناعة فنية تعلي شأن المهن والحرف والصناعات والابتكار. كما أن التعليم ومخرجاته بحاجة لبعض الأفكار والحلول، وحوادث السير والطرقات، وتهذيب السلوك، وتأصيل القيم. كل ذلك يمكن صياغته في السيناريوهات، والزمن الذي نعيشه زمن تحديات يفترض أن نعمل بجودة المحتوى ونؤسس ثقافة العمل والإنتاج.
لكل مقام مقال. وهويتنا العربية الإسلامية التي تشربتها المكونات الاجتماعية بحاجة للترسيخ والتعزيز فإنما الإنسان بقواه الخاصة قبل أن يكون إنسانا كونيا.
وأرجو ألا تستكثر القنوات المبالغ المالية على من يسهم بوضع تصور متكامل عن حاجات مجتمعنا السعودي من الدراما بما يسهم في تحقيق رؤيته وتجاوز تعثره وانطلاقته لمستقبله، وأزعم أنها ليست صعبة ما دمنا إعلاماً هادفاً ومستهدفاً أهلنا وفلذات أكبادنا بالخير، والترفيه جزء من أجزاء ولا اعتراض عليه.
البرامج والمسلسلات آسرة وتعتقل المشاهد ولكن السؤال «هل تمثلنا»؟ لن يعد طعامك بحرفية إلا من يحترم ذائقتك، ولن يصنع قهوتك بمهارة إلا خبير بأنواع البُن وطريقة حمسه، وإذا ما أحد بيسمعني سأرجع أتابع أم حديجان.
* كاتب سعودي
Al_ARobai@
لا شك أن مدارس الفن والإبداع مراتب وأنواع، منها الفن للفن أي تجريده من الفكر والأيديولوجيا، ومنها (الفن العبثي) القائم على فلسفة حاجة الإنسان للصدمات والدهشة المستمرة كونه سكن الكون بدون مفاتيح، ومحاطا بالألغاز، ووجوده مهددا.
الشاشة الفضية بحضورها التقليدي قدمت صورة عن الشعب السوري الشقيق من خلال الدراما التي عبّرت عن هوية بلاد الشام، وعرفتنا على مصر والأردن قبل أن نزورهما وإلى اليوم ومسلسل (بابا عبده) وحارة أبو عواد خالدة في ذهن أجيال.
الدراما وسيلة للتعريف بالهوية الوطنية بكل مغذياتها، ومعبّرة عن إنسانها، فالأمم تحكم على المجتمعات بما يصلها عنهم من منجزات ومخترعات وفنون، والفن مع سمو مكانته عرضة للابتذال إذا تسلّع وغدت غايته (الكسب المادي) فقط، بينما هو معني بنقل ثقافة وحضارة وسلوك.
ليس من اليسير صناعة الدراما والجهود بحسب إمكانات البشر، ولأن شهر رمضان روحاني الطبع وفيه تعلو حساسية المسلم فمن المناسب أخذ ذائقة المشاهد في الحسبان، فالبرامج ليست كالوجبات السريعة تغلف والزبون يغرف ويلهف.
نحن في زمن تحولات كبرى ما يستدعي أن نكون جميعاً بمستوى الحدث المبيض للوجه، والقنوات التجارية ما دامت ستبيع منتجها علينا مغلفاً بالإعلان الدعائي فمن حقنا أن نكون شركاء في رسم ملامح ما سيعرض ولو بنخبة من كتاب الرواية والقصة والمتخصصين في علم النفس والاجتماع والتاريخ والكتابة الدرامية ليسهموا في ورش عمل وندوات وجلسات عصف ذهني.
عالمنا العربي المختنق بهذه المسلسلات والبرامج ما زال يعاني من ظواهر تحتاج معالجات، فمشكلتنا ليست في التطرف والعنف، بل هناك اختلالات اجتماعية تحتاج معالجات وبطالة تستدعي صناعة فنية تعلي شأن المهن والحرف والصناعات والابتكار. كما أن التعليم ومخرجاته بحاجة لبعض الأفكار والحلول، وحوادث السير والطرقات، وتهذيب السلوك، وتأصيل القيم. كل ذلك يمكن صياغته في السيناريوهات، والزمن الذي نعيشه زمن تحديات يفترض أن نعمل بجودة المحتوى ونؤسس ثقافة العمل والإنتاج.
لكل مقام مقال. وهويتنا العربية الإسلامية التي تشربتها المكونات الاجتماعية بحاجة للترسيخ والتعزيز فإنما الإنسان بقواه الخاصة قبل أن يكون إنسانا كونيا.
وأرجو ألا تستكثر القنوات المبالغ المالية على من يسهم بوضع تصور متكامل عن حاجات مجتمعنا السعودي من الدراما بما يسهم في تحقيق رؤيته وتجاوز تعثره وانطلاقته لمستقبله، وأزعم أنها ليست صعبة ما دمنا إعلاماً هادفاً ومستهدفاً أهلنا وفلذات أكبادنا بالخير، والترفيه جزء من أجزاء ولا اعتراض عليه.
البرامج والمسلسلات آسرة وتعتقل المشاهد ولكن السؤال «هل تمثلنا»؟ لن يعد طعامك بحرفية إلا من يحترم ذائقتك، ولن يصنع قهوتك بمهارة إلا خبير بأنواع البُن وطريقة حمسه، وإذا ما أحد بيسمعني سأرجع أتابع أم حديجان.
* كاتب سعودي
Al_ARobai@