إمساكية رمضان في عقل المستشار !
الاثنين / 18 / رمضان / 1441 هـ الاثنين 11 مايو 2020 01:14
نجيب يماني
انهمر على هاتفي الجوال مقطع مصور لأحدهم، عرّف نفسه بأنه «المستشار أحمد عبده ماهر»، أثار فيه جدلية حول موعد الإفطار في شهر رمضان وملخصه أن الإفطار عند أذان المغرب خطأ وقع فيه الأقدمون واللاحقون لأنهم ذهبوا خلف «السنة» وتركوا «القرآن الكريم» الذي يأمر المسلمين بالقول: «وأتموا الصيام إلى الليل»، عاقداً مقارنة بين مفردة «الإتمام» و«الإكمال» مرتئياً الإتمام «أعلى وأعظم من الإكمال»، وساق لذلك حجة بإيراد الآية الكريمة «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً»، ليصل إلى نتيجة مفادها أن «الإتمام أعلى من الإكمال»، وبناء عليها أسّس لقوله: «إن المولى عز وجل أراد منا أن نتم وليس نكمل الصيام إلى الليل»، وذهب إلى توصيف الليل وما يتبعه من حلول الظلام، وظهور النجوم والكواكب، وأن ذلك لا يتحقق عند المغرب، بما يجعل من الإفطار عند أذان المغرب مخالفاً لمنطوق الآية، والصحيح عنده أن الإفطار يكون عند دخول الليل، وساق لذلك دليلاً بالإشارة إلى أن أذان المغرب إنما ينادي لـ«الصلاة» ولا يقول «حي على الشرب أو الأكل»، فإذا ما استجاب الناس لداعي الأذان، وأقاموا الصلاة في ميقاتها؛ فسينقضي من الزمن نحو 25 دقيقة، وقت دخول الليل، ويكون وقت الإفطار قد دخل.
هذا ملخص ما قاله «المستشار ماهر»، وقد تعمّدت أن أسقط من تسجيله كل إشاراته الواخزة لمن يتبعون السنة المشرفة، وسخريته ممن ينتهجون هذا النهج، ليقيني أنها ستبعد بنا عن جوهر ما أورده واستند عليه، ولقناعتي أن في ما قاله وساقه حجة له، يمثل عندي حجة عليه، طالما أنه يدعونا إلى القرآن فقط، وأن نُعمل «العقل والمنطق».. واستجابة لدعوته؛ فإني مجادله بـ«منطوق العقل» نفسه، فأقول: لئن كان «الإتمام» عنده «أعلى وأعظم من الإكمال»، وأن الكمال درجة دون الإتمام، فإن في إيراده للآية الكريمة «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً»، يكمن حرج بالغ الخطورة، فطالما أن الله عزّ وجل قد «أكمل» الدين برسالة سيدنا محمّد فالحاجة ماسة إلى أن نبلغ «الإتمام» برسالة جديدة، ورسول خاتم، وإلا فإن الرسالة الإلهية ستكون ناقصة ولم يبلغ الدين «التمام»، وعليه فإن حقيقة أن الرسالة المحمدية هي خاتمة الرسالات السماوية ستكون موضع شك عظيم إذا ما اتبعنا «عقل المستشار ومخرجاته».. كذلك ستكون النتيجة وخيمة أيضاً لو ذهبنا معه في فهمه للآية الكريمة «وأتموا الصيام إلى الليل»، فتحديده بداية الليل موعداً للإفطار، أي بعد 25 دقيقة من صلاة المغرب، يخالف منطوق الآية بفهمه أيضاً، فالآية لم تقل «وأتموا الصيام إلى بداية الليل» وإنما ذكرت الليل مطلقاً، وهو ما يعني أن يستوفي الصائم ساعات الليل كاملة في الصيام، فلو أنه أفطر في «مواعيد المستشار» لقطع صيامه، وبقي من الليل شطر لا صيام فيه، ولا آية تحدد موضعه من الأحكام، ولو أنا ذهبنا مع الآية وفق مفهوم «ماهر» لوجب علينا أن «نتم» الصيام إلى الليل حتى نهايته، أي عند الحد الفاصل ما بين الخيطين الأبيض والأسود، فيكون زمن الإفطار حينئذٍ هو زمن الإمساك لليوم التالي من الصيام، وهو ما يعني 24 ساعة -إلا قليلاً- من الصيام، وعلى هذا النحو ستكون إمساكية رمضان لو تبعنا عقل المستشار!!
لقد أجمعت الأمة منذ عهد الرسالة بأن وقت الصيام يبدأ من طلوع الفجر الصادق وينتهي بمغيب قرص الشمس خلف الأفق بالكامل.
كما أن الليل في لغة العرب يبدأ من غروب الشمس، وقال ابن كثير في تفسير الآية محل النقاش إنه يقتضى الإفطار عند غروب الشمس حكماً شرعياً. وأكد ابن عاشور في التحرير والتنوير أن استعمال حرف الجر (إلى) في الآية يفيد التعجيل لما تحمله دلالة هذا الحرف من انتهاء الغاية. إن للقرآن قواعد في التفسير والتأويل تستند أساساً على اللغة العربية لغة القرآن ولا يمكن الخروج عن أطر هذه القواعد، لا بد لك أيها المستشار أن تهتم بدراسة علم الدلالة وهو علم يهتم بدراسة الكلمات من خلال معانيها فالكلمة لها معنى أساسي ومعنى سياقي والسياق هو الذي يحدد معنى الجملة.
المستشار لم يحدد لنا مجال تخصصه الذي نال به مقام «الاستشارية»، لكن من واقع مخرجات «عقله في فهم القرآن» فمن المؤكد أنها لا تتصل بهذا الحقل الذي يفتقر فيه إلى أدنى المقومات، وهي المعرفة باللغة العربية، التي تقوم عليها القراءة السليمة، المفضية إلى الفهم السليم، ولو أنه أتقن «العربية» لما احتاج إلى أن يلوي عنق الآية القرآنية ويستند عليها في تفضيل «الإتمام» على «الإكمال» ليصل إلى نتيجته السقيمة التي انتهى إليها، ولو أنه أيضاً نظر بـ«عقل» مفتوح للآية لأدرك أن الإتمام أدنى درجة من الكمال، فكمال الدين في الآية تحقق بالرسالة الخاتمة، وبها «تمت» النعمة في الدنيا، وبقي «كمال» النعمة في الآخرة، بما وعد الله به عباده الموحدين فلو كان «الإتمام» هو الذروة والمنتهى -كما يدعي «المستشار»- فماذا ينتظر المؤمن في الآخرة وقد استوفى النعم بـ«تمامها» في الدنيا.
* كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com
هذا ملخص ما قاله «المستشار ماهر»، وقد تعمّدت أن أسقط من تسجيله كل إشاراته الواخزة لمن يتبعون السنة المشرفة، وسخريته ممن ينتهجون هذا النهج، ليقيني أنها ستبعد بنا عن جوهر ما أورده واستند عليه، ولقناعتي أن في ما قاله وساقه حجة له، يمثل عندي حجة عليه، طالما أنه يدعونا إلى القرآن فقط، وأن نُعمل «العقل والمنطق».. واستجابة لدعوته؛ فإني مجادله بـ«منطوق العقل» نفسه، فأقول: لئن كان «الإتمام» عنده «أعلى وأعظم من الإكمال»، وأن الكمال درجة دون الإتمام، فإن في إيراده للآية الكريمة «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً»، يكمن حرج بالغ الخطورة، فطالما أن الله عزّ وجل قد «أكمل» الدين برسالة سيدنا محمّد فالحاجة ماسة إلى أن نبلغ «الإتمام» برسالة جديدة، ورسول خاتم، وإلا فإن الرسالة الإلهية ستكون ناقصة ولم يبلغ الدين «التمام»، وعليه فإن حقيقة أن الرسالة المحمدية هي خاتمة الرسالات السماوية ستكون موضع شك عظيم إذا ما اتبعنا «عقل المستشار ومخرجاته».. كذلك ستكون النتيجة وخيمة أيضاً لو ذهبنا معه في فهمه للآية الكريمة «وأتموا الصيام إلى الليل»، فتحديده بداية الليل موعداً للإفطار، أي بعد 25 دقيقة من صلاة المغرب، يخالف منطوق الآية بفهمه أيضاً، فالآية لم تقل «وأتموا الصيام إلى بداية الليل» وإنما ذكرت الليل مطلقاً، وهو ما يعني أن يستوفي الصائم ساعات الليل كاملة في الصيام، فلو أنه أفطر في «مواعيد المستشار» لقطع صيامه، وبقي من الليل شطر لا صيام فيه، ولا آية تحدد موضعه من الأحكام، ولو أنا ذهبنا مع الآية وفق مفهوم «ماهر» لوجب علينا أن «نتم» الصيام إلى الليل حتى نهايته، أي عند الحد الفاصل ما بين الخيطين الأبيض والأسود، فيكون زمن الإفطار حينئذٍ هو زمن الإمساك لليوم التالي من الصيام، وهو ما يعني 24 ساعة -إلا قليلاً- من الصيام، وعلى هذا النحو ستكون إمساكية رمضان لو تبعنا عقل المستشار!!
لقد أجمعت الأمة منذ عهد الرسالة بأن وقت الصيام يبدأ من طلوع الفجر الصادق وينتهي بمغيب قرص الشمس خلف الأفق بالكامل.
كما أن الليل في لغة العرب يبدأ من غروب الشمس، وقال ابن كثير في تفسير الآية محل النقاش إنه يقتضى الإفطار عند غروب الشمس حكماً شرعياً. وأكد ابن عاشور في التحرير والتنوير أن استعمال حرف الجر (إلى) في الآية يفيد التعجيل لما تحمله دلالة هذا الحرف من انتهاء الغاية. إن للقرآن قواعد في التفسير والتأويل تستند أساساً على اللغة العربية لغة القرآن ولا يمكن الخروج عن أطر هذه القواعد، لا بد لك أيها المستشار أن تهتم بدراسة علم الدلالة وهو علم يهتم بدراسة الكلمات من خلال معانيها فالكلمة لها معنى أساسي ومعنى سياقي والسياق هو الذي يحدد معنى الجملة.
المستشار لم يحدد لنا مجال تخصصه الذي نال به مقام «الاستشارية»، لكن من واقع مخرجات «عقله في فهم القرآن» فمن المؤكد أنها لا تتصل بهذا الحقل الذي يفتقر فيه إلى أدنى المقومات، وهي المعرفة باللغة العربية، التي تقوم عليها القراءة السليمة، المفضية إلى الفهم السليم، ولو أنه أتقن «العربية» لما احتاج إلى أن يلوي عنق الآية القرآنية ويستند عليها في تفضيل «الإتمام» على «الإكمال» ليصل إلى نتيجته السقيمة التي انتهى إليها، ولو أنه أيضاً نظر بـ«عقل» مفتوح للآية لأدرك أن الإتمام أدنى درجة من الكمال، فكمال الدين في الآية تحقق بالرسالة الخاتمة، وبها «تمت» النعمة في الدنيا، وبقي «كمال» النعمة في الآخرة، بما وعد الله به عباده الموحدين فلو كان «الإتمام» هو الذروة والمنتهى -كما يدعي «المستشار»- فماذا ينتظر المؤمن في الآخرة وقد استوفى النعم بـ«تمامها» في الدنيا.
* كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com