مليونير الأمس.. مديونير اليوم !

سمير عابد شيخ

كانت أوّل سيّارة اقتنيتها بعد تخرّجي في عام 1981م، يابانية الولادة سعودية المنشأ وسعرها ثمانية عشر ألفاً وخمسمائة ريال. وكانت أوّل أرض اشتريتها لبناء سكن لأسرتي سعرها حوالى مئتين وخمسة وعشرين ألف ريال. ثم عندما سمت موديل تلك السيّارة مؤخرا وجدتها قد لامست الستين ألف ريال، أمّا الأرض المثيلة في حارتي بل وأمام مسكني فقد بلغت مليونا ومائة وخمسين ألف ريال. فلقد تضاعف سعر السيّارات اليابانية بمايتجاوز الثلاثة أضعاف، امّا الأراضي السكنية في الأحياء المتوسطة فقد تجاوزت الخمسة أضعاف. وهكذا سنعلم أنّ من كان يمتلك مليون ريال قبل خمسة وعشرين عاما، كان يمكن أن يشتري أربع قطع أراض ونصف في شمال جدّة. أمّا الذي حارب وضارب وأصبح مليونيرا اليوم، فلا يستطيع أن يسعد حتى بجيرتي المتواضعة!
وعليه فإنّ مجرّد الغلاء الطبيعي يفقد الانسان مقدرته الشرائية وبالتالي يفقده مستواه الاقتصادي “أوتوماتيكيا” دون حول له ولا قوة! فاذا ما تضاعف الغلاء كما يحدث اليوم فسوف يتبدّل الانخفاض التدريجي، الى «زحليقة» شديدة الانحدار تهوي به في مكان سحيق! وبديهي أنّ استمرار الغلاء لسنوات قادمة، كما يتوقّع البنك الدولي، سيهوي بالمستوى الاقتصادي لمعظم الناس. فمنهم من سيتدنّي دون طبقته الوسطى، وآخرون سيجهدون للمحافظة على رمزية الغنى والثراء!
ولعلّنا نسأل أنفسنا: ما هو ذلك القدر من المال الذي باقتنائه نصبح أثرياء؟ يقول البعض إنّ هذا أمر نسبي مائة بالمائة.. ويفسرون ذلك بأن حالة الثراء هي التي تمثل نسبة ما يملكه الفرد الى ما يتمنّاه! فإذا كنت تتمنّى أن يكون لديك مليون ريال مثلا وأصبح لديك تسعمائة ألف فانت شبه غني. أمّا اذا كنت تتمنّى أن يكون لديك عشرة ملايين وأصبح لديك مليون ريال بالتمام والكمال فانت بعيد عن الغنى رغم أنّك مليونير!
ولنسأل أنفسنا اذا ما كان امتلاك مليون ريال اليوم يدرجنا ضمن طبقة الأثرياء!؟ طبعاً إذا أخذنا بقاعدة النسبية، لقلنا إن الموظف الذي يتقاضى خمسة آلاف ريال شهريا، سيعتبر نفسه ثريا اذا أصبح لديه مليون ريال بين ليلة وضحاها! ولكن المفهوم العصري للثراء يختلف عن هذا التصور! فالثري في هذه الأيام هو الذي يستطيع أن يستثمر أمواله ليحصل على عائد يمكنه من العيش في بحبوحة باقي حياته.
فاذا فزت بمليون ريال (في برنامج من سيربح المليون مثلا ) واستثمرته في صندوق بعيد عن مخاطر الأسهم، ستجني عائدا بحدود أربعة في المائة سنويا، أي بعائد اجمالي يبلغ أربعين ألف ريال. واذا زكّيت مالك بنسبة 2,5% في المائة سيصبح العائد تسعة وثلاثين ألف ريال. فاذا قسمت هذا المبلغ على أشهر السنة، سيكون دخلك الشهري 3250ريالاً فقط لا غير! فهل تستطيع أن تعيش في رغد الأغنياء بهذا الدخل الشهري؟ طبعا لا! وللحصول على تصوّر أفضل لمعنى الثراء، دعونا نحسبها بالعكس!
فاذا كان الثري هو الذي ينفق ثلاثين ألف شهريا، فينبغي أن يكون لديه استثمارات تدر عليه ثلاثين ألفاً شهريا. بمعنى آخر أن يكون مردود استثماراته ثلاثين ألفاً ضرب اثنى عشر شهراً, أي ثلاثمائة وستين ألف ريال سنويا. فاذا كان العائد السنوي أربعة بالمائة فيجب أن يكون لديه تسعة ملايين ريال لتتحقق الثلاثمائة وستين ألف ريال المنشودة. طبعا سينخفض هذا المردود بنحو تسعة آلاف بعد اخراج الزكاة, ليبلغ العائد السنوي ثلاثمائة وتسعة وأربعين ألف ريال, وهو قريب الى المبلغ المنشود.
أمّا اذا كان الصندوق لا يخرج الزكاة عن المودعين، فهناك زكاة أخرى يجب اخراجها عن التسعة ملايين. ولاشك أنّ استحقاقات الزكاة الشرعية اضافة الى الغلاء، ستجعل من الحكمة رفع الأصل المستثمر لحدود العشرة ملايين! فاذا كان في الماضي من يملك المليون يعتبر غنيا، فقد لا يعتبر غنيا اليوم من لا يملك أقل من العشرة ملايين. واذا صح هذا بالنسبة للأغنياء، فكيف بأحوال الفقراء ومحدودي الدخل اليوم!
Samirabid@Yahoo.com


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 117 مسافة ثم الرسالة