عربة الموسيقى وضجيج المقلدين
الجمعة / 29 / رمضان / 1441 هـ الجمعة 22 مايو 2020 00:43
عبدالله الرشيد
شيوع فكرة ما وانتشارها بين الناس يسبغ عليها سلطة، ورهبة، وهيبة، تدفع الكثير نحو الإيمان بها، ينقادون للتسليم لها، والاعتقاد بصحتها دون بحث أو تفكر في حقيقتها العلمية والموضوعية، حيث يدور سؤال في العقل الباطن «هل يعقل أن يكون كل هؤلاء الناس على خطأ»؟، وهكذا تكتسب الأفكار الشائعة قوة من كثرة عدد الناس المقتنعين بها، الذين لا يريدون أن يزعجوا أنفسهم، ويسمحوا للشك بأن يتسلل إلى الأفكار الشائعة في أوساطهم، فالتسليم لها مبعث راحة، وسبيل أيضاً للاندماج مع الجموع. يقول أحدهم: «في أي مجتمع كبير كن مع الأغلبية فذلك أكثر أماناً».
من الصعب مقاومة هذه الجموع، حيث كانت الحجة التي توجه للعلماء والمصلحين «هل ستكون أنت أعلم من كل هؤلاء الناس»؟ ولو أن جميع العلماء والمبدعين صمتوا وجبنوا أمام هذا السؤال، لما تقدمت البشرية في مسيرتها، ولم تشهد ثورات علمية، وتقدماً، وصناعة واختراعاً. لكن لأن عدداً من هؤلاء المصلحين تجاسروا أمام صوت الأكثرية وقالوا: نعم نحن أعلم، وصدحوا برأيهم في وجه الألوف المؤلفة وعانوا الغربة والاغتراب في سبيل قناعتهم، حينها تبدأ افكارهم بصنع أثرها في المجتمع، فيلتف حولهم عدد من الناس، هم قلة في البداية يدفعهم الحماس شيئاً فشيئاً، حتى تفرض الفكرة الجديدة نفسها في النهاية على الجموع الكثيرة، ثم يأتي الوقت الذي تتجمد فيه هذه الحقيقة الجديدة، وتتحجر، ويتجاوزها الزمن، وتأتي الحاجة لظهور مصلح جديد وهكذا. هي حركة مستمرة لا تتوقف في بناء الأفكار، ومواجهة السائد، وبناء الجديد، وكلها حلقات متصلة بعضها ببعض في تاريخ عقل الإنسان وفكره.
من المغالطات المنطقية التي تعيق التفكير الصحيح، مغالطة يطلق عليها «عربة الفرقة الموسيقية»، وتعبر هذه المغالطة عن ميلنا الغريزي لأن ننضوي مع الحشد، ما دام الناس يسيرون في هذا الاتجاه، فلا بد أنه صحيح، وأنه المسلك الذي يجب أن يتبع.
تسمية المغالطة بهذا الاسم، يعود لأسلوب المرشحين والنقباء في المجتمعات الغربية حيث كانوا في حملاتهم الانتخابية يستقلون عربة كبيرة تتسع لفرقة موسيقية تغني، ويطلبون من الناس الانضمام لهذا الحشد، «هلم إلى عربة الموسيقى»، تجلبهم الأصوات الراقصة، يتمايلون معها، ويتبعون ذاك المرشح الذي يتضخم حشده، ويتبعه الألوف دون أن يعرف الأكثرية لماذا اختاروه.
يتحدث علماء النفس عن فكرة عربة الموسيقى، وكيف أنها تشكل ضغطاً على الفرد، ليس في تبني الأفكار السائدة فحسب، بل في ضغط الانصياع للهوية الاجتماعية في مجتمع ما، وأثر الحشد في دفع الفرد إلى أن يتماشى مع طبائع الأكثرية حتى لا يشعر بالغربة، شيئاً فشيئاً يفقد فردانيته ويصبح نسخة متكررة شبيهة بمن حوله في المجتمع الكبير.
هناك كثير من المفكرين والمثقفين في دواخلهم ومجالسهم الضيقة يصرحون بأفكار مستنيرة، وآراء نقدية جريئة للسائد العام، لكن حين يخرجون للفضاء العام ينقلبون أشخاصاً آخرين، يكررون الكلام الذي تحب أن تسمعه عامة الناس، وحين تواجههم بذلك، يسوقون أمامك الأعذار والحجج والمعاذير، وكلها في الأخير تعبير عن الرضوخ لسلطة الانتشار، وسطوة الأكثرية.
من الصعب مقاومة هذه الجموع، حيث كانت الحجة التي توجه للعلماء والمصلحين «هل ستكون أنت أعلم من كل هؤلاء الناس»؟ ولو أن جميع العلماء والمبدعين صمتوا وجبنوا أمام هذا السؤال، لما تقدمت البشرية في مسيرتها، ولم تشهد ثورات علمية، وتقدماً، وصناعة واختراعاً. لكن لأن عدداً من هؤلاء المصلحين تجاسروا أمام صوت الأكثرية وقالوا: نعم نحن أعلم، وصدحوا برأيهم في وجه الألوف المؤلفة وعانوا الغربة والاغتراب في سبيل قناعتهم، حينها تبدأ افكارهم بصنع أثرها في المجتمع، فيلتف حولهم عدد من الناس، هم قلة في البداية يدفعهم الحماس شيئاً فشيئاً، حتى تفرض الفكرة الجديدة نفسها في النهاية على الجموع الكثيرة، ثم يأتي الوقت الذي تتجمد فيه هذه الحقيقة الجديدة، وتتحجر، ويتجاوزها الزمن، وتأتي الحاجة لظهور مصلح جديد وهكذا. هي حركة مستمرة لا تتوقف في بناء الأفكار، ومواجهة السائد، وبناء الجديد، وكلها حلقات متصلة بعضها ببعض في تاريخ عقل الإنسان وفكره.
من المغالطات المنطقية التي تعيق التفكير الصحيح، مغالطة يطلق عليها «عربة الفرقة الموسيقية»، وتعبر هذه المغالطة عن ميلنا الغريزي لأن ننضوي مع الحشد، ما دام الناس يسيرون في هذا الاتجاه، فلا بد أنه صحيح، وأنه المسلك الذي يجب أن يتبع.
تسمية المغالطة بهذا الاسم، يعود لأسلوب المرشحين والنقباء في المجتمعات الغربية حيث كانوا في حملاتهم الانتخابية يستقلون عربة كبيرة تتسع لفرقة موسيقية تغني، ويطلبون من الناس الانضمام لهذا الحشد، «هلم إلى عربة الموسيقى»، تجلبهم الأصوات الراقصة، يتمايلون معها، ويتبعون ذاك المرشح الذي يتضخم حشده، ويتبعه الألوف دون أن يعرف الأكثرية لماذا اختاروه.
يتحدث علماء النفس عن فكرة عربة الموسيقى، وكيف أنها تشكل ضغطاً على الفرد، ليس في تبني الأفكار السائدة فحسب، بل في ضغط الانصياع للهوية الاجتماعية في مجتمع ما، وأثر الحشد في دفع الفرد إلى أن يتماشى مع طبائع الأكثرية حتى لا يشعر بالغربة، شيئاً فشيئاً يفقد فردانيته ويصبح نسخة متكررة شبيهة بمن حوله في المجتمع الكبير.
هناك كثير من المفكرين والمثقفين في دواخلهم ومجالسهم الضيقة يصرحون بأفكار مستنيرة، وآراء نقدية جريئة للسائد العام، لكن حين يخرجون للفضاء العام ينقلبون أشخاصاً آخرين، يكررون الكلام الذي تحب أن تسمعه عامة الناس، وحين تواجههم بذلك، يسوقون أمامك الأعذار والحجج والمعاذير، وكلها في الأخير تعبير عن الرضوخ لسلطة الانتشار، وسطوة الأكثرية.