جورجيس.. ضحية الهجاء
عيون شعرية
الجمعة / 29 / رمضان / 1441 هـ الجمعة 22 مايو 2020 03:00
فهد البندر fahadalbandar@
الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبّر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، والأخلاق السامية الرفيعة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل، ومن الشعراء: أبو الحسن علي ابن العباس بن جريج، أو جورجيس الرومي، ويكنى بابن الرومي، وهو شاعر كبير من طبقة المتنبي وبشار بن برد. قيل إنه روميّ الأصل وجدّه من موالي العباسيين، ولد بالعقيقة في بغداد عام 221هـ ومات فيها مسموماً بعد أن هجا القاسم بن عبيدالله وزير الخليفة المعتضد، فدسّ له السمّ فمات به عام 283هـ. يقول في قصيدةٍ رثى فيها أحد أبنائه، عدّها النقاد من أجود مراثي العرب، سنورد جزءاً منها:
بُكَاؤكُمَا يَشْفِيْ وَإنْ كَانَ لاَ يُجْدِيْ
فَجُوْدَا فَقَدْ أوْدَى نَظِيْرُكُمَا عِنْدِي
بُنَيَّ الذِي أهْدَتْهُ كَفَّايَ لِلْثَّـرَى
فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى، وَيَا حَسْرَةَ المَهْدِي
ألاَ قَاتَلَ اللَّهُ المَنَايِا وَرَمْيَهَا
مِنَ القَوْمِ حَبَّاتِ القُلُوْبِ عَلَى عَمْدِ
تَوَخَّى حِمَامُ المَوْتِ أوْسَطَ صِبْيَتِي
فَلِلَّهِ كَيْفَ اخْتَارَ وَاسِطَةَ العِقْدِ
عَلَى حِيْنِ شِمْتُ الخَيْرِ مِنْ لَمَحَاتِهِ
وَآنَسْتَ مِنْ أفْعَالِهِ آيَةَ الرُّشْـدِ
طَوَاهُ الرَّدَى عَنِّيْ، فَأضْحَى مَزَارُه
بَعِيْدَاً عَلَى قُرْبٍ، قَرِيْبَاً عَلَى بُعْدِ
لَقَدْ أنْجَزَتْ فِيْهِ المَنَايَا وَعِيْدَهَا
وَأخْلَفَتِ الآمَالُ مَا كَانَ مِنْ وَعْدِ
لَقَدْ قَلَّ بَيْنَ المَهَدِ وَاللحْدِ لَبْثُهُ
فَلَمْ يَنْسَ عَهْدَ المَهْدِ، إذْ ضُمَّ فِي اللّحْدِ
ألَحَّ عَلَيْهِ النَّزْفُ حَتَّى أحَالَهُ
إلَى صُفْرَةِ الجَادِيِّ عَنْ حُمْرَةِ الوَرْدِ
عَجِبْتُ لِقَلْبِيْ كَيْفَ لَمْ يَنْفَطِرْ لَهُ
وَلَوْ أنَّهُ أقْسَى مِنَ الحَجَرِ الصَّلْدِ
بِوُّدِيْ أنِّي كُنْتُ قَدْ مُتُّ قَبْلَهُ
وَأنَّ المَنَايَا دُوْنَهُ، صَمَدَتْ صَمْدِي
وَلَكِنَّ رَبِّي شَاءَ غَيْرَ مَشِيْئَتِي
وَللّرَّبِّ إمْضَاءِ المَشِيْئَة، لاَ العَبْدِ
وَأوْلاَدُنَا مِثْلُ الجَوَارِحِ، أيُّهَا
فَقَدْنَاهُ، كَانَ الفَاجِعُ البَيِّنُ الفَقْدِ
لَعَمْرِي لَقَدْ حَالَتْ بِيَ الحَالُ بَعْدَهُ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ حَالَتْ بِهِ بَعْدِي
ثَكَلْتُ سُرُوْرِيَ كُلَّهُ إذْ ثَكَلْتُهُ
وَأصْبَحْتُ فِي لَذَّاتِ عَيْشِي أخَا زُهْدِ
أعَيْنَيَّ جُوْدَا لِي، فَقَدْ جُدْتُ لِلثَّرَى
بَأنْفُسٍ مِمَّا تُسْألاَنِ مِنَ الرَّفْدِ
أقُرَّةَ عَيْنِي، قَدْ أطَلْتُ بُكَاءُهَا
وَغَادَرْتُهَا أقْذَى مِنَ الأعْيُنِ الرُّمْدِ
أقُرَّةَ عَيْنِي، لَوْ فَدَى الحَيُّ مَيِّتَاً
فَدَيْتُكَ بِالحَوْبَاءِ أوَّلَ مَنْ يَفْدِي
وَمَنْ كَانَ يَسْتَهْدِي حَبِيْبَاً هَدِيَّةً
فَطَيْفُ خَيَالٍ مِنْكَ فِيْ النَّوْمِ أسْتَهْدِي
عَلَيْكَ سَلاَمُ اللَّهِ مِنِّي تَحِيَّةً
وَمِنْ كُلِّ غَيْثٍ صَادِقِ البَرْقِ وَالرَّعْدِ
بُكَاؤكُمَا يَشْفِيْ وَإنْ كَانَ لاَ يُجْدِيْ
فَجُوْدَا فَقَدْ أوْدَى نَظِيْرُكُمَا عِنْدِي
بُنَيَّ الذِي أهْدَتْهُ كَفَّايَ لِلْثَّـرَى
فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى، وَيَا حَسْرَةَ المَهْدِي
ألاَ قَاتَلَ اللَّهُ المَنَايِا وَرَمْيَهَا
مِنَ القَوْمِ حَبَّاتِ القُلُوْبِ عَلَى عَمْدِ
تَوَخَّى حِمَامُ المَوْتِ أوْسَطَ صِبْيَتِي
فَلِلَّهِ كَيْفَ اخْتَارَ وَاسِطَةَ العِقْدِ
عَلَى حِيْنِ شِمْتُ الخَيْرِ مِنْ لَمَحَاتِهِ
وَآنَسْتَ مِنْ أفْعَالِهِ آيَةَ الرُّشْـدِ
طَوَاهُ الرَّدَى عَنِّيْ، فَأضْحَى مَزَارُه
بَعِيْدَاً عَلَى قُرْبٍ، قَرِيْبَاً عَلَى بُعْدِ
لَقَدْ أنْجَزَتْ فِيْهِ المَنَايَا وَعِيْدَهَا
وَأخْلَفَتِ الآمَالُ مَا كَانَ مِنْ وَعْدِ
لَقَدْ قَلَّ بَيْنَ المَهَدِ وَاللحْدِ لَبْثُهُ
فَلَمْ يَنْسَ عَهْدَ المَهْدِ، إذْ ضُمَّ فِي اللّحْدِ
ألَحَّ عَلَيْهِ النَّزْفُ حَتَّى أحَالَهُ
إلَى صُفْرَةِ الجَادِيِّ عَنْ حُمْرَةِ الوَرْدِ
عَجِبْتُ لِقَلْبِيْ كَيْفَ لَمْ يَنْفَطِرْ لَهُ
وَلَوْ أنَّهُ أقْسَى مِنَ الحَجَرِ الصَّلْدِ
بِوُّدِيْ أنِّي كُنْتُ قَدْ مُتُّ قَبْلَهُ
وَأنَّ المَنَايَا دُوْنَهُ، صَمَدَتْ صَمْدِي
وَلَكِنَّ رَبِّي شَاءَ غَيْرَ مَشِيْئَتِي
وَللّرَّبِّ إمْضَاءِ المَشِيْئَة، لاَ العَبْدِ
وَأوْلاَدُنَا مِثْلُ الجَوَارِحِ، أيُّهَا
فَقَدْنَاهُ، كَانَ الفَاجِعُ البَيِّنُ الفَقْدِ
لَعَمْرِي لَقَدْ حَالَتْ بِيَ الحَالُ بَعْدَهُ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ حَالَتْ بِهِ بَعْدِي
ثَكَلْتُ سُرُوْرِيَ كُلَّهُ إذْ ثَكَلْتُهُ
وَأصْبَحْتُ فِي لَذَّاتِ عَيْشِي أخَا زُهْدِ
أعَيْنَيَّ جُوْدَا لِي، فَقَدْ جُدْتُ لِلثَّرَى
بَأنْفُسٍ مِمَّا تُسْألاَنِ مِنَ الرَّفْدِ
أقُرَّةَ عَيْنِي، قَدْ أطَلْتُ بُكَاءُهَا
وَغَادَرْتُهَا أقْذَى مِنَ الأعْيُنِ الرُّمْدِ
أقُرَّةَ عَيْنِي، لَوْ فَدَى الحَيُّ مَيِّتَاً
فَدَيْتُكَ بِالحَوْبَاءِ أوَّلَ مَنْ يَفْدِي
وَمَنْ كَانَ يَسْتَهْدِي حَبِيْبَاً هَدِيَّةً
فَطَيْفُ خَيَالٍ مِنْكَ فِيْ النَّوْمِ أسْتَهْدِي
عَلَيْكَ سَلاَمُ اللَّهِ مِنِّي تَحِيَّةً
وَمِنْ كُلِّ غَيْثٍ صَادِقِ البَرْقِ وَالرَّعْدِ