عكاظ.. من «خيمة النابغة» إلى «بصمة الذيابي»
عشق الملايين في الستين
الخميس / 05 / شوال / 1441 هـ الخميس 28 مايو 2020 23:38
بدر الخريف*
تكتسي صحيفة «عكاظ» اليوم حلة حداثية لتخلع رداء تدثرت به منذ ستين عاما، ولعله نسج من ذات القماش الذي لبسه الشاعران: النابغة الذبياني، وميمون بن قيس (الأعشى) وغيرهما من العكاظيين القدماء الذين حملوا الاسم ذاته قبل أكثر من خمسة عشر قرنا، فجال اسم (عكاظ) في جميع الأمصار، وسار على كل لسان عندما مارسوا الركض في مضماره، وعادوا إلى الركض مجددا قبل ستة عقود ولازلوا إلى اليوم. ومع احتفال الصحيفة بمرور 60 عاما على تأسيسها يحضر التاريخ الذي يقول: إن «عكاظ» تأسست قبل أكثر من خمسة عشر قرنا، وكانت تصدر مرة كل عام في السوق خالد الذكر إلا أن صفحاتها الناصعة تظل تُقرَأُ طول 360 يوما، ثم تطبع من جديد.
ليس هذا كلاماً يدخل في باب الخيال، فقد اشتقت الصحيفة اسمها من أكبر وأشهر أسواق العرب فيما يسمى بالعصر الجاهلي «سوق عكاظ» بالطائف مصيف السعودية الأشهر. ويمكن القول بأن «عكاظ» و«الطائف» بينهما ارتباط شرطي من ناحية الاسم والمكان، فسوق عكاظ الذي سجل اسمه على مر التاريخ كأشهر الأسواق التاريخية والأدبية عند العرب منذ 1500 عام واتخذ من «الطائف» مكاناً ومسرحاً له، هذا السوق حملت صحيفة «عكاظ» التي صدرت قبل أكثر من 60 عاماً اسمه، وكانت ستحمل مسمى الطائف عندما ولدت فكرة تأسيسها، ليقع الاختيار على اسم السوق الأشهر لا على اسم المكان والمصيف الأشهر الذي احتضن السوق على مر القرون ولازال إلى اليوم يحملا نفس الاسم: السوق والمدينة (عكاظ والطائف).
ومثلما تبارى الشعراء في «سوق عكاظ» التاريخي وقدموا تجارب حيوية وطرحوا مآثر إنسانية على صعيد السلوك الفردي والاجتماعي، ونظموا قصائد أشبه بقوافل متحركة من المشاعر والأوصاف والانفعالات، قدمت صحيفة «عكاظ» خلال ستة عقود نماذج لأعمال صحفية لافتة، وطرحت قضايا متعددة، غلبت في مضامينها قوالب النظم التقليدية في المدارس الصحفية: خبراً، ومقالةً وتحقيقاً. عاشت «عكاظ» الصحيفة في شبابها عزباء، تركض لوحدها يلاحقها العشاق والخطّاب، لكنها رفضت الكل واكتفت بعشق خاطبي ودها من الملايين الذين يملكون أيديا حانية تلامسها برفق صباح كل يوم وبعيون تنظر إلى حديقتها الغناء المتناثرة بكل ما هو يانع وجميل، وأنوفٍ تشم عطر حروفها، وعندما شبّت عن الطوق أرادت أن تنجب فخرج من رحم مؤسستها من يؤنس وحدتها فكانت صحيفة «سعودي جازيت» الإنجليزية، ومجلة «النادي» الرياضية والشبابية، ومجلة «حسن» للأطفال. على مر تاريخها الستيني وضعت «عكاظ» اسمها في سجل الحضور والتفرد في المطبوعات السعودية، وعلى مر هذا التاريخ وقفت صامدة أمام العواصف والأعاصير العاتية ولم تقتلع أطنابها التي ضُربت في أعماق الأرض، ولا يخلو الأمر في بعض الأحيان من انحناءات قصيرة لتمر هذه العواصف والأعاصير بسلام.
وفي جائحة «الصحافة الورقية» بل عموم الصحافة التي ضربتها في الآونة الأخيرة وأصابتها في مقتل ظلت «عكاظ» مقاومة تغذي روحها وتقوي المناعة في جهازها بعد أن اختطفت الجائحة زميلاتها في بلاط صاحبة الجلالة داخليا وخارجيا وظلت تبحث عن دواء ناجع للمقاومة والعودة مجددا للركض وتحقيق السبق والتفرد والحضور الذي عُرفت به بقيادة رئيس تحريرها جميل الذيابي. «عكاظ» لم تتأخر كثيرا في زمن الظهور والتألق والحضور، لكن الوباء الذي أصاب الصحافة وضربها في مقتل جعلها تقاوم وتتألق مستعيدين روح نزار قباني في بائيته التي رثت للكتاب الذين يعطون أفضل ما لديهم برغم حظوظهم العاثرة ومرددين معه (ما أسخف العشاق لو هم تابوا).
* كبير المحررين في صحيفة الشرق الأوسط
ليس هذا كلاماً يدخل في باب الخيال، فقد اشتقت الصحيفة اسمها من أكبر وأشهر أسواق العرب فيما يسمى بالعصر الجاهلي «سوق عكاظ» بالطائف مصيف السعودية الأشهر. ويمكن القول بأن «عكاظ» و«الطائف» بينهما ارتباط شرطي من ناحية الاسم والمكان، فسوق عكاظ الذي سجل اسمه على مر التاريخ كأشهر الأسواق التاريخية والأدبية عند العرب منذ 1500 عام واتخذ من «الطائف» مكاناً ومسرحاً له، هذا السوق حملت صحيفة «عكاظ» التي صدرت قبل أكثر من 60 عاماً اسمه، وكانت ستحمل مسمى الطائف عندما ولدت فكرة تأسيسها، ليقع الاختيار على اسم السوق الأشهر لا على اسم المكان والمصيف الأشهر الذي احتضن السوق على مر القرون ولازال إلى اليوم يحملا نفس الاسم: السوق والمدينة (عكاظ والطائف).
ومثلما تبارى الشعراء في «سوق عكاظ» التاريخي وقدموا تجارب حيوية وطرحوا مآثر إنسانية على صعيد السلوك الفردي والاجتماعي، ونظموا قصائد أشبه بقوافل متحركة من المشاعر والأوصاف والانفعالات، قدمت صحيفة «عكاظ» خلال ستة عقود نماذج لأعمال صحفية لافتة، وطرحت قضايا متعددة، غلبت في مضامينها قوالب النظم التقليدية في المدارس الصحفية: خبراً، ومقالةً وتحقيقاً. عاشت «عكاظ» الصحيفة في شبابها عزباء، تركض لوحدها يلاحقها العشاق والخطّاب، لكنها رفضت الكل واكتفت بعشق خاطبي ودها من الملايين الذين يملكون أيديا حانية تلامسها برفق صباح كل يوم وبعيون تنظر إلى حديقتها الغناء المتناثرة بكل ما هو يانع وجميل، وأنوفٍ تشم عطر حروفها، وعندما شبّت عن الطوق أرادت أن تنجب فخرج من رحم مؤسستها من يؤنس وحدتها فكانت صحيفة «سعودي جازيت» الإنجليزية، ومجلة «النادي» الرياضية والشبابية، ومجلة «حسن» للأطفال. على مر تاريخها الستيني وضعت «عكاظ» اسمها في سجل الحضور والتفرد في المطبوعات السعودية، وعلى مر هذا التاريخ وقفت صامدة أمام العواصف والأعاصير العاتية ولم تقتلع أطنابها التي ضُربت في أعماق الأرض، ولا يخلو الأمر في بعض الأحيان من انحناءات قصيرة لتمر هذه العواصف والأعاصير بسلام.
وفي جائحة «الصحافة الورقية» بل عموم الصحافة التي ضربتها في الآونة الأخيرة وأصابتها في مقتل ظلت «عكاظ» مقاومة تغذي روحها وتقوي المناعة في جهازها بعد أن اختطفت الجائحة زميلاتها في بلاط صاحبة الجلالة داخليا وخارجيا وظلت تبحث عن دواء ناجع للمقاومة والعودة مجددا للركض وتحقيق السبق والتفرد والحضور الذي عُرفت به بقيادة رئيس تحريرها جميل الذيابي. «عكاظ» لم تتأخر كثيرا في زمن الظهور والتألق والحضور، لكن الوباء الذي أصاب الصحافة وضربها في مقتل جعلها تقاوم وتتألق مستعيدين روح نزار قباني في بائيته التي رثت للكتاب الذين يعطون أفضل ما لديهم برغم حظوظهم العاثرة ومرددين معه (ما أسخف العشاق لو هم تابوا).
* كبير المحررين في صحيفة الشرق الأوسط