كتاب ومقالات

تويتر.. لحظة الحقيقة

من زاوية مختلفة

طارق الحميد

من فجر الدنيا هناك متذمرون، وساخطون، بكل مجتمع، وبشكل يومي، وبينهم من هم أعلى صوتا، وأكثر ضجيجا، لكنهم لم يغيروا، ولا يتذكرهم التاريخ. ولذا يجب أن تكون المواجهة الدائرة بين الرئيس الأمريكي، ووسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدا تويتر بمثابة الدرس لنا، قبل أن تكون درسا للمؤسسات الأمريكية.

هذه المواجهة ليست شأنا أمريكيا داخليا، بل هي شأن دولي، ويهمنا، وللأسف أننا بهذه المنطقة من العالم لا نقيم وزنا للدراسات والبحوث، وإلا لكنا من أوائل من استخلص العبر بسبب الأضرار التي أحدثتها وسائل التواصل، ومنذ إحداث ما عرف بالربيع العربي.

وبالطبع لا أتحدث عن تكميم الأفواه، وإنما ضرورة وضع وسائل التواصل في إطارها الصحيح، كونها منتديات، وليس دور نشر، أو مراكز أبحاث، أو برلمانات، ولا هي بمدقق للحقائق، بل ولا تعكسها، وإلا كيف نفسر الهجوم على مقر (سي. إن. إن) بأتلانتا، على خلفية أعمال الشغب بسبب مقتل الأمريكي من أصول أفريقية، خصوصا أن المحطة كانت تصور أن تويتر، وغيره، يعكسون وجهات النظر المؤيدة لها ضد ترمب !

الهجوم على المحطة يذكرنا بأن الشارع يظل شارعا، وتويتر، وغيره من وسائل التواصل، مثلها مثل مقهى في حي، فيه نخب، وعامة، وفيه ناقمون، ككل الناقمين عبر التاريخ، ولا يمكن بالتالي أن تبث جلسة المقهى، كونها حلقة نقاش، أو يؤخذ بمحتواها لتقرير مصير سكان مدينة ما.

وسائل التواصل أشبه بشرفة، البعض يرفع صوته فيها ليسمعه الجيران، والبعض الآخر يجلس على الشرفة أنيقا، لبقا، لكن ذلك لا يؤثر بمصائر الناس آخر اليوم. وعربيا استخدمت وسائل التواصل للتأليب، وبث الأحقاد، والاغتيال المعنوي، وترويج الشائعات، وأفقدت البعض رجاحته. واعتقدت بعض الحكومات أن تويتر، ووسائل التواصل، تغني عن المؤسسات، بينما هي مجرد منتديات.

وهنا يجدر تأمل ما نقلته وكالة الأسوشيتدس برس عن جوش باسيك، الأستاذ المساعد بمعهد البحوث الاجتماعية بجامعة ميشيغان، تعليقا على تعامل تويتر مع تغريدات ترمب، حيث يقول إن شركات التواصل لم تكن بيوم ما «على استعداد للقيام بهذا الدور» الذي يزيد من مخاطر الاستقطاب.

مضيفا أنه: «عندما لا يمكنك الاتفاق على حالة العالم، فإنك تفتح فرصًا للناس للتشكيك بدوافع الآخرين»، وخلص إلى أن ذلك يجعل الصراعات القائمة أسوأ، ويزيل شرعية الأشخاص ذوي الآراء المتباينة؛ لأن ذلك «يسهل رؤية هؤلاء الأشخاص الذين يختلفون عنك على أنهم أقل أمريكيين». وفي حالتنا أقل وطنية، أو كفاءة، أو ما يتجاوز التنمر إلى الترهيب النفسي.

ولذا فمن الأولى أن نقوم بمراجعة شاملة لنظرتنا تجاه وسائل التواصل، كونها منتديات، وظاهرة، والظواهر لا تقوم مقام المؤسسات.

كاتب سعودي

tariq@al-homayed.com