كتاب ومقالات

نعم لدعم الشرطة

من زاوية مختلفة

طارق الحميد

من عاش بأميركا يعرف أن للشرطة فيها سطوة، ورهبة عنيفة، كما يعرف خطورة الجريمة هناك، خصوصاً وأن تملك السلاح حق مشاع، مما يجعل من الحتمي وجود جهاز شرطة قوي، وبصلاحيات.

عشت في فلادلفيا، سبعة أشهر، وبعدها خمس سنوات بواشنطن، وكانت فلادلفيا أكثر خطراً، لكن الشرطة فيهما مثلهما مثل باقي الولايات الأميركية، شديدة. وهنا سأروي قصصاً من وحي سنوات الغربة، بأميركا، وبريطانيا، ليعرف القارئ لماذا أقول نعم لدعم الشرطة، وبكل مكان، حتى في السعودية.

وبالطبع أكتب ما أكتبه هنا على خلفية مقتل جورج فلويد، وهو عمل وحشي، وليس الأول، والإشكالية هي عندما يكون رد الفعل صاخباً بقضايا شائكة لا تحل بالعنف والصخب. وهو ما تعلمته مما مر علي، فعندما كنت في فلادلفيا لدراسة اللغة، ذهبت للسكن لدى عائلة أمريكية.

عندما دلفت للمنزل لاحظت أسلحة، وارتبت، وصادف أن صاحبة المنزل سوداء البشرة. قيل لي إنها شرطية، وطلبت نقلي لعائلة أخرى، أو لسكن الجامعة. وجوبهت حينها بغضب وانتقاد. وقيل لي إنني عنصري كون السيدة سوداء! حاولت تبرير موقفي، قائلاً إنني لم أتعود رؤية السلاح، ولا أرتاح للسكن بمكان يبدو فيه السلاح واضحاً، كما لا أرتاح في السكن بمنزل شرطي.

كانت تجربة فلادلفيا قاسية، وتعرضت فيها لاضطهاد علمني أن بعض مناهضي العنصرية هم أكثر عنصرية. وهذا بالنسبة لأميركا، أما ببريطانيا فقد مررت بتجربتين قاسيتين؛ الأولى حين تعرضت للسرقة، بعنف، في شارع سلون ستريت.

والثانية كانت أقسى، حيث تم الاعتداء علي بمنزلي، وترويع عائلتي، وتغيرت حياتنا من بعدها تماماً، خصوصاً وقد تم الاعتداء علي بالضرب، والتهديد بالقتل. ولم أتاجر بها كوني صحافياً، خصوصاً وأن بعض جيراني طالبوني بالحديث للإعلام على أمل أن يسلط الضوء على خطورة غياب الشرطة من أحياء لندن، وتلك قصة أخرى، ولا تصدق، وتلام فيها تماماً حكومة تيريزا مي السلبية، لكن لم أفعل، كما لم أكوّن رأياً سلبياً كون أن مرتكبي الجريمتين بحقنا، وخلال سنتين، كانا من أصحاب البشرة السوداء.

على إثر الجريمة الثانية، العام الماضي، عدت وأطفالي الصغار للسعودية، وزارنا أواخر ديسمبر ابني الكبير عبدالعزيز، ولا أنسى حين قال لي بأحد مراكز جدة التجارية: «شعور غريب أن ألبس قميصاً قصيراً، وأرتدي ساعتي». جاوبته بلا تفكير هنا تفهم أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف.

لذلك نعم لدعم الشرطة، ولا للعنف، ولا للمتاجرة به.

كاتب سعودي

tariq@al-homayed.com