تحقيقات

نجاح بمرتبة الشرف

في أيام «الجائحة» .. الأمن الغذائي في السعودية

نادر العنزي nade5522@، جواهر محمد (تبوك)samtalhaia @

تعاطت الجهات المعنية بتأمين الغذاء في المملكة باحترافية مع أزمة جائحة كورونا، واستطاعت قطاعاتها المتعددة في تأمين الغذاء بأصنافها كافة في مراكز التسوق والمستودعات، ولم تشهد البلاد طوال فترة الجائحة أي شح في مواد التموين، خصوصاً في الدقيق والسلع الاستراتيجية. ومع وفرة المواد التموينية نشطت فرق وزارة التجارة والجهات المعنية الأخرى في مراقبة الأسعار لمنع المغالاة وملاحقة السماسرة. وأكدت عدة جهات مختصة، ومتخصصون في مجالات الزراعة والأمن الغذائي لـ«عكاظ» أن المملكة حققت نجاحاً مبهراً في الأمن الغذائي، وأشارت إلى أن ذلك الأمن يرتكز على أرقام اكتفاء متينة. ولفت المختصون إلى أن أزمة كورونا أكدت قدرة أجهزة الدولة في التعامل الإيجابي لتحقيق أمن غذائي ومراقبة آليات السوق لمنع تشوهاتها مثل الاحتكار أو تعطيش الأسواق بغرض رفع الأسعار. وأمنت مؤسسة الحبوب لـ«عكاظ» أن 15 موقعاً في كافة المناطق بطاقة 3.3 مليون طن.

تعزيز فرص التمكين للأمن الغذائي‏

قال المحلل الاقتصادي عبدالرحمن أحمد الجبيري، إن المملكة خطت خطوات متقدمة نحو تعزيز فرص التمكين للأمن الغذائي على نحو من الاستدامة، الذي عكسته النتائج التي تشير إلى تفعيل الفرص الواعدة المتزامن مع الثقافة الإنتاجية، وكذلك الثقافة الاستهلاكية التي بدورها أسهمت في تعاظم القطاع الزراعي والبيئي والصيد البحري (الاقتصاد الأزرق) وارتفاع معدلات المحتوى المحلي وصولاً إلى التنوع في مصادر الدخل.

‏وبيّن الجبيري أن هناك إستراتيجيات متكاملة لهذا القطاع تعمل على تحقيق عدد من الأبعاد المهمة؛ وهي إستراتيجية الأمن الغذائي والمائي والبيئة والمراعي الطبيعية والغطاء النباتي والأمطار وبناء السدود والري، ما شكل طيفاً واسعاً من الأداء الفاعل المُخطط لهذه الإستراتيجيات، لافتاً إلى امتلاك المملكة للمقومات العديدة التي ستمنحنا المزيد من الفرص النسبية وتوظيفها على المستوى الداخلي وكذلك من خلال فرص الاستثمار الخارجي في هذا القطاع والذي يقوده باقتدار صندوق الاستثمارات العامة.

وأضاف الجبيري أن جائحة كورونا، وبالرغم من تداعياتها المؤلمة، إلا أن المنتجات الغذائية لم تتأثر واستمر تدفقها في الأسواق بكفاءة عالية واستمر في ذات الاتجاه دعم الشركات الزراعية والمزارعين والقطاعات الإنتاجية المرتبطة بها.

3.3 مليون طن طاقة تخزينية للقمح

يقول المتحدث الإعلامي باسم المؤسسة العامة للحبوب لـ«عكاظ» إن عدد مواقع الحبوب وشركات المطاحن يبلغ 15 موقعاً في مناطق المملكة كافة، فيما تبلغ الطاقات التخزينية للقمح سعة 3.3 مليون طن. وأشار إلى أن طاقات الطحن الإنتاجية كافة تبلغ 15.150 ألف طن في اليوم الواحد، وتنتج ما يعادل 270.000 كيس دقيق زنة 45 كيلوغراماً يومياً من كافة أنواع وأصناف الدقيق المخصصة لإنتاج الخبز والمنتجات الأخرى. ولفت المتحدث إلى أن المخزونات بمستودعات الدقيق بكافة مناطق المملكة والجاهزة للضخ بالسوق تبلغ 2 مليون كيس زنة 45 كيلوغراماً بخلاف العبوات المنزلية والإنتاج اليومي الذي يغطي الاحتياج المحلي كافة.

تعامل إيجابي وسريع مع الأزمة

أكد وكيل الزراعة والبيئة سابقاً المستشار الزراعي الدكتور خالد الفهيد، أن الأمن الغذائي هدف رئيسي تسعى له دول العالم ويتحقق بمستويات نسبية حسب قدرة كل دولة على حسن إدارة مواردها المتوفرة بكفاءة، وكذلك سن التشريعات والأنظمة التي تساعد على ذلك، مشيراً إلى أنه في الأزمات تتبين قدرة أجهزة الدولة على التعامل الإيجابي لتحقيق أمن غذائي ومراقبة آليات السوق لمنع تشوهاته؛ مثل الاحتكار أو تعطيش الأسواق بغرض رفع الأسعار.

وأشار الفهيد، إلى أن المملكة وأجهزة الدولة بمختلف مواقعها تعاملت مع أزمة كورونا الحالية بشكل مناسب، والأمن الغذائي في السعودية يتحقق عن طريقين؛ أحدهما القطاع الزراعي المحلي بمختلف أنشطته، منها الإنتاج النباتي بمختلف محاصيله من الخضراوات والفاكهة، والثروة الحيوانية كالماشية الحية ومشتقاتها وخاصة اللحوم الحمراء والدواجن ومشتقاتها من اللحوم والبيض والألبان والحليب والزبادي وغيرها والأسماك والعسل، والطريق الآخر هو الاستيراد من خارج المملكة لإيجاد توازن بين قوى السوق المحلي من العرض والطلب وسد الفجوة بينهما.

وتابع الفهيد أن الجهات المعنية تعاملت بصورة مناسبة أثناء الأزمة لإيجاد أمن غذائي، والأمر يتطلب التعرف على النقاط الايجابية وتعزيزها، والنقاط السلبية لتلافيها، مع أهمية تحفيز القطاع الخاص للاستثمار باحترافية في سلاسل الامداد للمنتجات الزراعية المحلية وتشجيع الحلقة الرئيسية في منظومة الأمن الغذائي وهو المزارع بتذليل الصعوبات التي تواجهه كارتفاع تكاليف عناصر الانتاج والتسويق الزراعي ليحقق عائدا يساعده للاستمرار بممارسة نشاطه الزراعي وعدم الخروج منه.

الجولات تكشف حجم المخزون

أكدت وزارة التجارة لـ«عكاظ» أنها تعمل على خطط استباقية للطوارئ والأزمات بشكل مستمر، مشيرة إلى أن ما تحقق خلال هذه الأزمة من وفرة عالية للمخزون الغذائي في المملكة نتيجة للمتابعة الحثيثة من الدولة واطلاعها المستمر على خطط الأزمات والطوارئ التي تعمل عليها الوزارة على مدار العام لتحقيق وفرة المخزون واستمرار سلاسل الإمداد.

وأضافت الوزارة أنها تقوم بجهود استباقية ورصد مؤشرات السلع الأساسية الاستهلاكية، بالتنسيق مع الشركاء في الجهات الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وأعمال الرصد والمتابعة والتحليل، ويشمل ذلك متابعة الأسعار وبيانات الموردين والمخزون والمستودعات، إضافة للأسواق ومراكز التسوق، كما قامت بالتواصل المباشر مع الموردين والموزعين للسلع الأساسية لمعرفة كمية المخزون وحل الإشكاليات التي تواجههم في التصاريح والفسوحات الجمركية بالتنسيق مع هيئة الغذاء والدواء والجمارك، لضمان سير سلاسل الإمداد بشكل طبيعي.

ولفتت «التجارة»، إلى أن بلادنا لديها مخزون ضخم من كافة السلع الأساسية والمنتجات الاستهلاكية، وهذا ما ظهر جليا من خلال جولات التحقق من الوفرة التي تقوم بها الفرق الرقابية للوزارة بشكل يومي على منافذ البيع والمستودعات وأسواق الجملة، وأسواق التجزئة، التي بينت وجود كميات كبيرة من السلع الاساسية والمنتجات الاستهلاكية في منافذ البيع، ووجود مخزون ضخم من هذه المنتجات في المستودعات.

أرقام اكتفاء متينة

اختصاصي إدارة المنشآت الزراعية ومستشار الأمن الغذائي، عبدالعزيز محمد الياقوت، أكد أن القطاع الزراعي سواء على مستوى المزارعين والقطاع الخاص المتخصص، قال كلمته بتأمين الحدود اللازمة من المنتجات الزراعية رغم ما حدث في بداية الجائحة من عدم إصدار تراخيص التنقل وتنامي القوة الشرائية لدى المستهلكين وهذا سلوك بشري طبيعي في وقت الأزمات، وأيضاً استمرار الخدمات المساندة من سلاسل الإمداد والرقابة السعرية التي فرضت استقراراً تاماً للأسعار لتلافي عدم تضخمها، خاصة أن فترة تخللها موسم رمضان وهو موسم اعتيادي يزيد فيه الطلب على الغذاء وعلى ذلك تزيد القوة الشرائية.

وأضاف الياقوت أن المملكة ترتكز على أرقام اكتفاء متينة، إذ تسجل في قطاع الدجاج اللاحم مايزيد على 64.8% وفي بيض المائدة يتجاوز الرقم 100% والألبان 109% والمحاصيل الخضرية بإجمالي اكتفاء 70% وقطاع الماشية 55% وتعزيز الفجوة بتأمين الأغنام المستوردة لضمان امداد الأسواق باللحوم الحمراء، وحتى الأعلاف الخضراء والأعلاف المركبة ومدخلات الأعلاف وتعزيزات من واردات الاستثمارات الخارجية من ذراع السعودية الاستثماري (سالك) والعقود المسبقة التي تعاقدت بها المؤسسة العامة للحبوب وما عزز المجهود استمرار وزارة البيئة والمياه والزراعة بإصدار تراخيص المشاريع الجديدة وتمويل هذه المشاريع بواسطة صندوق التنمية الزراعي، وكنا كمجتمع زراعي نأمل أن نرى دوراً للجمعيات التعاونية الزراعية والإنتاج الحيواني التي افتقدنا دورها مما قلل سعادتنا كمجتمع زراعي.

«جميع هذه الأمور أعطتنا تصوراً واضحاً أن امداد الأسواق بالمنتجات الزراعية رغم الجائحة تم على أفضل وجه بأفضل نسب وانتشار مما يجعلنا نفخر بالقطاع الزراعي وخدماته الإدارية والتمويلية والرقابية وبمقارنة معدلات الاكتفاء الذاتي في المملكة مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي».