كتاب ومقالات

مهرجان لحوم الكلاب !

هاني الظاهري

وسط معارضة دولية وحكومية، انطلق في الصين أخيراً المهرجان السنوي الشهير لأكل لحوم الكلاب؛ وهو لمن لا يعرفه مهرجان يجتمع فيه عشرات الآلاف من الصينيين لبيع وشراء لحوم الكلاب، ويتزامن ذلك مع مظاهر ذبح الكلاب في الشوارع والاستمتاع بشواء لحمها وتناوله في الهواء الطلق.

بعد انتشار وباء كورونا (كوفيد19) أصبحت الحكومة الصينية تعارض هذا المهرجان المثير للاشمئزاز لكنها معارضة ناعمة تعتمد على التحذير والتوعية فقط؛ أي أنها لم تتخذ إجراءات لمنع المهرجان وهو ما دفع جهات كثيرة حول العالم لمطالبتها بوقف هذه الاحتفالية التي قد تنتج أوبئة جديدة تضرب سكان الكرة الأرضية في كل مكان.

الطريف في الأمر أن وزارة الزراعة الصينية عدلت مؤخراً تصنيف الكلاب من ماشية إلى حيوانات أليفة لتشجيع الناس على عدم أكلها، لكن هذا للأسف لم يسهم في تغيير العادات الغذائية للصينيين الذين يعتقدون أن كل شيء يتحرك يمكن أكله بما في ذلك الثعابين والحشرات والخفافيش المتهمة بنقل كوفيد19 للبشرية والتسبب في كارثة عالمية لم تضع أوزارها حتى اليوم.

مهرجان لحوم الكلاب الصيني ذكرني بأصدقائنا الكوريين الذين عملوا في السعودية في الثمانينات لتأسيس شبكات الصرف الصحي في بعض المناطق، كنت حينها طفلاً يلعب بدراجته الهوائية في حي نخب بمدينة الطائف -وهو حي جبلي جديد آنذاك تجوبه قطعان كبيرة من الكلاب البرية مختلفة الألوان دون خوف من أحد- وما إن بدأت العمالة الكورية في حفر أول شارع في الحي حتى استحالت حياة تلك الكلاب إلى جحيم، إذ أصبح اصطيادها وذبحها وإقامة حفلات شواء على لحومها في أراضي الحي البيضاء هواية لعمالة المشروع في أوقات الفراغ طوال عامين حتى انقرضت تلك الكلاب عن بكرة أبيها ولم تُشاهد في شوارع الحي بعد ذلك ولله الأمر من قبل ومن بعد.

كان ذلك أول مهرجان حي للحوم كلاب أشهده في حياتي.. وأحمد الله أنني لم أتورط في قبول دعوة بعض العمال الكوريين الكرماء لمشاركتهم في وجباتهم الفردية التي كانت كما أتذكر عبارة عن قطع من الخس تعلوها شرائح كبيرة من اللحم المشوي أسود اللون!

لا أعلم حقيقة إن كانت هذه الأحداث القديمة دليلاً على براءة لحوم الكلاب من نشر الأمراض الخطيرة أم لا؟.. كما لا أعلم إن كانت للحوم الكلاب تأثيرات سلوكية على متعاطيها أو لا؟، لكن الأكيد أن هذه العادة الغذائية التي تثير فينا الاشمئزاز لم تمنع الكوريين من إتقان عملهم، إذ ما زالوا كما أعلم أفضل عمالة مرت على مشاريع السعودية من ناحية المهارة والإتقان.. ولعل المشاريع القديمة تشهد بذلك، وكل ما أتمناه وتتمناه البشرية الآن أن تكون كلاب الصين بصحة جيدة وغير ناقلة للأمراض تماماً كما كانت كلابنا اللطيفة المنقرضة.

كاتب سعودي

Hani_DH@