آل قطب: «الأمراء اليزيديون» عالج أخطاء المؤرخين الرياديين
الجمعة / 05 / ذو القعدة / 1441 هـ الجمعة 26 يونيو 2020 03:10
علي فايع (أبها) alma33e@
يُنظر اليوم إلى الدكتور علي عوض آل قطب على أنه من أبرز المؤرخين الشباب في منطقة عسير، وأنه صاحب جَلَد بحثي وتجديد مختلف في الموضوعات التاريخية التي يُعْمِل أدواتها البحثية فيها، إضافة إلى رسالتيه في الماجستير والدكتوراه.. في هذا الحوار العديد من القضايا والآراء في كتابة التاريخ لا تنقصها الجرأة والصراحة، فإلى نصّ الحوار:
• دعنا نبدأ من المهتمين الهواة بتاريخ منطقة عسير الذين ظهروا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كيف ترى الموثوقية العلمية في ما ينشرون من صور تاريخية ووثائق ومعلومات أيضاً؟
•• بحسب المحتوى المطروح، فالحكم هنا لا يمكن أن يتم بالتعويل على صاحب المحتوى، وإنما على المحتوى عينه، فثمة العديد من الصور التاريخية، والوثائق؛ سواءً المحلية أو الأجنبية، نُشرت مؤخراً عبر هذه القنوات، وهي وثائق وصور يمكن التأكد منها عبر طرق عديدة، إذ يمكن معرفة ذلك من خلال بنيتها، وتفاصيلها الدقيقة، فضلاً عن مقارنتها بالمصادر الأخرى المتاحة، علاوة على أن أغلب هذه الصور والمصادر يمكن التحقق من سلامتها عبر تتبع المراكز أو المكتبات المودعة فيها. وبشكل عام، فإن المحتوى العلمي الموثق المنشور في هذه الوسائط ينال حظه من الاشتهار باعتبار أن المتلقي لم يعد ساذجاً تنطلي عليه الوثيقة المنحولة أو المعلومة المزورة.
• أشكال الحياة القديمة في المنطقة من أشعار، ومرويات، وأساطير، وموروثات، ورموز، وشخصيات، هل يمكن توظيفها في كتابة تاريخ المنطقة؟
•• هذا صحيح، ومن بدهيات المؤرخ الحصيف والحاذق أن يوظف كل ما يقع في يده في كتابته التاريخية، وألا يكتفي بالمصادر التقليدية السردية، بل عليه أن يهتم بكل ما يتعلق بتراث المنطقة، لا سيما أنها ثرية جداً من حيث الموروث الثقافي الذي كان في حالات كثيرة مجسداً لحوادث تاريخية معينة، أو حتى لأحقاب تاريخية شهدتها منطقتنا.
• هناك من يلوم الأكاديميين المتخصصين في التاريخ من أبناء منطقة عسير الذين انشغلوا بتاريخ الأندلس وبني أمية ولم يلتفتوا للمنطقة وثرائها التاريخي.. فهل هم محقون؟
•• في منطقة عسير هناك مؤرخون متخصصون في شتى الفترات التاريخية، ولا ينبغي أن يكون المؤرخ في عسير منغلقاً على تدوين تاريخ منطقته، بل عليه أن يشارك في ما شارك فيه أنداده من أبناء وطنه، فضلاً عن بقية مؤرخي أمتنا العربية والإسلامية، ولا شك أن لوم المؤرخين في المنطقة بانصرافهم عن تاريخ منطقتهم يحمل نظرة غير دقيقة، تختزل التاريخ، وتنظر إليه من خلال نظرة جهوية منغلقة. التاريخ علم واسع جداً، والمؤرخون في عسير قدموا كتابات تاريخية رصينة في شتى الفترات، صارت مرجعاً لكل أبناء الوطن العربي، وربما غيرهم في العالم الإٍسلامي، والعالم أجمع. من جهة ثانية، أعتقد أن ثمة العديد من المؤرخين في عسير الذين اشتغلوا بتاريخ منطقتهم، وقدموا كتابات في غاية الأهمية، إذ كانت متسمة بالموضوعية والجدة والأصالة.
• أنت ممن يؤمنون بأنّ هناك قطيعة معرفية مرت بها المنطقة في لحظة تاريخية معينة، متى بدأت هذه القطيعة؟ وكيف؟
•• مفهوم القطيعة المعرفية هو مفهوم طرحه ميشيل فوكو الفرنسي، جالباً إياه إلى حقل العلوم الإنسانية، حيث استمده من نظيره غاستون باشلار الذي تناوله في مجال فلسفة العلوم. فوكو يرى أن التاريخ لا يسير بشكل خطّي كما يظن الكثير بل إنه بسبب بعض الأحداث التاريخية الاستثنائية قد ينقطع، أي أن التاريخ في صميمه عبارة عن قطائع، وليس سلسلة متصلة الحلقات، وقد أفضى هذا المفهوم إلى التأكيد أن بعض المجتمعات قد تتعرض لهذه القطيعة بسبب فعل تاريخي ما، حيث تتخلى عن نظامها المعرفي الذي كان سائداً لتستبدله بنظام معرفي آخر، تظهر تجلياته في ثقافتها، ونمط تدينها، وطريقة تفكيرها ووعيها. وفي ما يتعلق بمنطقة عسير فقد ذهبت في دراستي الموسومة بـ«الأمراء اليزيديون» إلى القول إنّ ثمة قطيعة معرفية حدثت في عسير، حيث عمد أبناؤها إلى التخلي عن كل ما يتعلق بتاريخهم قبل مطلع القرن الثامن عشر الميلادي، وتغافلوا تماماً عن تدوين الفترة السابقة، مثل العجيلي في الظل الممدود، أو محمد الحفظي في نفح العود، أو عبدالرحمن الحفظي في تاريخ الملك العسيري.
• ما الذي أضافه كتابك «الأمراء اليزيديون» إلى تاريخ المنطقة؟
•• رغم أن هذا السؤال من الأجدر أن يُسأل عنه غيري من المتخصصين والمهتمين لأن إجابتي عنه ربما تنطوي على شيء من الذاتية، إلا أنني أرى أن كتاب «الأمراء اليزيديون» حاول أن يعالج بعض الأخطاء التي وقع فيها المؤرخون الرياديون الذين أرّخوا للمنطقة، علاوة على أنه حاول أن يجترح مسمى آل يزيد كدلالة تاريخية جامعة على الأمراء الذين حكموا عسير بدءاً من الأمير سعيد بن مسلط 1238هـ/1822م ذلك أن كثيراً من الكتابات التاريخية تتعامل مع إمارة الأميرين سعيد بن مسلط وعلي بن مجثل كإمارة منبتّة عن إمارة الأمير عائض بن مرعي وسلالته من بعده، وهذا غير صحيح إطلاقاً، إذ لم تكن إمارة الأمير عائض ومن جاء بعده غير امتداد تاريخي لإمارة الأميرين السابقين. وآل يزيد هنا حين نطلقه على هذا النحو فإنه دال على بطن أو عشيرة في بلدة السقا، تنتمي من الناحية القبلية إلى بني مغيد من عسير.
• لماذا يندر لدينا المؤرخ الفيلسوف؟
•• يرجع غياب المؤرخ الفيلسوف إلى عدم الاعتناء بالفلسفة في المقام الأول، رغم أهميتها الكبيرة للمؤرخ من حيث تعميق أفكاره، وإعطائه قدرة على التحليل، فضلاً عن كونها تمدّه بالأدوات اللازمة التي تعينه على فهم الحدث التاريخي، واستنطاقه، وكشف رمزياته. المؤرخ لدينا -وأنا هنا أتحدث عن الأكاديمي- محروم بدرجة كبيرة من الاستزادة من المناهج الفلسفية التي قد تعينه على تطويع دراساته وموضوعاته التاريخية، محروم لكون دراسته منذ أن يدرس البكالوريوس حتى يتخرج من الدكتوراه لا تنطوي في الغالب إلا على مواد تاريخية محضة، صحيح أن ثمة مقررات في الدراسات العليا تتعلق بالمدارس التاريخية والنقد التاريخي لكنها في نهاية المطاف ليست كافية لصقل مؤرخ حاذق، ولا يمكن أن تمنحه عُدّة كاملة من المفاهيم والمناهج التي تمكنه من قراءة التاريخ قراءة مختلفة ومعمقة. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن التوجه في تدريس التاريخ لم يزل مقتصراً على تدريس الطالب الكتابة التاريخية السردية التقليدية، التي تهتم بوقوع الخبر أكثر من كونها تهتم بعلّته وسببه، يُضاف إلى ذلك أن الطالب والأستاذ معاً تصدرُ أفكارهم من معين ثقافي واحد وليس متعدداً، وهذا ما يجعل كتابة أكثر المؤرخين لدينا متشابهة مصبوغة بنسق فكري واحد، يتعذر الخروج عنه!
• هل يغيب عن منطقة عسير المؤرخ الاستثنائي والمبتكر؟
•• أظن أن المنطقة حظيت بمؤرخين كبار سواءً على المستوى الأكاديمي أو على المستوى العام، وفي هذا الصدد لا يفوتني أن أشيد بالأعمال الريادية التي قدمها الدكتور محمد آل زلفة، فقد كانت كتاباته مهمة للغاية، ولا يمكن تجاوزها، كما أنها كانت محاطة بمقاربات ذكية ومتنوعة في شتى مجالات التاريخ العسيري، كذلك ينبغي الإشادة بأعمال الدكتور عبد الله أبو داهش، التي كانت من طبيعة مختلفة عن أعمال سابقة، إذ كانت متمحورة حول تحقيق ونشر التراث العلمي في عسير خلال القرون الماضية، وهي تمثّل كشوفاً يمكن من خلالها معرفة العديد من صور الواقع العلمي في عسير إبان تلكم الفترة.
• لماذا تتعدد الرؤى وتختلف حيال تاريخ منطقة عسير تحديداً؟
•• لا توجد منطقة بلا رؤى تاريخية مختلفة، وعسير مثلها مثل بقية مناطق الوطن، من حيث وجود هذه الرؤى، وفي تقديري فإن الاختلافات حيال تاريخ منطقتنا لا أراه سلبيا بالمطلق، بل يكون في بعض الأحيان إيجابياً لأنه يفضي إلى الثراء. ربما تكون هناك كتابات تفتقر إلى الموضوعية، لكن هذه الكتابات مع الوقت، وثقة ً بالمجتمع فإن من شأنها أن تذوي، وتتلاشى على اعتبار أن معالجتها ومحاكمتها ستكون من مهام الدراسات التاريخية الجيدة في المستقبل.
• تعاني الكتابة التاريخية من مشكلتي القبلية والأيديولوجية.. ما تأثير هاتين المشكلتين على كتابة التاريخ في منطقة عسير؟
•• في الوقت الحالي ربما يكون البعد القبلي والعائلي هو الأبرز في التأثير على الكتابة التاريخية في عسير، هذا التأثير لا يطال الحدث التاريخي أو حتى فترة تاريخية معينة، وإنما يطال أيضاً الأنساب، والأعلام، والحال أن ثمة العديد من الكتب التي صدرت تحت تأثير هذين البعدين، وكانت متسمة بالانحياز الفج، والانتقائية الواضحة. على أن هذه المشكلة لا تطال الكتابة التاريخية في عسير فحسب، بل تطال معظم مناطق الوطن، وعليه فإن هذا يلقي مهمة جسيمة على المؤرخين، في تقويم هذه الأعمال، وتصحيحها بما يتوخى الحقيقة التاريخية.
• ماذا عن الكتب التاريخية التي تتحدث عن جنوبي الجزيرة العربية وعلاقتها ببني إسرائيل كالصليبي وفاضل الربيعي وما كتبه أخيراً الدكتور أحمد سعيد قشاش؟
•• جميع الدراسات والأبحاث التي خلصت إلى القول إن عسير كانت موطن بني إسرائيل، وإن ملاحمهم الواردة في العهد القديم، وفي أسفارهم كان مسرحها بلاد عسير، هو قول جاء متكئاً على المنهج الفيلولوجي دون النظر إلى المناهج الأخرى مثل: المنهج الأركيولوجي أو المدونات التاريخية والآثارية القديمة. الاكتفاء بهذا المنهج من شأنه أن يعطي فرضيات لا تصح على الواقع التاريخي بعسير، ولا يمكن التسليم بها على نحو مطلق، بل أزعم أن اكتفاء هؤلاء الباحثين بهذا المنهج، وما يحيل إليه من نتائج وخلاصات يمكن أن يكون العلة الثاوية وراء الاكتفاء به دون غيره على اعتبار أن المناهج الأخرى ستحيل إلى نتائج وخلاصات تخالف ما يرغبون إثباته!
يجب أن نستحضر أن ثمة بوناً شاسعاً بين وجود يهودي أو كتابي في عسير، وبين أن تكون عسير هي مسرح ملاحم الشعب اليهودي، فالوجود اليهودي ربما كان حاضراً في عسير مثلها مثل غيرها من مناطق جنوبي الجزيرة العربية، لكن هذا لا يعني أنها كانت مكان التوراة، ومكان أنبياء بني إسرائيل، بل لا شك أن الوجود اليهودي لم يكن ليكون لولا الأحداث التي جرت له في الأرض المقدسة في الشام.
• ماذا عن مشاريعك البحثية الجديدة؟ وما الجوانب التاريخية التي ترى أنها لم تأخذ حقها من البحث في تاريخ عسير؟
•• أنهيت بفضل الله ومنّته بحثاً عن الإمام الشوكاني وعلاقته بالسلطة القاسمية في اليمن، وهو قيد النشر، كما نُشر لي قبل أقل من 3 أشهر بحث عن محن ونكبات بعض العلماء في اليمن خلال القرن الـ13 الهجري، يُضاف إلى ذلك أنني أعكف على تحقيق إحدى المخطوطات المهمة في تاريخ عسير، ستُنشر بحول الله قريباً، كما أنني على وشك إنجاز بحث يناقش دور أحد علماء نجد في الحياة السياسية خلال القرن الـ13 الهجري.
• دعنا نبدأ من المهتمين الهواة بتاريخ منطقة عسير الذين ظهروا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كيف ترى الموثوقية العلمية في ما ينشرون من صور تاريخية ووثائق ومعلومات أيضاً؟
•• بحسب المحتوى المطروح، فالحكم هنا لا يمكن أن يتم بالتعويل على صاحب المحتوى، وإنما على المحتوى عينه، فثمة العديد من الصور التاريخية، والوثائق؛ سواءً المحلية أو الأجنبية، نُشرت مؤخراً عبر هذه القنوات، وهي وثائق وصور يمكن التأكد منها عبر طرق عديدة، إذ يمكن معرفة ذلك من خلال بنيتها، وتفاصيلها الدقيقة، فضلاً عن مقارنتها بالمصادر الأخرى المتاحة، علاوة على أن أغلب هذه الصور والمصادر يمكن التحقق من سلامتها عبر تتبع المراكز أو المكتبات المودعة فيها. وبشكل عام، فإن المحتوى العلمي الموثق المنشور في هذه الوسائط ينال حظه من الاشتهار باعتبار أن المتلقي لم يعد ساذجاً تنطلي عليه الوثيقة المنحولة أو المعلومة المزورة.
• أشكال الحياة القديمة في المنطقة من أشعار، ومرويات، وأساطير، وموروثات، ورموز، وشخصيات، هل يمكن توظيفها في كتابة تاريخ المنطقة؟
•• هذا صحيح، ومن بدهيات المؤرخ الحصيف والحاذق أن يوظف كل ما يقع في يده في كتابته التاريخية، وألا يكتفي بالمصادر التقليدية السردية، بل عليه أن يهتم بكل ما يتعلق بتراث المنطقة، لا سيما أنها ثرية جداً من حيث الموروث الثقافي الذي كان في حالات كثيرة مجسداً لحوادث تاريخية معينة، أو حتى لأحقاب تاريخية شهدتها منطقتنا.
• هناك من يلوم الأكاديميين المتخصصين في التاريخ من أبناء منطقة عسير الذين انشغلوا بتاريخ الأندلس وبني أمية ولم يلتفتوا للمنطقة وثرائها التاريخي.. فهل هم محقون؟
•• في منطقة عسير هناك مؤرخون متخصصون في شتى الفترات التاريخية، ولا ينبغي أن يكون المؤرخ في عسير منغلقاً على تدوين تاريخ منطقته، بل عليه أن يشارك في ما شارك فيه أنداده من أبناء وطنه، فضلاً عن بقية مؤرخي أمتنا العربية والإسلامية، ولا شك أن لوم المؤرخين في المنطقة بانصرافهم عن تاريخ منطقتهم يحمل نظرة غير دقيقة، تختزل التاريخ، وتنظر إليه من خلال نظرة جهوية منغلقة. التاريخ علم واسع جداً، والمؤرخون في عسير قدموا كتابات تاريخية رصينة في شتى الفترات، صارت مرجعاً لكل أبناء الوطن العربي، وربما غيرهم في العالم الإٍسلامي، والعالم أجمع. من جهة ثانية، أعتقد أن ثمة العديد من المؤرخين في عسير الذين اشتغلوا بتاريخ منطقتهم، وقدموا كتابات في غاية الأهمية، إذ كانت متسمة بالموضوعية والجدة والأصالة.
• أنت ممن يؤمنون بأنّ هناك قطيعة معرفية مرت بها المنطقة في لحظة تاريخية معينة، متى بدأت هذه القطيعة؟ وكيف؟
•• مفهوم القطيعة المعرفية هو مفهوم طرحه ميشيل فوكو الفرنسي، جالباً إياه إلى حقل العلوم الإنسانية، حيث استمده من نظيره غاستون باشلار الذي تناوله في مجال فلسفة العلوم. فوكو يرى أن التاريخ لا يسير بشكل خطّي كما يظن الكثير بل إنه بسبب بعض الأحداث التاريخية الاستثنائية قد ينقطع، أي أن التاريخ في صميمه عبارة عن قطائع، وليس سلسلة متصلة الحلقات، وقد أفضى هذا المفهوم إلى التأكيد أن بعض المجتمعات قد تتعرض لهذه القطيعة بسبب فعل تاريخي ما، حيث تتخلى عن نظامها المعرفي الذي كان سائداً لتستبدله بنظام معرفي آخر، تظهر تجلياته في ثقافتها، ونمط تدينها، وطريقة تفكيرها ووعيها. وفي ما يتعلق بمنطقة عسير فقد ذهبت في دراستي الموسومة بـ«الأمراء اليزيديون» إلى القول إنّ ثمة قطيعة معرفية حدثت في عسير، حيث عمد أبناؤها إلى التخلي عن كل ما يتعلق بتاريخهم قبل مطلع القرن الثامن عشر الميلادي، وتغافلوا تماماً عن تدوين الفترة السابقة، مثل العجيلي في الظل الممدود، أو محمد الحفظي في نفح العود، أو عبدالرحمن الحفظي في تاريخ الملك العسيري.
• ما الذي أضافه كتابك «الأمراء اليزيديون» إلى تاريخ المنطقة؟
•• رغم أن هذا السؤال من الأجدر أن يُسأل عنه غيري من المتخصصين والمهتمين لأن إجابتي عنه ربما تنطوي على شيء من الذاتية، إلا أنني أرى أن كتاب «الأمراء اليزيديون» حاول أن يعالج بعض الأخطاء التي وقع فيها المؤرخون الرياديون الذين أرّخوا للمنطقة، علاوة على أنه حاول أن يجترح مسمى آل يزيد كدلالة تاريخية جامعة على الأمراء الذين حكموا عسير بدءاً من الأمير سعيد بن مسلط 1238هـ/1822م ذلك أن كثيراً من الكتابات التاريخية تتعامل مع إمارة الأميرين سعيد بن مسلط وعلي بن مجثل كإمارة منبتّة عن إمارة الأمير عائض بن مرعي وسلالته من بعده، وهذا غير صحيح إطلاقاً، إذ لم تكن إمارة الأمير عائض ومن جاء بعده غير امتداد تاريخي لإمارة الأميرين السابقين. وآل يزيد هنا حين نطلقه على هذا النحو فإنه دال على بطن أو عشيرة في بلدة السقا، تنتمي من الناحية القبلية إلى بني مغيد من عسير.
• لماذا يندر لدينا المؤرخ الفيلسوف؟
•• يرجع غياب المؤرخ الفيلسوف إلى عدم الاعتناء بالفلسفة في المقام الأول، رغم أهميتها الكبيرة للمؤرخ من حيث تعميق أفكاره، وإعطائه قدرة على التحليل، فضلاً عن كونها تمدّه بالأدوات اللازمة التي تعينه على فهم الحدث التاريخي، واستنطاقه، وكشف رمزياته. المؤرخ لدينا -وأنا هنا أتحدث عن الأكاديمي- محروم بدرجة كبيرة من الاستزادة من المناهج الفلسفية التي قد تعينه على تطويع دراساته وموضوعاته التاريخية، محروم لكون دراسته منذ أن يدرس البكالوريوس حتى يتخرج من الدكتوراه لا تنطوي في الغالب إلا على مواد تاريخية محضة، صحيح أن ثمة مقررات في الدراسات العليا تتعلق بالمدارس التاريخية والنقد التاريخي لكنها في نهاية المطاف ليست كافية لصقل مؤرخ حاذق، ولا يمكن أن تمنحه عُدّة كاملة من المفاهيم والمناهج التي تمكنه من قراءة التاريخ قراءة مختلفة ومعمقة. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن التوجه في تدريس التاريخ لم يزل مقتصراً على تدريس الطالب الكتابة التاريخية السردية التقليدية، التي تهتم بوقوع الخبر أكثر من كونها تهتم بعلّته وسببه، يُضاف إلى ذلك أن الطالب والأستاذ معاً تصدرُ أفكارهم من معين ثقافي واحد وليس متعدداً، وهذا ما يجعل كتابة أكثر المؤرخين لدينا متشابهة مصبوغة بنسق فكري واحد، يتعذر الخروج عنه!
• هل يغيب عن منطقة عسير المؤرخ الاستثنائي والمبتكر؟
•• أظن أن المنطقة حظيت بمؤرخين كبار سواءً على المستوى الأكاديمي أو على المستوى العام، وفي هذا الصدد لا يفوتني أن أشيد بالأعمال الريادية التي قدمها الدكتور محمد آل زلفة، فقد كانت كتاباته مهمة للغاية، ولا يمكن تجاوزها، كما أنها كانت محاطة بمقاربات ذكية ومتنوعة في شتى مجالات التاريخ العسيري، كذلك ينبغي الإشادة بأعمال الدكتور عبد الله أبو داهش، التي كانت من طبيعة مختلفة عن أعمال سابقة، إذ كانت متمحورة حول تحقيق ونشر التراث العلمي في عسير خلال القرون الماضية، وهي تمثّل كشوفاً يمكن من خلالها معرفة العديد من صور الواقع العلمي في عسير إبان تلكم الفترة.
• لماذا تتعدد الرؤى وتختلف حيال تاريخ منطقة عسير تحديداً؟
•• لا توجد منطقة بلا رؤى تاريخية مختلفة، وعسير مثلها مثل بقية مناطق الوطن، من حيث وجود هذه الرؤى، وفي تقديري فإن الاختلافات حيال تاريخ منطقتنا لا أراه سلبيا بالمطلق، بل يكون في بعض الأحيان إيجابياً لأنه يفضي إلى الثراء. ربما تكون هناك كتابات تفتقر إلى الموضوعية، لكن هذه الكتابات مع الوقت، وثقة ً بالمجتمع فإن من شأنها أن تذوي، وتتلاشى على اعتبار أن معالجتها ومحاكمتها ستكون من مهام الدراسات التاريخية الجيدة في المستقبل.
• تعاني الكتابة التاريخية من مشكلتي القبلية والأيديولوجية.. ما تأثير هاتين المشكلتين على كتابة التاريخ في منطقة عسير؟
•• في الوقت الحالي ربما يكون البعد القبلي والعائلي هو الأبرز في التأثير على الكتابة التاريخية في عسير، هذا التأثير لا يطال الحدث التاريخي أو حتى فترة تاريخية معينة، وإنما يطال أيضاً الأنساب، والأعلام، والحال أن ثمة العديد من الكتب التي صدرت تحت تأثير هذين البعدين، وكانت متسمة بالانحياز الفج، والانتقائية الواضحة. على أن هذه المشكلة لا تطال الكتابة التاريخية في عسير فحسب، بل تطال معظم مناطق الوطن، وعليه فإن هذا يلقي مهمة جسيمة على المؤرخين، في تقويم هذه الأعمال، وتصحيحها بما يتوخى الحقيقة التاريخية.
• ماذا عن الكتب التاريخية التي تتحدث عن جنوبي الجزيرة العربية وعلاقتها ببني إسرائيل كالصليبي وفاضل الربيعي وما كتبه أخيراً الدكتور أحمد سعيد قشاش؟
•• جميع الدراسات والأبحاث التي خلصت إلى القول إن عسير كانت موطن بني إسرائيل، وإن ملاحمهم الواردة في العهد القديم، وفي أسفارهم كان مسرحها بلاد عسير، هو قول جاء متكئاً على المنهج الفيلولوجي دون النظر إلى المناهج الأخرى مثل: المنهج الأركيولوجي أو المدونات التاريخية والآثارية القديمة. الاكتفاء بهذا المنهج من شأنه أن يعطي فرضيات لا تصح على الواقع التاريخي بعسير، ولا يمكن التسليم بها على نحو مطلق، بل أزعم أن اكتفاء هؤلاء الباحثين بهذا المنهج، وما يحيل إليه من نتائج وخلاصات يمكن أن يكون العلة الثاوية وراء الاكتفاء به دون غيره على اعتبار أن المناهج الأخرى ستحيل إلى نتائج وخلاصات تخالف ما يرغبون إثباته!
يجب أن نستحضر أن ثمة بوناً شاسعاً بين وجود يهودي أو كتابي في عسير، وبين أن تكون عسير هي مسرح ملاحم الشعب اليهودي، فالوجود اليهودي ربما كان حاضراً في عسير مثلها مثل غيرها من مناطق جنوبي الجزيرة العربية، لكن هذا لا يعني أنها كانت مكان التوراة، ومكان أنبياء بني إسرائيل، بل لا شك أن الوجود اليهودي لم يكن ليكون لولا الأحداث التي جرت له في الأرض المقدسة في الشام.
• ماذا عن مشاريعك البحثية الجديدة؟ وما الجوانب التاريخية التي ترى أنها لم تأخذ حقها من البحث في تاريخ عسير؟
•• أنهيت بفضل الله ومنّته بحثاً عن الإمام الشوكاني وعلاقته بالسلطة القاسمية في اليمن، وهو قيد النشر، كما نُشر لي قبل أقل من 3 أشهر بحث عن محن ونكبات بعض العلماء في اليمن خلال القرن الـ13 الهجري، يُضاف إلى ذلك أنني أعكف على تحقيق إحدى المخطوطات المهمة في تاريخ عسير، ستُنشر بحول الله قريباً، كما أنني على وشك إنجاز بحث يناقش دور أحد علماء نجد في الحياة السياسية خلال القرن الـ13 الهجري.