زوايا متخصصة

الكوفيّ.. مالئ الدنيا وشاغل الناس

عيون شعرية

فهد البندر fahadalbandar@

الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، والأخلاق السامية الرفيعة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل، ومنهم أبو الطيب المتنبي (303هـ - 354هـ) (915م - 965م) وهو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي أبو الطيب الكندي، الكوفي المولِد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة، لا لأنه منهم، وعاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب، وكان من أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً في اللغة العربية، وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العربية. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء. وهو شاعر وحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي، وتدور معظم قصائده حول مدح الملوك. ولقد قال الشعر صبياً، فنظم أول أشعاره وعمره 9 سنوات، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكراً، وقيل عنه إنه بشعره مالئ الدنيا وشاغل الناس، يقول في مدح محمد بن عبيدالله الكوفي:

يــا ديــار العــبــاهــر الأتــرابِ

أيــن أهــل الخــيــام والأطــنــابِ

قــذفــت بـالبـدور عـنـك ظـهـورُ ال

بُـــدن قـــذف القــسِــيِّ بــالنُــشــابِ

غـــادة تـــجــعــل الخــلي شــجــيــاً

وتـــصـــيـــب المـــحــب بــالأوصــابِ

صــدُّهــا يــذهــل العــقــول بــالوص

ل تـــرد العـــقـــول بـــعــد ذهــابِ

يــا شــبــابــي تــرفَّقــَن بـشـبـابـي

نــمــتَ عــن ليــتــي وبــتُّ لمـا بـِي

تــالفــاً بــيــن مــيــتــة وحــيــاةٍ

واقـــفـــاً بـــيـــن رحــمــةٍ وعــذابِ

خُـــذ إلهـــي مــن المــلاح لجــســم

حُــلن مــا بــيـنـه وبـيـن الثـيـابِ

ســـوءةٌ للتـــي شـــكـــوت فـــقـــالت

ســــوءةٌ للمُــــمَــــخــــرق الكــــذّابِ

أعــتَــبــت بــالصــدود بـعـد عـتـابِ

ورمـــت بـــالنـــقـــاب بــالعُــنّــابِ

بـــعُـــنَــابٍ تــســوّدت مــن حــشــائي

بـــســـواد ومـــن دمـــي بـــخـــضــابِ

وتـــمـــشّــت مــن الفــؤاد بــنــعــلٍ

حُـــرُّ وجـــهــي له مــكــانَ التــرابِ

آه لم يـــدر مـــا العــذاب فــؤادٌ

لم يــذق طــعــمَ فــرقــة الأحـبـابِ

أبــعــدي فــالســلوُّ أجــمــل عـنـدي

مــن حــضـور البـكـا عـلى الغُـيّـابِ

ووقــار الفــتــى بــغــيــر مــشـيـب

كـــصـــبــو امــرئٍ بــغــيــر شــبــابِ

ســقِّنــي ريــقــهــا وســقِّ نــديــمــي

مـــن ســـلاف مـــمـــزوجــة بــرضــابِ

واســقِ أطــلالهــا وإن هــجــرتـنـا

يــا إله الســمــاء نــوءَ السـحـابِ

مـضـلخِـمَّ الروقـيـن مـثـعـنجرَ الود

ق مــســفَّ الجــهــام دانـي الربـابِ

مـسـبـلاً مـثـل راحـة ابن عبيد ال

لهِ مــعــطــى الورى بــغـيـر حـسـابِ

يــسـتـقـل الكـثـيـر مـعـتـذراً مـن

أخــــذه طــــالبــــاً إلى الطُــــلّابِ

فـــنـــفــوس الأمــوال غــيــر رواضٍ

عــنــه والســائلون غــيــر غــضــابِ

إن جــود الوســمـي بـل زبـد البـح

ر تـــرامـــى عـــبـــابُه بـــحَـــبــابِ

دون جدوى أبي الحسين إذا ما اش

تـغـل الشـعـر بـالعـطـايـا الرغابِ