نزار مدني يفرج عن سوانح لياليه وحبائس جُعبته
الخميس / 11 / ذو القعدة / 1441 هـ الخميس 02 يوليو 2020 03:08
طالب بن محفوظ (جدة) talib_mahfooz@
في بضع سنين من حياته العملية وشهورها، كان الدكتور نزار عبيد مدني (وزير الدولة للشؤون الخارجية سابقاً) يدوِّن رؤاه وخواطره وسوانحه في وريقات ليحولها أخيراً إلى كتاب وسمه بـ«أوراق من الجعبة»، لخص فيه رأياً وفكراً متجدداً لرجل دولة مثقف من طراز فريد.
راوحت مواضيع الفصول السبعة للكتاب بين الشأن الإسلامي، والسياسي، والمحلي، والدولي، والخاص، والدولي، والحكم والمواعظ، والأقوال المنسوبة.
ففي الشأن الإسلامي؛ اعتمد على التحليل والتفكيك البنيوي لبعض النصوص المتعلقة بالشأن الإسلامي وصولاً بالجانب الفكري إلى أبعاد بعيدة بعمق عقلاني.
وبين مصطلحي «النظام السياسي الإسلامي» و«الإسلام السياسي» تباين واضح؛ الأول هو السياسة الشرعية التي جاء بها الإسلام، أما الثاني فوصفه بـ«الخرافة» الموشكة على الزوال لأنه مصطلح فرضه الغرب على المسلمين، موضحاً في أحد أوراقه «لا نريد رجل الدين المسيس، الذي يخوفنا من الله، بل نريد رجل السياسة المتمدين الذي يخاف الله فينا»، وفي ورقة أخرى «إنني سوف أسعد للغاية إذا وصل الدين الصحيح إلى السياسة، ولكنني سوف أشعر بالقلق العظيم إذا وصلت السياسة إلى رجال الدين»، وفي ورقة ثالثة «من المؤسف أننا في الوقت الحاضر لا نفهم ديننا الإسلامي حق الفهم، فنحن من جهة نشهد إسرافاً في التشدد، وكانت النتيجة أن الحق ضاع أو كاد يضيع بين المتهاونين والمتشددين».
أما الشأن السياسي؛ فإنه يؤكد كخبير سياسي أن المنطقة مقبلة على تغيرات جذرية في السياسة القائمة في العالم العربي، وستشهد تحالفات جديدة يصعب التعامل معها بشكل عقلاني، وقال في إحدى وريقاته «على الرغم من أن كل ما يقال ضد السياسة والدبلوماسية فإنه لا غنى عنهما، وهما يعدان الخيار الأمثل لحل النزاعات وإنهاء الصراعات، ولقد ثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ أنه متى ما فشلت السياسة في حل الأزمة فإن العواقب غالباً ما تكون وخيمة والنتائج جسيمة، إذن لا تصبوا غضبكم ضد السياسة، واعلموا أنه مهما كانت الظروف والأحوال فإنها لا تزال تمثل أفضل وأنجع أداة لمواجهة الأزمات والصراعات».
وفي وقت طالب -في الفصل المتعلق بالشأن المحلي- الصحافة الاهتمام بالقضايا المحلية لا الانكفاء على الذات أو العزلة عما يدور حولنا من أمور وقضايا، فإنه في الفصل المتعلق بالشأن الخاص اصطف مع الفلسفة متسائلاً: لماذا تخشى من الرأي المخالف والنقد الموضوعي؟ ألا تعلم أن المناقشة والمناظرة هي الوسيلة التي تقود إلى الحقيقة؟ وبدأ ورقاته في الشأن المحلي بالجملة: «بناء» الوطن، و«صناعة» تقدمه ورخائه، و«تشييد» حضارته ورقيه ليس مسؤولية الدولة فحسب، بل إن كل مواطن، كبر دوره أو صغر، مسؤول مسؤولية مباشرة عن ذلك؛ فالأمانة في أداء العمل وإتقان تنفيذه واجب حضاري، والالتزام بقواعد المرور وأنظمته، ومراعاة آداب السير وأخلاقياته، واجب حضاري، وتقدير قيمة الوقت، واحترام المواعيد ودقتها، واجب حضاري، والترشيد في استعمال المرافق العامة واجب حضاري، والمحافظة على المنشآت والأموال والممتلكات العامة واجب حضاري، ومحاربة الظواهر السيئة والمسيئة كالرشوة والتستر واجب حضاري.
يقول مدني عن فترة التدوين: «من العادات التي درجت عليها منذ مدة طويلة، أنني حينما أبدأ بالاستعداد للخلود إلى النوم أستحضر ما مر بي في يومي من أحداث، أو ما مارسته من أعمال، أو سمعته من أقوال، وأن أدون كل ذلك في ورقة أو وريقات ما يهمني أو يلفت انتباهي أو يروق لي».
وأضاف «على مر الشهور والسنين أخذت تلك الأوراق تزداد وتتكاثر وتضيق بها المساحة المخصصة لها، ولكنها ظلت حبيسة تلك المساحة أو الجُعبة، كما قررت أن أسميها فيما بعد، ولكن مشاغل الحياة اليومية والانغماس في العمل حالا دون التفرغ لمعالجة تلك الأوراق، ومعرفة ما يصلح منها للنشر وما لا يصلح، علماً أن قليلا منها كانت سعيدة الحظ؛ حيث وجدت طريقها للنشر في الصحافة المحلية بعد إخضاعها ـ بطبيعة الحال ـ لشيء من الصقل وبعض التشذيب، ولكن الكثرة الغالبة منها لم يقدر لها أن تنال ذلك الحظ أو تحظى بذلك النصيب، فظلت حبيسة الجعبة إلى أن قدر الله لها أخيراً أن ترى النور بعد أن عاشت في العتمة والظلمة ردحاً من الزمن».
وأوضح «ولأنني قررت أخيراً الإفراج عن تلك الأوراق ومنحها فرصة الظهور والعلانية، أجد لازماً علي التنبيه إلى أمرين أحسب أنهما جديران بالإشارة والتنبيه؛ الأول: أنني لم أكن أحفل غالباً في تدويني لتلك الأفكار والخواطر والسوانح بجمال الأسلوب أو بلاغة العبارة أو الترتيب المنطقي المنظم، بقدر ما كان اهتمامي في الأساس منصباً على مجرد تسجيل الفكرة أو الخاطرة أو السانحة وتدوينها وحفظها قبل أن تذروها رياح النسيان ، الأمر الثاني: هو أنني لم أكن ـ أيضاً ـ أهتم بذكر بعض الجوانب التوثيقية المهمة مثل وضع التاريخ وذكر المكان والإشارة إلى المناسبة، ولذلك لم أجد غضاضة في الاحتفاظ بما سجلته بعَجَرِه وبجُره، أو على علاته كما يقولون، على الرغم من احتمال عدم انسجام بعضه أو اتفاقه مع ما قد يحدث في ما بعد من تغير وتطور في مواقفي الفكرية من جهة، واحتمال أن تكون الأحداث والتطورات قد تجاوزت وتخطت ما تضمنه بعضها الآخر، من جهة أخرى».
راوحت مواضيع الفصول السبعة للكتاب بين الشأن الإسلامي، والسياسي، والمحلي، والدولي، والخاص، والدولي، والحكم والمواعظ، والأقوال المنسوبة.
ففي الشأن الإسلامي؛ اعتمد على التحليل والتفكيك البنيوي لبعض النصوص المتعلقة بالشأن الإسلامي وصولاً بالجانب الفكري إلى أبعاد بعيدة بعمق عقلاني.
وبين مصطلحي «النظام السياسي الإسلامي» و«الإسلام السياسي» تباين واضح؛ الأول هو السياسة الشرعية التي جاء بها الإسلام، أما الثاني فوصفه بـ«الخرافة» الموشكة على الزوال لأنه مصطلح فرضه الغرب على المسلمين، موضحاً في أحد أوراقه «لا نريد رجل الدين المسيس، الذي يخوفنا من الله، بل نريد رجل السياسة المتمدين الذي يخاف الله فينا»، وفي ورقة أخرى «إنني سوف أسعد للغاية إذا وصل الدين الصحيح إلى السياسة، ولكنني سوف أشعر بالقلق العظيم إذا وصلت السياسة إلى رجال الدين»، وفي ورقة ثالثة «من المؤسف أننا في الوقت الحاضر لا نفهم ديننا الإسلامي حق الفهم، فنحن من جهة نشهد إسرافاً في التشدد، وكانت النتيجة أن الحق ضاع أو كاد يضيع بين المتهاونين والمتشددين».
أما الشأن السياسي؛ فإنه يؤكد كخبير سياسي أن المنطقة مقبلة على تغيرات جذرية في السياسة القائمة في العالم العربي، وستشهد تحالفات جديدة يصعب التعامل معها بشكل عقلاني، وقال في إحدى وريقاته «على الرغم من أن كل ما يقال ضد السياسة والدبلوماسية فإنه لا غنى عنهما، وهما يعدان الخيار الأمثل لحل النزاعات وإنهاء الصراعات، ولقد ثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ أنه متى ما فشلت السياسة في حل الأزمة فإن العواقب غالباً ما تكون وخيمة والنتائج جسيمة، إذن لا تصبوا غضبكم ضد السياسة، واعلموا أنه مهما كانت الظروف والأحوال فإنها لا تزال تمثل أفضل وأنجع أداة لمواجهة الأزمات والصراعات».
وفي وقت طالب -في الفصل المتعلق بالشأن المحلي- الصحافة الاهتمام بالقضايا المحلية لا الانكفاء على الذات أو العزلة عما يدور حولنا من أمور وقضايا، فإنه في الفصل المتعلق بالشأن الخاص اصطف مع الفلسفة متسائلاً: لماذا تخشى من الرأي المخالف والنقد الموضوعي؟ ألا تعلم أن المناقشة والمناظرة هي الوسيلة التي تقود إلى الحقيقة؟ وبدأ ورقاته في الشأن المحلي بالجملة: «بناء» الوطن، و«صناعة» تقدمه ورخائه، و«تشييد» حضارته ورقيه ليس مسؤولية الدولة فحسب، بل إن كل مواطن، كبر دوره أو صغر، مسؤول مسؤولية مباشرة عن ذلك؛ فالأمانة في أداء العمل وإتقان تنفيذه واجب حضاري، والالتزام بقواعد المرور وأنظمته، ومراعاة آداب السير وأخلاقياته، واجب حضاري، وتقدير قيمة الوقت، واحترام المواعيد ودقتها، واجب حضاري، والترشيد في استعمال المرافق العامة واجب حضاري، والمحافظة على المنشآت والأموال والممتلكات العامة واجب حضاري، ومحاربة الظواهر السيئة والمسيئة كالرشوة والتستر واجب حضاري.
يقول مدني عن فترة التدوين: «من العادات التي درجت عليها منذ مدة طويلة، أنني حينما أبدأ بالاستعداد للخلود إلى النوم أستحضر ما مر بي في يومي من أحداث، أو ما مارسته من أعمال، أو سمعته من أقوال، وأن أدون كل ذلك في ورقة أو وريقات ما يهمني أو يلفت انتباهي أو يروق لي».
وأضاف «على مر الشهور والسنين أخذت تلك الأوراق تزداد وتتكاثر وتضيق بها المساحة المخصصة لها، ولكنها ظلت حبيسة تلك المساحة أو الجُعبة، كما قررت أن أسميها فيما بعد، ولكن مشاغل الحياة اليومية والانغماس في العمل حالا دون التفرغ لمعالجة تلك الأوراق، ومعرفة ما يصلح منها للنشر وما لا يصلح، علماً أن قليلا منها كانت سعيدة الحظ؛ حيث وجدت طريقها للنشر في الصحافة المحلية بعد إخضاعها ـ بطبيعة الحال ـ لشيء من الصقل وبعض التشذيب، ولكن الكثرة الغالبة منها لم يقدر لها أن تنال ذلك الحظ أو تحظى بذلك النصيب، فظلت حبيسة الجعبة إلى أن قدر الله لها أخيراً أن ترى النور بعد أن عاشت في العتمة والظلمة ردحاً من الزمن».
وأوضح «ولأنني قررت أخيراً الإفراج عن تلك الأوراق ومنحها فرصة الظهور والعلانية، أجد لازماً علي التنبيه إلى أمرين أحسب أنهما جديران بالإشارة والتنبيه؛ الأول: أنني لم أكن أحفل غالباً في تدويني لتلك الأفكار والخواطر والسوانح بجمال الأسلوب أو بلاغة العبارة أو الترتيب المنطقي المنظم، بقدر ما كان اهتمامي في الأساس منصباً على مجرد تسجيل الفكرة أو الخاطرة أو السانحة وتدوينها وحفظها قبل أن تذروها رياح النسيان ، الأمر الثاني: هو أنني لم أكن ـ أيضاً ـ أهتم بذكر بعض الجوانب التوثيقية المهمة مثل وضع التاريخ وذكر المكان والإشارة إلى المناسبة، ولذلك لم أجد غضاضة في الاحتفاظ بما سجلته بعَجَرِه وبجُره، أو على علاته كما يقولون، على الرغم من احتمال عدم انسجام بعضه أو اتفاقه مع ما قد يحدث في ما بعد من تغير وتطور في مواقفي الفكرية من جهة، واحتمال أن تكون الأحداث والتطورات قد تجاوزت وتخطت ما تضمنه بعضها الآخر، من جهة أخرى».