الضرورات ست لا خمساً
الجمعة / 19 / ذو القعدة / 1441 هـ الجمعة 10 يوليو 2020 00:43
علي بن محمد الرباعي
حَصَرَتْ كتبُ الفقه والأصول والمقاصد (الضرورات) الواجب حفظها في (خمس) هي (حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل أو العِرْض) فعليها تستقيم ديانة الإنسان وبها تصلح دنياه، ولا أعلم سبب اقتصارهم على هذه الضرورات المستنبطة من أدلة قطعية الثبوت والدلالة دون إيلاء بعض الاعتبار لضرورة أسمى ومقصد أعلى.
تساءلتُ لماذا أغفل الفقهاء الضرورة السادسة التي هي (حِفظ الدولة)؟ كوني أراها أُمّاً للضرورات، إذ دون وطن له كيانه وهياكله لا يمكن للإنسان المحافظة على الضرورات، خصوصاً ونحن نرى أثر التدين الخاطئ على بعض الأفراد الثائرين على أوطانهم وعقولهم وأموالهم! والمتطاولين على أرواح غيرهم رغم الضبط والربط والحسم والحزم.
الحفاظ على الدولة ضرورة سادسة أو سادس الضرورات، خصوصاً حين يقوم نظامها على أساس الاقتصاد في الاعتقاد، والاعتدال في الامتثال، والترشيد في المشاعر والانفعالات، وتربية السمو الوجداني، والرقي السلوكي بوصف الدولة مهذباً للفرد وسامية بالأخلاق وحافظة للأسرة والمجتمع وتلك أسمى غايات التكليفات الشرعية.
تُعرّفُ الضرورة بأنها كل ما ترتب على فقده ضرر أو وقع بغيابه مشقة، وأعظم ضرر يلحق بمجتمع سببه فقدان المواطن لوطنه وتغييب نظامه، والشواهد المؤلمة ليست تاريخية ماضوية بل آنية وموثقة بالصوت والصورة، فحفظ الدولة حفظٌ للدِّين، وحفظ الدِّين حفظٌ للنفس والمال والعقل والنسل، والتلازم بين الضرورات تلازم شرطي، ومتى ما وقع التهاون بحفظ الوطن فلا يُرجى حفظاً لبقية الضرورات.
تحقق الوطن مقصد من مقاصد الشريعة كونه يقيم شعائر الإسلام الظاهرة ويعين المواطنين والمقيمين على أداء أركان دينهم، ويضبط إيقاع حياتهم عبر المؤسسات العسكرية والمدنية والإدارية والعدلية التي تعزز أمن وحياة الناس وتسهل أمور معاشهم وتمنع اعتداء أو تجاوز أي طرف على الآخر بإجراءات وقائية وعلاجية منها (توفير سبل العيش الكريم وتأمين ما يحتاجونه من مطاعم ومشارب وما يلزم من مراكز طبية ومستشفيات وما تقتضيه المشاحة والاقتصاص من المحاكم والشرط والنيابة).
بحفظ الدولة تصان الأنفس وتحفظ الأعراض وتحرس الأموال ويحمى العقل ويقام الدين وتُحصّن الحدود ويستتب الأمن ولا يمكن أن تتحقق مقتضيات الضرورات الخمس دون دولة شرعية تكون مظلة لها هيبتها وإمكاناتها في تشريع القوانين والأنظمة وتطبيقها.
ما لا تقوم الضرورات إلا به فهو ضرورة ومنذ قامت دولتنا السعودية وهي تحفظ الدين القويم عبر إقامة الشعائر وبناء المساجد وتوفير الأئمة والخطباء والدعاة والوعاظ وتأمين وتنظيم الحج والعمرة والزيارة وتوسعة الحرمين، وطبع المصحف ونشر كتب العلم الشرعي، وافتتاح المدارس والجامعات، وبث البرامج مما هو منجز دولة لا يمكن لأي مجموعة مهما بلغت قدراتها القيام به.
حفظت دولتنا الأنفس بنشر الوعي بعصمة الروح وحرمة الجسد، وسنّت الأنظمة التي تمنع الاعتداء، ونفذت في المعتدين من الجناة القصاص في الأنفس والأعضاء والجراح وأدّبت من يهدد أمن المجتمع، كما حفظت الأعراض بمنع الرذائل وتعميم الفضائل والضرب بيد من حديد على كل متحرش أو معاكس أو متطاول، وحفظت المال بالحراسات والجهات المختصة وطبقت الشرع والنظام بحق كل مختلس وسارق ومنتهب ومرتشٍ، وحفظت العقول بتبني الفكر السوي وإشاعة روح الحوار والتصدي لكل ضار ومفسد.
لا يقدر النعمة حق قدرها في الغالب إلا فاقدها. مثلما المصح لا يقدّر الصحة حتى يعتل ويمرض، والذين يُحمّلون الحدود الجغرافية مسؤولية تفتيت الأمة الإسلامية والعربية نقول لهم رغم الحدود الوطنية المؤمنة وحراسها من رجال الجيش والأمن لم تسلم بلادنا من مكائد وعدوان ومحاولات أذية فكيف نتصور حالنا لو لم تكن الحدود السعودية قائمة؟!
الإنسان في ظل الخوف والجوع عُرضة لذهاب دينه وإتلاف روحه وضياع ماله وانتهاك عِرضه واختلال عقله، وكما تقتضي الضرورة حفظ هذه الخمس التي بفقدها خسران للدنيا والدِّين فإن حفظ الوطن وحماية الدولة أكبر الضرورات؛ لأنها صونٌ للمصالح واستقرار للأوضاع واستتباب للأمن وتحجيم للمفاسد وإرساءُ للعدل ولا غاية لعاقل أبلغ من هذه الغاية، علماً بأن الدِّين محفوظ بحفظ الله.
كاتب سعودي
Al_ARobai@
تساءلتُ لماذا أغفل الفقهاء الضرورة السادسة التي هي (حِفظ الدولة)؟ كوني أراها أُمّاً للضرورات، إذ دون وطن له كيانه وهياكله لا يمكن للإنسان المحافظة على الضرورات، خصوصاً ونحن نرى أثر التدين الخاطئ على بعض الأفراد الثائرين على أوطانهم وعقولهم وأموالهم! والمتطاولين على أرواح غيرهم رغم الضبط والربط والحسم والحزم.
الحفاظ على الدولة ضرورة سادسة أو سادس الضرورات، خصوصاً حين يقوم نظامها على أساس الاقتصاد في الاعتقاد، والاعتدال في الامتثال، والترشيد في المشاعر والانفعالات، وتربية السمو الوجداني، والرقي السلوكي بوصف الدولة مهذباً للفرد وسامية بالأخلاق وحافظة للأسرة والمجتمع وتلك أسمى غايات التكليفات الشرعية.
تُعرّفُ الضرورة بأنها كل ما ترتب على فقده ضرر أو وقع بغيابه مشقة، وأعظم ضرر يلحق بمجتمع سببه فقدان المواطن لوطنه وتغييب نظامه، والشواهد المؤلمة ليست تاريخية ماضوية بل آنية وموثقة بالصوت والصورة، فحفظ الدولة حفظٌ للدِّين، وحفظ الدِّين حفظٌ للنفس والمال والعقل والنسل، والتلازم بين الضرورات تلازم شرطي، ومتى ما وقع التهاون بحفظ الوطن فلا يُرجى حفظاً لبقية الضرورات.
تحقق الوطن مقصد من مقاصد الشريعة كونه يقيم شعائر الإسلام الظاهرة ويعين المواطنين والمقيمين على أداء أركان دينهم، ويضبط إيقاع حياتهم عبر المؤسسات العسكرية والمدنية والإدارية والعدلية التي تعزز أمن وحياة الناس وتسهل أمور معاشهم وتمنع اعتداء أو تجاوز أي طرف على الآخر بإجراءات وقائية وعلاجية منها (توفير سبل العيش الكريم وتأمين ما يحتاجونه من مطاعم ومشارب وما يلزم من مراكز طبية ومستشفيات وما تقتضيه المشاحة والاقتصاص من المحاكم والشرط والنيابة).
بحفظ الدولة تصان الأنفس وتحفظ الأعراض وتحرس الأموال ويحمى العقل ويقام الدين وتُحصّن الحدود ويستتب الأمن ولا يمكن أن تتحقق مقتضيات الضرورات الخمس دون دولة شرعية تكون مظلة لها هيبتها وإمكاناتها في تشريع القوانين والأنظمة وتطبيقها.
ما لا تقوم الضرورات إلا به فهو ضرورة ومنذ قامت دولتنا السعودية وهي تحفظ الدين القويم عبر إقامة الشعائر وبناء المساجد وتوفير الأئمة والخطباء والدعاة والوعاظ وتأمين وتنظيم الحج والعمرة والزيارة وتوسعة الحرمين، وطبع المصحف ونشر كتب العلم الشرعي، وافتتاح المدارس والجامعات، وبث البرامج مما هو منجز دولة لا يمكن لأي مجموعة مهما بلغت قدراتها القيام به.
حفظت دولتنا الأنفس بنشر الوعي بعصمة الروح وحرمة الجسد، وسنّت الأنظمة التي تمنع الاعتداء، ونفذت في المعتدين من الجناة القصاص في الأنفس والأعضاء والجراح وأدّبت من يهدد أمن المجتمع، كما حفظت الأعراض بمنع الرذائل وتعميم الفضائل والضرب بيد من حديد على كل متحرش أو معاكس أو متطاول، وحفظت المال بالحراسات والجهات المختصة وطبقت الشرع والنظام بحق كل مختلس وسارق ومنتهب ومرتشٍ، وحفظت العقول بتبني الفكر السوي وإشاعة روح الحوار والتصدي لكل ضار ومفسد.
لا يقدر النعمة حق قدرها في الغالب إلا فاقدها. مثلما المصح لا يقدّر الصحة حتى يعتل ويمرض، والذين يُحمّلون الحدود الجغرافية مسؤولية تفتيت الأمة الإسلامية والعربية نقول لهم رغم الحدود الوطنية المؤمنة وحراسها من رجال الجيش والأمن لم تسلم بلادنا من مكائد وعدوان ومحاولات أذية فكيف نتصور حالنا لو لم تكن الحدود السعودية قائمة؟!
الإنسان في ظل الخوف والجوع عُرضة لذهاب دينه وإتلاف روحه وضياع ماله وانتهاك عِرضه واختلال عقله، وكما تقتضي الضرورة حفظ هذه الخمس التي بفقدها خسران للدنيا والدِّين فإن حفظ الوطن وحماية الدولة أكبر الضرورات؛ لأنها صونٌ للمصالح واستقرار للأوضاع واستتباب للأمن وتحجيم للمفاسد وإرساءُ للعدل ولا غاية لعاقل أبلغ من هذه الغاية، علماً بأن الدِّين محفوظ بحفظ الله.
كاتب سعودي
Al_ARobai@