«الرقمي» يدُكّ أبراج المثقفين !
كشف الأوراق للتمييز بين «المدّعين» و«المبدعين»
الجمعة / 19 / ذو القعدة / 1441 هـ الجمعة 10 يوليو 2020 02:37
علي الرباعي (الباحة)Al_ARobai@
فرض عصر (الميديا الرقمية) نفسه على المجتمعات، وأتاح لجميع المكونات فرص التعبير عن أنفسهم، ما جسّر المسافات بين الطبقات، وكسر حدود ومنطق التراتبية الثقافية، وألزم بعض الرواد والرموز بالتخلي عما أحاطوا أنفسهم به من هالة آسرة وأبراج عاجية. ونجح الزمن التقني في تحقيق المساواة بين الرؤوس، بدكّ حصون العزلة، وإجبار النخب على الشعبوية، وكشف الأوراق بالتمييز بين المدعين والمبدعين. «عكاظ» تقف على آراء نخبة من المثقفين والمثقفات، شخّصت تأثير وسائط التواصل الاجتماعي على نمطية التفكير والتعبير.
بوقري: المنصات كشفت المثقف والضحل والشللي النبيل !
يذهب الناقد أحمد بوقري، إلى أنه لم يعد هناك برج عاجي للمثقف منذ زمن، ويؤكد تهدُّم كل الأبراج العاجية للمثقف والأديب قبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي. ويرى أنه كان يحكى عن هذه الملاذات العاجية والمخملية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، بحكم الفجوة العميقة بين المثقف ومجتمعه، وعزاها إلى أزمة بنيت على سؤال «هل الأدب للأدب والفن للفن، أم الأدب والفن للحياة؟»، والذي تسبب في معارك أدبية عدة؛ منها المعركة المحتدمة التي دارت بين الدكتور طه حسين والناقد اللبناني رئيف خوري التي لم تنتهِ إلى شيء. ويؤكد أن طه حسين كان يعيش في برجه العاجي، ورئيف يعيش في كوخه الشعبي بين الناس. وعد بوقري المفهوم نسبياً في سياقه، فلم يبق طه حسين في برجه، ولم يلتزم رئيف بكوخه. ويذهب إلى أن فضيلة هذه المواقع الإلكترونية أنها كشفت المثقف، والضحل، والنرجسي، والشللي النبيل، فيما غدا الحكم على مستوى الأديب ونتاجه سريعاً ومباشراً من كل متابعيه في العالم، إثر هدم الحدود، وتشييد القرية الأدبية العالمية الواحدة التي لم تعد معها الفكرة حبيسة الصدور، ولا الأدراج، ولا الأبراج.
طالع: حُشروا في البروج لتعويض المشاعر الدفينة !
يعترف الشاعر إبراهيم طالع بأنه لم يسمع عن البروج العاجية ولم يعرفها، لأنه لا يضع نفسه ضمن دائرة هذا المصطلح (مثقف) وقال: «أعتقد ظنّيّا أن من يهربون نحو البروج المذكورة ليسوا سوى مرضى حُشِرُوا حشراً في بروجهم تلك لتعويض مشاعر دفينة يشعرون بها تجاه الحياة والفن والفكر التي تمثل جوهر الثقافة، أو حشروا أنفسهم بأنفسهم اعتقادا منهم أن من كتب شيئا أو قاله حُقّ له التربّع في موقع يلزمنا -نحن غير المثقفين- برفع أنظارنا إليه عالياً»، واعتبر إبراهيم طالع إشكالية تداخل المصطلحات والمفاهيم آفة البشر في كل مجال، كوننا لم ننجح في وضع حد لكل حادث من مصطلحاتنا بما فيها (المثقف)، ويرى أن الموصوف بالثقافة لا يستطيع أن «يتبَرْجَنَ» كون «التبرجن» هروبا بمحفوظاتهم البسيطة أمام مدّ الحياة ووسائل التواصل الاجتماعي، والتحول الحياتي المطلق للعصر الرقمي إلى الحد الذي لمْ يبقِ لنا فيه وقت حتى ننظر إلى أحدٍ كان «مُتَبرجِنا» أو ذهب مع غنمه إلى مرعاها، وحمّل الوسائل مسؤولية فقدان بعض الشخوص البشرية قيمة بإظهارهم عملا ما ينسب إلى الثقافة، وصار من كان نجما قطرة واحدة من المطر.
فاطمة إلياس: خياران أمام «العاجيين»
ترى الناقدة الدكتورة فاطمة إلياس، أن تأثير وسائط ومنصات التواصل الاجتماعي يختلف باختلاف نوع المثقف، إذ في الوقت الذي مثّلت نعمة للبعض، كانت وبالاً على المفتون ببرج عاجٍ بنته ثقته الزائدة في تفرده، وتميزه الفكري، وازدرائه العامة. وتذهب إلى أنه ليس أمام العاجيين غير خيارين؛ إما أن ينزلوا من برجهم العاجي ويتنازلوا عن طقوس الكتابة بالقلم ويبدأوا سكب أفكارهم للجميع عبر أنامل تتراقص على لوحة مفاتيح الكمبيوتر أو الهاتف، ويفتحوا نوافذ الحوار مع غيرهم، ويقبلوا الاختلاف، ليتبلور دورهم التنويري باعتبارهم مثقفين عضويين معاصرين ومواكبين للانفتاح التكنولوجي، وللتغيير البناء، أو يمعن في عزلته والانكفاء على قلمه وأوراقه والتمسك بأيديولوجياته البائدة المتمركزة حول «أنا» المثقف وقدسية رسالته للأمة، وامتلاكه المعرفة والحقيقة، ووصايته الفكرية على المجتمع؛ ما يجعل أدواته تصدأ، وتأثيره ينحسر بسبب القطيعة بينه وبين مجتمعه المنفتح على كل التيارات الفكرية، والأطياف الإبداعية، بمختلف مستوياتها.
وتحفظت إلياس على أن يفقد المثقف وهجه ومكانته بعدم احترامه الغير وتقصّد التناحر الفكري، والدخول في معارك حوارية خاسرة، والابتذال في نبذ المخالفين، وتفادي التماس مع مشاهير «التفاهة». وأكدت أن عليه الارتقاء بالفكر المجتمعي وإنقاذه من وحل «الرداءة» التي تسبب فيها المشاهير، فقد شاب مواقع التواصل الاجتماعي ما يؤكد «نخبوية» المثقف الإيجابية والمحققة لكينونته الفكرية والإبداعية، ورسالته الجماهيرية باعتباره ضمير الأمة. وتذهب إلى أن انخراط المثقف في فضاء التواصل الاجتماعي لا يعني قبوله بإسفاف بعض العوام الذين لوثوا ساحات النقاش بالسباب والشتام. وعدت حضوره الافتراضي تعزيزا لمكانته، ولا يفقده نخبويته كون «النخبوية» صفة لمنتج الوعي، والمدافع عن المثل الإنسانية، والصانع للقيم الأخلاقية بما يمتلكه من مخزون قرائي وفكري وفلسفي، ورؤية نافذة تجعله معبراً عن طموحات مجتمعه، وقادراً على استشراف مستقبل أمته، ومولّد خطاب ثقافي يحلل ويفسر التحولات المجتمعية في إطار التطور الحضاري والتكنولوجي.
محمد الغامدي: هناك تنافس على الوظيفة لا الإبداع
يشخص الكاتب محمد عبدالله الغامدي، أزمة «المثقف الافتراضي» بمحاباة الجمهور الافتراضي، ويرى أنه لو كان واقعياً لاختلفت التجربة وظهرت عيوب المثقف أمام هذا الجمهور. ويؤكد أن ابن صنعتك ينظر إليك من برج عاجي، بحكم مقولة «عدوك صاحب مهنتك»، وعدها إشكالية يصعب التخلص منها، ولو تغيّرت مواقع الكتابة، أو نوعية الجمهور؛ إذ إن العقدة مستمرة. ويرى أن بعض المثقفين العرب مصممون على ألا أحد قبلهم ولا أحد بعدهم، شاء من شاء وأبى من أبى. وكشف الغامدي أنه راجع كتباً كثيرة لكتاب عرب ومحليين، ولم يجد إشارة واحدة في مقدماتهم لمن عاونهم أو ساعدهم أو أشار لهم بمراجعات للكتب أو بتغيير جملة في بحوثهم بما فيها الأكاديمية، ما يعني أن التنافس بينهم على الوظيفة وليس على الإبداع، ما أبقاهم في برجهم العاجي وإن تغيّرت الوسيلة، كما قال.
الخازم: النزول للمنصات.. للترويج وحصد المتابعين
يفرّق الكاتب الدكتور محمد الخازم بين المفكر والمثقف والمعلق على الأحداث.
ويرى أن المفكر الحقيقي لن ينزل إلى مواقع التواصل سوى لغاية الاطلاع السريع، أو من باب ترويج مقالاته وكتبه. ويعزو نزول من يصنفون أنفسهم مفكرين أو مثقفين لساحات التواصل إلى خوفهم من نقص المتابعين، ما أحالهم إلى مجرد معلقين على الأحداث تغريهم شهوة زيادة المتابعين، وإن كانوا مجرد أعداد.
وعد وسائل التواصل آليات تفاعلية تكشف الباحثين عن متابعين يُلقون «صباح الخير» ويشاركون «لون القهوة». ويؤكد أنه استفاد من وسائل التواصل في ترويج أكبر لمقالاته ومؤلفاته والتواصل، إلا أنها لم تُغرِه بالنقاش والتناول الفكري الجوهري.
هناء حجازي: هناك من تعوّد على الإلقاء دون معرفة لمدى تقبله
تؤكد الروائية الدكتورة هناء حجازي تأثير منصات التواصل على كيفية استقبال المثقف لذاته، خصوصا المثقف الذي تعود على الإلقاء دون معرفة حقيقية لمدى تقبل الناس لما يقول، وتعوّد على تشكيل الوعي من خلال منابر تبث فقط.. «لا أعرف حقيقة إذا كان ذلك في صالح الثقافة أم لا، في ظل الوضع الجديد، كون هناك مثقفين عرفوا كيف يستفيدون من هذا التفاعل مع المتلقي لصالحهم بالاستجابة لما يريد المتلقي أن يسمع». وترى أن المثقف الحقيقي يراجع ما يقول بشكل صادق، اعتمادا على رؤية المراجعة المستمرة. وعدت مواقع التواصل مساعدة للمثقف التفاعلي بالتأكيد ولا تعمل ضده.
الغامدي: الفضاء المفتوح يفرض المراجعات
يقول الناشر محمد ربيع الغامدي، إن هناك من يصف عصرنا بعصر ما بعد الحداثة الذي تخلّق إثر سقوط الشموليات الكبرى، وعده عصر إتاحة منابر ومنصات جديدة لم تكن متاحة من قبل بذات الأريحية، التي أغرت المبدعين المنسيين بالتحلق حول تلك المنابر والمنصات، وغدا الاشتغال بالثقافة وعليها مشاعا لكل الجماهير، تمارس حقها دون استئذان ودون حاجة للاعتذار. ويرى أنه في ظل الفضاء المفتوح بدأت الأبراج العاجية تتفكك شيئا فشيئا، فأصبحت النخب على واقع جديد بمحاولاته ومراجعاته. واعتبره واقعاً يحل قيود النخبوية، ويخرج دفين ما وراء الأسوار، ويساوي بين تخلي مثقفي المنصات الذهبية عن أبراجهم وبين عدم تخليهم.
شحبي: وسيلة عصرية للتعبير عن هموم الناس
نفى الروائي إبراهيم شحبي أن يكون انشغال المثقف بهمه عن هموم الناس واختلاف ما يشغله عما يشغلهم، تعالياً منه أو أنه ينظر إليهم من برج عاجي. وعد مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة عصرية سمحت لكل الناس بالتعبير عن نفسها كونها بلا قيود وليس لها معايير، ومساحتها عالمية ويشارك فيها المثقف وغيره، ويرى أنها خدمت المثقف الراغب في الحضور بالتواصل المباشر مع جمهوره.
بوقري: المنصات كشفت المثقف والضحل والشللي النبيل !
يذهب الناقد أحمد بوقري، إلى أنه لم يعد هناك برج عاجي للمثقف منذ زمن، ويؤكد تهدُّم كل الأبراج العاجية للمثقف والأديب قبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي. ويرى أنه كان يحكى عن هذه الملاذات العاجية والمخملية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، بحكم الفجوة العميقة بين المثقف ومجتمعه، وعزاها إلى أزمة بنيت على سؤال «هل الأدب للأدب والفن للفن، أم الأدب والفن للحياة؟»، والذي تسبب في معارك أدبية عدة؛ منها المعركة المحتدمة التي دارت بين الدكتور طه حسين والناقد اللبناني رئيف خوري التي لم تنتهِ إلى شيء. ويؤكد أن طه حسين كان يعيش في برجه العاجي، ورئيف يعيش في كوخه الشعبي بين الناس. وعد بوقري المفهوم نسبياً في سياقه، فلم يبق طه حسين في برجه، ولم يلتزم رئيف بكوخه. ويذهب إلى أن فضيلة هذه المواقع الإلكترونية أنها كشفت المثقف، والضحل، والنرجسي، والشللي النبيل، فيما غدا الحكم على مستوى الأديب ونتاجه سريعاً ومباشراً من كل متابعيه في العالم، إثر هدم الحدود، وتشييد القرية الأدبية العالمية الواحدة التي لم تعد معها الفكرة حبيسة الصدور، ولا الأدراج، ولا الأبراج.
طالع: حُشروا في البروج لتعويض المشاعر الدفينة !
يعترف الشاعر إبراهيم طالع بأنه لم يسمع عن البروج العاجية ولم يعرفها، لأنه لا يضع نفسه ضمن دائرة هذا المصطلح (مثقف) وقال: «أعتقد ظنّيّا أن من يهربون نحو البروج المذكورة ليسوا سوى مرضى حُشِرُوا حشراً في بروجهم تلك لتعويض مشاعر دفينة يشعرون بها تجاه الحياة والفن والفكر التي تمثل جوهر الثقافة، أو حشروا أنفسهم بأنفسهم اعتقادا منهم أن من كتب شيئا أو قاله حُقّ له التربّع في موقع يلزمنا -نحن غير المثقفين- برفع أنظارنا إليه عالياً»، واعتبر إبراهيم طالع إشكالية تداخل المصطلحات والمفاهيم آفة البشر في كل مجال، كوننا لم ننجح في وضع حد لكل حادث من مصطلحاتنا بما فيها (المثقف)، ويرى أن الموصوف بالثقافة لا يستطيع أن «يتبَرْجَنَ» كون «التبرجن» هروبا بمحفوظاتهم البسيطة أمام مدّ الحياة ووسائل التواصل الاجتماعي، والتحول الحياتي المطلق للعصر الرقمي إلى الحد الذي لمْ يبقِ لنا فيه وقت حتى ننظر إلى أحدٍ كان «مُتَبرجِنا» أو ذهب مع غنمه إلى مرعاها، وحمّل الوسائل مسؤولية فقدان بعض الشخوص البشرية قيمة بإظهارهم عملا ما ينسب إلى الثقافة، وصار من كان نجما قطرة واحدة من المطر.
فاطمة إلياس: خياران أمام «العاجيين»
ترى الناقدة الدكتورة فاطمة إلياس، أن تأثير وسائط ومنصات التواصل الاجتماعي يختلف باختلاف نوع المثقف، إذ في الوقت الذي مثّلت نعمة للبعض، كانت وبالاً على المفتون ببرج عاجٍ بنته ثقته الزائدة في تفرده، وتميزه الفكري، وازدرائه العامة. وتذهب إلى أنه ليس أمام العاجيين غير خيارين؛ إما أن ينزلوا من برجهم العاجي ويتنازلوا عن طقوس الكتابة بالقلم ويبدأوا سكب أفكارهم للجميع عبر أنامل تتراقص على لوحة مفاتيح الكمبيوتر أو الهاتف، ويفتحوا نوافذ الحوار مع غيرهم، ويقبلوا الاختلاف، ليتبلور دورهم التنويري باعتبارهم مثقفين عضويين معاصرين ومواكبين للانفتاح التكنولوجي، وللتغيير البناء، أو يمعن في عزلته والانكفاء على قلمه وأوراقه والتمسك بأيديولوجياته البائدة المتمركزة حول «أنا» المثقف وقدسية رسالته للأمة، وامتلاكه المعرفة والحقيقة، ووصايته الفكرية على المجتمع؛ ما يجعل أدواته تصدأ، وتأثيره ينحسر بسبب القطيعة بينه وبين مجتمعه المنفتح على كل التيارات الفكرية، والأطياف الإبداعية، بمختلف مستوياتها.
وتحفظت إلياس على أن يفقد المثقف وهجه ومكانته بعدم احترامه الغير وتقصّد التناحر الفكري، والدخول في معارك حوارية خاسرة، والابتذال في نبذ المخالفين، وتفادي التماس مع مشاهير «التفاهة». وأكدت أن عليه الارتقاء بالفكر المجتمعي وإنقاذه من وحل «الرداءة» التي تسبب فيها المشاهير، فقد شاب مواقع التواصل الاجتماعي ما يؤكد «نخبوية» المثقف الإيجابية والمحققة لكينونته الفكرية والإبداعية، ورسالته الجماهيرية باعتباره ضمير الأمة. وتذهب إلى أن انخراط المثقف في فضاء التواصل الاجتماعي لا يعني قبوله بإسفاف بعض العوام الذين لوثوا ساحات النقاش بالسباب والشتام. وعدت حضوره الافتراضي تعزيزا لمكانته، ولا يفقده نخبويته كون «النخبوية» صفة لمنتج الوعي، والمدافع عن المثل الإنسانية، والصانع للقيم الأخلاقية بما يمتلكه من مخزون قرائي وفكري وفلسفي، ورؤية نافذة تجعله معبراً عن طموحات مجتمعه، وقادراً على استشراف مستقبل أمته، ومولّد خطاب ثقافي يحلل ويفسر التحولات المجتمعية في إطار التطور الحضاري والتكنولوجي.
محمد الغامدي: هناك تنافس على الوظيفة لا الإبداع
يشخص الكاتب محمد عبدالله الغامدي، أزمة «المثقف الافتراضي» بمحاباة الجمهور الافتراضي، ويرى أنه لو كان واقعياً لاختلفت التجربة وظهرت عيوب المثقف أمام هذا الجمهور. ويؤكد أن ابن صنعتك ينظر إليك من برج عاجي، بحكم مقولة «عدوك صاحب مهنتك»، وعدها إشكالية يصعب التخلص منها، ولو تغيّرت مواقع الكتابة، أو نوعية الجمهور؛ إذ إن العقدة مستمرة. ويرى أن بعض المثقفين العرب مصممون على ألا أحد قبلهم ولا أحد بعدهم، شاء من شاء وأبى من أبى. وكشف الغامدي أنه راجع كتباً كثيرة لكتاب عرب ومحليين، ولم يجد إشارة واحدة في مقدماتهم لمن عاونهم أو ساعدهم أو أشار لهم بمراجعات للكتب أو بتغيير جملة في بحوثهم بما فيها الأكاديمية، ما يعني أن التنافس بينهم على الوظيفة وليس على الإبداع، ما أبقاهم في برجهم العاجي وإن تغيّرت الوسيلة، كما قال.
الخازم: النزول للمنصات.. للترويج وحصد المتابعين
يفرّق الكاتب الدكتور محمد الخازم بين المفكر والمثقف والمعلق على الأحداث.
ويرى أن المفكر الحقيقي لن ينزل إلى مواقع التواصل سوى لغاية الاطلاع السريع، أو من باب ترويج مقالاته وكتبه. ويعزو نزول من يصنفون أنفسهم مفكرين أو مثقفين لساحات التواصل إلى خوفهم من نقص المتابعين، ما أحالهم إلى مجرد معلقين على الأحداث تغريهم شهوة زيادة المتابعين، وإن كانوا مجرد أعداد.
وعد وسائل التواصل آليات تفاعلية تكشف الباحثين عن متابعين يُلقون «صباح الخير» ويشاركون «لون القهوة». ويؤكد أنه استفاد من وسائل التواصل في ترويج أكبر لمقالاته ومؤلفاته والتواصل، إلا أنها لم تُغرِه بالنقاش والتناول الفكري الجوهري.
هناء حجازي: هناك من تعوّد على الإلقاء دون معرفة لمدى تقبله
تؤكد الروائية الدكتورة هناء حجازي تأثير منصات التواصل على كيفية استقبال المثقف لذاته، خصوصا المثقف الذي تعود على الإلقاء دون معرفة حقيقية لمدى تقبل الناس لما يقول، وتعوّد على تشكيل الوعي من خلال منابر تبث فقط.. «لا أعرف حقيقة إذا كان ذلك في صالح الثقافة أم لا، في ظل الوضع الجديد، كون هناك مثقفين عرفوا كيف يستفيدون من هذا التفاعل مع المتلقي لصالحهم بالاستجابة لما يريد المتلقي أن يسمع». وترى أن المثقف الحقيقي يراجع ما يقول بشكل صادق، اعتمادا على رؤية المراجعة المستمرة. وعدت مواقع التواصل مساعدة للمثقف التفاعلي بالتأكيد ولا تعمل ضده.
الغامدي: الفضاء المفتوح يفرض المراجعات
يقول الناشر محمد ربيع الغامدي، إن هناك من يصف عصرنا بعصر ما بعد الحداثة الذي تخلّق إثر سقوط الشموليات الكبرى، وعده عصر إتاحة منابر ومنصات جديدة لم تكن متاحة من قبل بذات الأريحية، التي أغرت المبدعين المنسيين بالتحلق حول تلك المنابر والمنصات، وغدا الاشتغال بالثقافة وعليها مشاعا لكل الجماهير، تمارس حقها دون استئذان ودون حاجة للاعتذار. ويرى أنه في ظل الفضاء المفتوح بدأت الأبراج العاجية تتفكك شيئا فشيئا، فأصبحت النخب على واقع جديد بمحاولاته ومراجعاته. واعتبره واقعاً يحل قيود النخبوية، ويخرج دفين ما وراء الأسوار، ويساوي بين تخلي مثقفي المنصات الذهبية عن أبراجهم وبين عدم تخليهم.
شحبي: وسيلة عصرية للتعبير عن هموم الناس
نفى الروائي إبراهيم شحبي أن يكون انشغال المثقف بهمه عن هموم الناس واختلاف ما يشغله عما يشغلهم، تعالياً منه أو أنه ينظر إليهم من برج عاجي. وعد مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة عصرية سمحت لكل الناس بالتعبير عن نفسها كونها بلا قيود وليس لها معايير، ومساحتها عالمية ويشارك فيها المثقف وغيره، ويرى أنها خدمت المثقف الراغب في الحضور بالتواصل المباشر مع جمهوره.