كتاب ومقالات

البطالة والجودة والصحة.. بحجر واحد

فهد إبراهيم الدغيثر

كلما ارتفعت مستويات الجودة في تقديم الخدمات العامة في أي مجتمع، ارتفعت الحاجة للوظائف والعكس صحيح، فانعدام الجودة يعني انتفاء الحاجة لتوظيف المؤهلين للإشراف عليها والاكتفاء بالأفراد الأقل مهارة. من هذا المنطلق نستطيع القول إن الرفع من مستوى الخدمات سيساهم تلقائياً بالإقلال من البطالة. لهذه الأسباب وغيرها تحدثت رؤية المملكة عن الحاجة لرفع مستوى جودة الحياة في المملكة.

الآن دعونا نستعرض بعض فروع قطاع الخدمات في المملكة العربية السعودية التي تتطلب كثافة في عدد الموظفين المؤهلين لكي تحافظ على جودتها. هذا القطاع (الخدمات)، للعلم، هو الأكثر كثافة في توفير فرص العمل في معظم دول العالم بعكس القطاع الصناعي أو الزراعي على سبيل المثال.

يعتبر قطاع التجزئة الأهم بين فروع الخدمات التي تخلق وظائف جديدة. غير أن هذا القطاع مع الأسف، لم يجد التنظيم والانضباط المطلوب حتى الآن. يكفي إلقاء نظرة على عشرات الآلاف من البقالات التي يمارس ملاكها السعوديون في السجل التجاري التستر من خلال اتفاقه مع عامل أجنبي غير قادر على توفير أدنى درجات التعقيم والنظافة والمحافظة على جودة السلع الغذائية التي يتم بيعها. هذا الوضع المتردي لا يوفر للسعوديين فرص عمل لائقة كما نعلم. إن لم أكن مخطئاً ما زالت هذه البقالات تشكل ما يقرب من 50% من إجمالي مبيعات قطاع التجزئة للمواد الغذائية. هذا يعني توفر فرص هائلة لدخول الشباب الجدد بعد فرض اللوائح التنظيمية الجديدة وخروج معظم هذه البقالات من السوق لفشلها أو لكشف تستر ملاكها وإغلاقها.

حتى في وسائل النقل وتحديداً نقل المواد الغذائية داخل المدن، لاحظوا كيف يتم نقل هذه المواد الغذائية المبردة من نقاط البيع بالجملة إلى هذه البقالات. العربة المستخدمة حالياً (وانيتات) متوسطة الحجم ومكشوفة للغبار ولهيب الشمس الحارقة والزحام. هذا مخالف بالطبع لكنه يمارس باستمرار حتى اليوم.

ما الذي سيحدث لو يتم وضع اللوائح والضوابط الصحية لهذه الأنشطة وتكثيف المراقبة عليها ومعاقبة من يخالفها؟ الأثر البديهي هو إغلاق معظمها لعدم قدرته على تلبية هذه اللوائح إما لمحدودية المساحة أو لعدم وجود الكفاءات البشرية المطلوبة لتلبيتها. هذا يعني دخول منشآت جديدة لائقة تملأ الفراغ وتوظف السعوديين بدلاً من العمالة الأجنبية. في موضوع النقل سنكتشف دخول شباب سعوديين قد يتملكون ناقلات متوسطة مبردة لملء الفراغ بعد منع الفوضى الحالية وتغطية الطلب على النقل المبرد داخل المدن. من يدري فقد يجتمع عدد محدود من هؤلاء لتأسيس شركة جديدة تهتم بنقل المواد الغذائية للبقالات الصغيرة ويتلقون الدعم من بعض المستثمرين بحيث يبقون ملاكاً لهذه الشركة الواعدة القابلة للنمو والتمدد.

سنكتشف بعد ذلك، وهذا مهم جداً، أننا بحاجة لأجهزة رقابية متطورة ومدربة تضمن تطبيق اللوائح الجديدة طوال العام وليس مجرد حملات مؤقتة، وتلغي تماماً وجود المخالفات التي نشاهدها اليوم. هذا يعني وجود منشآت رقابية جديدة في القطاع الخاص تتعاقد معها الجهات الرسمية لتقوم بمثل هذه المهام. نشاط رقابي كهذا قد لا يقتصر على ما ذكرته هنا بل يتسع ليغطي مراقبة نظافة الحدائق العامة والشقق المفروشة المهترئة والقهاوي المتسخة والمطاعم الشعبية الملوثة ومحطات البنزين ومخلفات البناء وسلامة الطرق من الحفر والمطبات ومهام أخرى كثيرة.

في المحصلة سنجد أرقاماً جديدة بالآلاف لسعوديين وسعوديات تمت إضافتهم لسوق العمل وسنكتشف تغيراً ملحوظاً في نوع الخدمات التي تناسب تطلعات المواطن والمقيم والزائر وترفع من مستويات جودة الحياة بشكل عام كما نتطلع جميعاً. بمعنى آخر، لو نفعل فنحن قد أصبنا عدداً من الطيور وليس عصفورين فقط بحجر واحد، فهل نفعل؟