كتاب ومقالات

دخلتُ وخرجتُ غريبة !

تهويم

منى العتيبي

زرت مؤخراً مدينة جدة التاريخية وتجولت بين بيوتها.. عبق التاريخ وذاكرة الأصالة.. وانشرح صدري عندما شاهدت في مدخل المدينة لوحةً إعلانيةً عريضةً لمشروع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ـحفظه الله- في إحياء وترميم مباني هذا التاريخ الشاهق الذي يحمل عناصر معمارية ثرية لتراث مدينة جدة، فقد بادر سموه بدعم المشروع من خلال ترميم 56 مبنى من المباني الآيلة للسقوط، بمبلغ 50 مليون ريال (مرحلة أولى).

وحيث إنني مؤمنة تماماً بأن هذا المشروع الجبار سيسهم في المحافظة على المكتسبات التاريخية والحضارية للمملكة، ويحافظ على ديمومة بقاء القيمة التاريخية والثقافية لمباني مدينة جدة التاريخية وإحيائها وتأهيلها، إذ إن جزءاً من هذه المباني/‏ البيوت يحمل معالم أثرية يزيد عمرها على 500 عام تعود ملكيتها لأسر من مدينة جدة، ولكن يبقى في النفس سؤالان: هل يكفي هذا المشروع للحفاظ على هوية تاريخ هذه المباني في جدة؟ وهل الترميم وحده كفيل بأن يحمي الهوية الثقافية لهذه المدينة التاريخية؟!

في الواقع لم أجد الإجابة القاطعة حتى زرت هذه المدينة التاريخية التي تشوقت مراراً وتكراراً لزيارتها، ولكن الوقت لم يسعفني والفرصة لم تدركني إلاّ بالأمس حين دخلتها بشوق لم يدم طويلاً.. فكنت منذ الخطوة الأولى كالغريبة.. كالزائر العابر! فلم أرَ كل ما رسمته لي مخيلتي من تاريخ.. كل الوجوه التي استقبلتني كانت «غريبة / ‏أجنبية» منفصلة تماماً عن تاريخ جدة وهوية جدة! كانت البيوت والمحلات التجارية والمقاهي هي جدة.. هي تاريخ جدة، ولكن الأشخاص جميعهم بلا استثناء من العمالة الوافدة!

لست ضد وجود هذه العمالة وفق الأنظمة والقوانين، ولكن من المفترض أن يشمل مشروع ترميم المدينة التاريخية بجدة إحياء هذه المحلات والشوارع بمشاريع وطنية يقودها الشباب السعودي، وأن تتاح لهم الفرص في تقديم المبادرات والمشاريع التجارية الخاصة بهم والسماح لهم بإدارتها وإقامتها في المدينة التاريخية كما يحدث ذلك في المولات والأماكن العامة؛ فاستثمار مساحات هذه المدينة التاريخية بجدة مع مشروع ترميم المباني سيعيد للمدينة التاريخية هويتها في الشكل والمضمون، وتتكامل بالتالي فيها صورة بناء الإنسان والمكان، خاصة أنه قد جاء في توجيه سمو ولي العهد أن يكون مشروع الترميم بسواعد وطنية من الشباب السعودي، وأن يأتي التنفيذ وفق تصميم التراث العمراني المميز لجدة التاريخية وعناصره المعمارية المتفردة.