أخبار

حرب إقصاء البديل هل فكر «حمشو» في الحكم؟

من الشرع إلى حبيب.. شخصيات أقلقت الأسد.. وانتهت

حمشو

عبدالله الغضوي (إسطنبول) GhadawiAbdullah@

«الولد سر أبيه، هذا الشبل من ذاك الأسد».. هي باختصار إستراتيجية حافظ الأسد ومن بعده بشار في التخلص من الخصوم أو حتى المنافسين على الحكم أو المشاركين فيه، ذلك أن الأسد الأب، جمع كل من حوله ليسوا كشركاء وإنما «ديكورات» تمثل مصالح مناطقية طائفية وأخرى شخصية، لكن الكل مرتبط بالأسد وليس غيره.

في صراع حافظ الأسد على السلطة بعد عام 1963، دبر الرجل عدة مكائد منها للصديق وأخرى للمنافس، واعتقل على فترات متباعدة كلا من صلاح جديد ونورالدين الأتاسي ومحمد عمران وعبدالكريم الجندي (رفاق اللجنة العسكرية)، لتخلو سورية له، وانتهت العملية التكتيكية في عام 1970 بذريعة تصحيح مسار سورية المضطرب.

ولأن وصفة الولد سر أبيه لا تزال حاضرة في ذهن الابن ومحيطه.. اعتمد بشارعلى ذات الطريقة؛ فبعد أحداث 2011 واندلاع الثورة السورية، اتبع مسارين؛ الأول: القضاء على الاحتجاجات الشعبية وإلهاء الأجهزة الأمنية والجيش بالمواجهة مع الشعب، والثاني إخفاء كل منافس محتمل صغيرا كان أم كبيرا.

كان الرجل الأول في دائرة الأسد هو نائبه فاروق الشرع؛ الشخصية السورية الرزينة التي تحظى باحترام دولي وداخلي، فالشرع منذ البداية لم يكن يوافق الأسد على الحل الأمني في التعامل مع الأزمة السورية، وليس سرا لكنه ليس متداولا على نطاق واسع أن الشرع وبشهادة شخصيات بارزة من هيئة التنسيق (أو ما يطلق عليها معارضة الداخل)، كان رافضا للطريقة التي يتعامل بها النظام مع الوضع في سورية. ويؤكد مصدر موثوق، أن الشرع كان مشروع شخصية معارضة وأطروحاته كانت قريبة من هيئة التنسيق وهي تجاهل الحل العسكري والعمل من الداخل لتغيير النظام.

بقي الشرع حاضرا فيزيائيا وإعلاميا في الحالة السورية حتى بدأت أطروحات بديل الأسد، وكانت مجملها تشير إلى شخص الشرع، لتكون حينها نهاية هذا الرجل سلميا واعتزاله في البيت بتوجيهات من بشار ليطوي صفحة أول منافس على الحكم.

وجاء الدور على وزير الدفاع السابق علي حبيب، إذ كان الشخصية الثانية التي وقعت في نيران الأسد، فبعد الجدل الذي دار بين حبيب من جهة والأسد وأخيه ماهر من جهة أخرى حول الطريقة التي تتم بها إدارة الأزمة، انتهى وزير الدفاع بإقالته من القصر الجمهوري والإقامة الجبرية غير المعلنة، حتى بيان نعي في مارس 2020 ليتخلص الأسد من الشخصية الثانية.

وعلى الرغم من مرور الحبيب مرور الكرام في الأزمة السورية، إلا أن الرجل كان الأكثر أهمية ممن سواه، فهو شخصية غير متورطة بالدم، فضلا عن كونه بديلا من الداخل، كانت له سمعة خليجية وإقليمية جيدة بسبب مشاركته في حرب الخليج الثانية باعتباره قائد القوات السورية في «عاصفة الصحراء»، ومعروف لدى الأوساط العسكرية والأمنية على المستوى الدولي، ولعل كل ما ذكر يعد مبررا ليكون في دائرة التهميش إلى أن انتهى ببيان الوفاة، ومرة أخرى ينجح الأسد في إزالة عثرة محتملة في طريق الحكم.

بين الشخصية السياسية (فاروق الشرع)، والعسكرية (علي حبيب)، تظهر شخصية اقتصادية من طراز آخر، وهو محمد حمشو، الاسم الأكثر شهرة في الأوساط السورية والاقتصادية والدمشقية، يعرف بأنه «حوت المال» والرجل الثابت في المعادلة السورية «المتحركة»، فلم يتعرض هذا الرجل لأية اهتزازات على مدار السنوات العشر الماضية، في الوقت الذي ذهبت فيه شخصيات اقتصادية كبيرة أدراج الرياح، فضلا عن علاقته وتمثيله في بعض الأحيان لمصالح الطبقة الحاكمة، فهو جزء من المنظومة الحاكمة في بعدها الاقتصادي، لكن ما جرى في انتخابات مجلس الشعب في اليومين الماضيين يستحق التوقف!؟

مصدر موثوق أكد أن حمشو لم ينسحب من الانتخابات، وإنما تم سحبه، بل تقول مصادر في دمشق إنه تعرض لمضايقات أمنية عبر إغلاق بعض مؤسساته، وهو تطور لافت في مصير الرجل، وما الرواية التي ساقتها أوساط إعلامية سورية حول دعم حمشو من قبل قائمة حزب البعث ما يعد تجاوزا قانونيا، إلا ترقيعات لإخفاء ما هو أكبر.

في سورية، الكل يعلم أن مجلس الشعب لا يمثل لحمشو سوى نوع من «البرستيج» ويمكن القول إن نفوذ الرجل في سورية أكبر من نفوذ المجلس كاملا، بسبب علاقاته المميزة مع القصر الجمهوري والكتلة المالية الضخمة التي ساندت النظام طوال الأزمة، لكن هناك ما وراء الأكمة!

مصادر مطلعة كشفت أن اتصالات خارجية جرت بين حمشو وبعض الدول، تم الكشف عنها بعد اعتقال المدير العام لشركة الاتصالات اللواء معن حسين، وبالفعل تمت الإطاحة بالعديد من الضباط والمتنفذين بعد اعتقال معن الذي يعد «الصندوق الأسود» لكل ما يجري في سورية.

ولفتت المصادر، إلى أن حمشو كان مطروحا في دوائر قرار عالمية ليكون جزءا من المرحلة الانتقالية في سورية، بعد أن أدركت القوى المعنية بالأزمة أن استمرارها مرتبط بوجود الأسد، وهذا بحد ذاته كفيل للإطاحة بالرجل.

ورجحت أن ما حدث له في الانتخابات البرلمانية ستكون له تداعيات قريبة، ولن تتوقف المسألة عند نقطة مجلس الشعب، وربما تذهب الأجهزة الأمنية إلى مضايقات أخرى وتهم جديدة يتم من خلالها تصفية مستقبل الرجل الذي طالما وقف إلى جانب النظام، بل كان جزءا من المنظومة.

من يعرف سورية وطبيعة تفكير النظام، يعلم أن كل شيء يمكن أن يُغتفر إلا التفكير بالحكم ومحاولة الدخول على خط السلطة، وما دون ذلك لا يستحق العقاب، فهل حاول حمشو اقتحام تلك الدائرة القاتلة، أغلب الظن أن المسألة كذلك!؟

إن القرار الكبير في القصر الجمهوري بعد الحرب ألا يكبر أحد على الإطلاق، فالكل يجب أن يكون تحت السيطرة، فالمرحلة في سورية الآن هي مرحلة البديل وسطوع نجم أي شخص قد يكونه ثمنه سقوط الأسد، لذا ثمة حرب إقصاء قادمة ولن تستثني أحدا، أما حمشو فقد دخل في دوامة عداوة النظام.. ولن يخرج منها سالما.. ولنا في رامي مخلوف عبرة كبيرة في مقصلة الأسد.!