أخبار

رقاة «البث المباشر» والسمّاعات!

الطب النفسي يدعوهم إلى الشجاعة في «لا أعلم»

يجيز أهل العلم الرقية إذا التُزِم فيها بالضوابط الشرعية.

علي فايع (أبها) alma3e@

امتنع رقاة شرعيون عن الرقية المباشرة، واتجه كثير منهم للرقية بالهاتف مراعاة لما يمر به العالم من ظرف الجائحة.

وفي المقابل يتحفظ عدد منهم على الفكرة بشكل كامل، وحاولت «عكاظ» التعرف على كواليس وخفايا المهنة في ظلّ الجائحة ويرى الراقي علي بن حضرم الذي لمع اسمه كثيرا في عالم الرقية الشرعية أنّ من حقه ابتداء الامتناع عن استقبال مرتادي عيادته في مركز العسران بسراة عبيدة، واكتفى برسالة عبر تطبيق «واتساب»، قال فيها «الرقية الآن عن بعد بالجوال، وبالمجان لمرضى الشلل والأورام ومصطحبي الأكسجين ومن كان في غيبوبة وحالات أخرى يتم تقييمها لاحقا، ومن يحتاج عليه المراسلة على «واتساب» ليتم تحديد موعد بين التاسعة صباحا ومنتصف النهار، ويكتب له العلاج». ويؤكد ابن حضرم أنه امتنع عن استقبال أي حالة إلا لأخذ العلاج أما ما سواها فالرقية بالجوال وبمقابل مالي، عدا بعض الحالات، لكنه لم يستبعد أن يكون هناك من يمارس الرقية بالطريقة التقليدية المباشرة.

وتتم الرقية بالجوال، على حد وصفه، عن طريق نظام صوتي ينقل التلاوة للمريض وينقل للراقي صوته وتأثره من خلال سماعات خارجية بعيدا عن الجوال، بأجر مقداره 150 ريالا لكل حالة، عدا تكلفة العلاج.

استخدام الطيب في العلاج!
يعالج ابن حضرم مرضاه بآيات من القرآن الكريم، وشيء من ماء زمزم، والزيت، وبعض العطور الطيبة التي أدخلها مع علاجاته. ويجيب ابن حضرم على سؤال عكاظ حول مشروعية التداوي بالرقية؟ فيقول "هو جائز شرعا وثابت في القرآن والسنة، ففي القرآن (وقيل من راق)، كما قال صلى الله عليه وسلم عن الجارية (استرقوا لها فإن بها النظرة). واتفق الفقهاء كما يقول ابن حضرم على جواز الرقية شريطة إتيانها بالطريقة الشرعية الخالية من الممارسات الشركية كالسحر والشعوذة ونحوهما. ويستشهد أهل العلم في هذا الحُكم بالآية الكريمة (ونُنزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا)، ومن السنّة النبوية الشريفة يستشهدون بما ورد في صحيح مسلم عن عوف بن مالك قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى ذلك؟ فقال: (اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك)، فالرقية جائزة إذا التُزِم فيها بالضوابط الشرعية، وإذا خلَت من الممارسات الشركية. ويضيف ابن حضرم أنّ الرقية شرعت لأهداف كثيرة، فهي علاج للأمراض المعنوية كالحزن والكرب والاكتئاب، وهي دواء للأمراض العضوية، خاصة تلك التي تكون أسبابها وعوارضها نفسية، وهي أيضا وقاية ضد السحر والمس والحسد وما شابه ذلك من الآفات التي لا تعد ولا تحصى.


التوسع في الحديث مع النساء بالهاتف.. تجاوز يؤكد الراقي ابن حضرم جواز تقاضيه أجراً على الرقية، ويقول «هذا أمر جائز بالدليل (إنَّ أحَقَّ ما أخَذْتُمْ عليه أجْرًا كِتَابُ اللَّهِ)، كما قال الشيخ ابن باز، رحمه الله، و«للراقي حق مقابل انحباسه للناس»، «ولو يعلم الناس ما يمر بالراقي من تحمله استقبال الناس وأذاهم مثل الاستفراغ في العيادة، والهجوم على الراقي أثناء قراءته؛ لعلم العاقل ما هي الحكمة من جواز أخذ الأجرة على الرقية، ولو لم يسمح الشرع بأخذ الأجرة لما استمر أي راق على ما يلقاه من أذى». وينفي ابن حضرم أن يكون هناك موسم معين للرقية، لأنّ كلّ السنة مواسم، فالمرض لا يعرف زمنا محددا. ولا ينفي ابن حضرم وقوع بعض التجاوزات من بعض من يدّعون أنهم رقاة عند رقيتهم للنساء، ويقول «قد تحدث بعض التجاوزات من قبل البعض عند رقية النساء متى كانت المرأة دون محرم وغير محتشمة، أو إذا ما تم التوسع في الحديث معها في الهاتف». ومع استحباب رقية المسلم لنفسه وأهله، إلا أن ابن حضرم يقول: «الشخص الممسوس لا يستطيع أن يرقي نفسه، فالمصاب ينثني لسانه فلا يستطيع القراءة على نفسه، ويجب هنا التدخل، وأن يقرأ الراقي عليه، ومجتمعنا لا يزال في حاجة إلى رقاة كُثر، لأن العين والمس في ازدياد كبير، وأغلب أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- مصابون بالحسد، والنظرة، والمس، وكل منا «عيّان»، أي عنده عين من حسد تختلف قوتها وتأثيرها من شخص إلى آخر، فإن رأيت ما يعجبك فقل (تبارك الله)». ويستعيد ابن حضرم بعض المواقف التي تعرض لها والمشكلات، ومنها اعتداء ممسوس عليه كان يحمل في جيبه أداة حادة، وآخر مسحور كان معه مسدس، لكن الله أنجاه، ويضيف أنه يتعرض لاعتداء عليه وعلى عائلته وبيته.



لا مانع من توظيف التقنية في الرقية المحامي والموثق علي بن ظافر آل سلطان أشار إلى أن بعض الناس يعانون من الأمراض النفسية والجسدية ولا يجدون العلاج، وتجتاحهم الوساوس ويصيبهم الهلع والهمّ، وتتردى حالتهم النفسية، وتذهب تصرفاتهم إلى ما يخالف المعتاد، ومن هنا يرون أن في الرقية مبتغاهم، وأنها وسيلة من وسائل العلاج والحصول على العافية. ويضيف أن الرقية الشرعية أقرّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في قصة نفر من الصحابة، حيث أمر بأن يضرب له سهماً مما حازه الوفد هدية على رُقيتهم لأحد الناس، وقد تحقق له الشفاء عندما قُرئتْ عليه سورة الفاتحة، والقرآن الكريم كلّه شفاء للقلوب من أمراض الجهل والشك والريب، وهو هدى ورحمة للمؤمنين. ويرى آل سلطان أنه لا بد من مواكبة ما يشهده العالم وما سيشهده مستقبلاً من اعتماد على التقنية، وقال «لا أرى مانعا على الإطلاق من أن توظف التقنية في الرقية، وذلك بأن يتعين الراقي بالمشاهدة والمرقي كذلك، وتتم الرقية من خلال التقنيات الحديثة التي توفّر السماع والمشاهدة وملاحظة التغيرات على وجه المريض وجسمه، ويُقرأ عليه ما يناسب حاله، وهذا قد يحقق المقصود، وقد يكون فيه تيسير على الناس المحتاجة». ويلفت آل سلطان إلى أن التقنية وظفت فيما هو أهم، والرقية عن بُعد مثلها مثل التقاضي عن بعد، وكذلك فإن عقود النكاح في طريقها إلى اعتماد ذلك، وهذا أمر ممكن وطيب ويحقق المقصود ويحفظ كرامة المرضى وخصوصيتهم، وقال «لا بُدّ من قبول التطور وعدم التخوف مما لا يُخاف منه، واستخدام التقنية في الرقية يحقق مصلحة المريض، والقناعة لديه أمر مهم، فهي قناعة بأثر القرآن، وصلاح الراقي، ووسيلة الرقية».

حالات تعارض الطب النفسي مع الرقاة يؤكد أخصائي الطب النفسي في وزارة الصحة الدكتور بركات ممدوح محمد، أن من أهم صفات الراقي الشرعي «الأمانة والتمكن من العلوم الشرعية وكذلك الاتصال بالواقع ومجاراة التطور المستمر في المجتمعات وشجاعة قول (لا أعلم) واحترام التخصص. ويرى أن الطب النفسي يتعارض مع الرقية الشرعية في حالات بعينها، ويقول «يتعارض الطب النفسي مع الرقية الشرعية حين يتم التدخل في التشخيص أو إنكار العلاجات الطبية أو الادعاء بأن الرقية الشرعية تكفي لعلاج الاضطرابات النفسية المختلفة، التي لا يعلم كثير من الناس أنها أكثر من 300 اضطراب نفسي، حسب التصنيف الإحصائي العالمي للتشخيصات»، لكنه يرى كذلك أن هناك عوامل مشتركة بين الرقية الشرعية والطب النفسي كجزء من العلاج يناسب بعض الناس وبعض الاضطرابات، حيث يحتاج المريض إلى علاج متكامل يشمل الدواء والعلاج النفسي بالجلسات النفسية بالكلام، وتعديل نمط الحياة، والنظام الغذائي الصحي، مستبعداً فرضية أن يلجأ الأطباء النفسيون إلى الرقاة حيث يساعد الطبيب المعالج مريضه في أن يهتم بنفسه ويطور مهاراته، ولو احتاج للرقية يمكنه أن يرقي نفسه ويهتم بالأذكار والدعاء مع الأخذ بالأسباب في المحافظة على العلاج، ويلفت الدكتور بركات إلى أنه كثيراً ما يحوّل الرقاة الذين هم على علم حقيقي وثقافة واسعة حالات بعينها إلى العيادة النفسية، مستشهداً بأن أحد كبار الرقاة كان يتردد على عيادته لطلب العلاج من الاكتئاب باستعمال الأدوية المناسبة لذلك، «في الآونة الأخيرة ظهرت بعض الوسائل الحديثة وازدادت في الانتشار والتأثير عن بعد مثل الطب الاتصالي والرقية الشرعية عن بعد، ولتحقيق نجاح وتأثير لهذه الوسائل يحتاج الأمر إلى تهيئة المتلقي، وإلى تركيز أعلى من مقدم الخدمة، ووقت أكبر لتفاصيل الحالة وإعادة المعلومات وتلخيصها للتأكد من الفهم الصحيح». وحول الكيفية التي يمكن للمريض أن يميز من خلالها حاجته إلى الرقية الشرعية، أو إلى زيارة الطبيب النفسي، قال الدكتور بركات «في حال وجود أعراض نفسية أو جسدية فعلى المريض الذهاب لأهل الاختصاص من الأطباء، ولا يمنع ذلك من التحصن بالأذكار والدعاء وقراءة الرقية الشرعية أو طلبها من أحد الصالحين أو الرقاة، حيث إنه يجمع العوامل المساعدة على العلاج المتكامل».