كتاب ومقالات

الغرب والقنابل الموقوتة

فهد إبراهيم الدغيثر

ما شاهدناه في العقود الخمسة الأخيرة من تدفق المهاجرين إلى مجتمعات الأنظمة «الديموقراطية» في الغرب مذهل وأصبح عبئاً ثقيلاً على تلك الدول. الملايين من جميع الدول الفقيرة سُمح لهم بالاستيطان وممارسة الحقوق الدستورية هناك دون أي ضوابط أو مراقبة. استقبال المهاجرين أو عدم إعادتهم للبلاد التي هاجروا منها ينطوي تحت مبادئ «حقوق الإنسان»، فهل أصبح مفهوم حقوق الإنسان سلاحاً ذا حدين؟ ظاهره الرحمة ومساعدة التعساء من جهة وباطنه مع الزمن خلل هائل في التركيبة السكانية قد لا تحمد عقباه.

بعد مقتل «جورج فلويد» قبل بضعة أشهر انقلبت ديموقراطية الولايات المتحدة إلى جحيم. خرج الآلاف ممن يشعرون بالمظلومية ومعظم هؤلاء من ذوي الأصول الأفريقية ومعهم آلاف المهاجرين من دول أخرى، خرجوا للشوارع والميادين وأحدثوا دماراً لا يوصف في مدن رئيسية وممتلكات قائمة. اعتداءات يومية على المارة وجرائم قتل، كل ذلك باسم وتحت مظلة حرية التعبير. نداءات بإلغاء أجهزة الأمن «البوليس»، استيطان مراكز داخل المدن وعزلها وإعطائها مسميات جديدة.

استغلوا «حرية الرأي» من طرف واحد لإزالة تماثيل لرموز البلاد ممن أسسها ودافع عنها في حربين عالميتين دون أن يتحرك أحد لمنع هذا الطيش. يريدون بعبارة أخرى إعادة كتابة الدستور الأمريكي دون أن يعلنوا عن المواد الجديدة. الحزب الديموقراطي ولأسباب سياسية مناوئة لمنافسيهم من الجمهوريين في هذا العام الانتخابي وليس لأسباب وطنية، لاذوا بالصمت بل واعترضوا سابقاً على تقنين الهجرة وبناء السور على حدود المكسيك. مجاميع من منظمة تدعى أنتيفا انضموا لهذه الأعمال، وهم من الأمريكان البيض ولكن تقودهم غرائز يسارية اشتراكية. الهجرة هناك كما نعلم لم تعد للنخب العلمية المتفوقة بل أصبحت تسللاً غير شرعي من مجتمعات فقيرة جداً طلباً للرزق.

ما تناولناه عن الولايات المتحدة، موجود وبنسب متفاوتة في دول أوروبا الغربية. خرج الآلاف من المتظاهرين المهاجرين باسم الحرية في عدة عواصم أوروبية تزامناً مع حادثة فلويد ودمروا ما يمكنهم تدميره من مؤسسات وممتلكات. يراهم بعض المحللين الإستراتيجيين هناك قنابل موقوتة لا يعلم أحد متى ستنفجر.

كيف ستصبح التركيبة السكانية في أوروبا والولايات المتحدة بعد نصف قرن؟ الأرقام لا تبشر مواطني تلك الدول الأصليين بخير. يكفي الاطلاع على عدد الجرائم الجنائية وتهريب المخدرات التي يقوم بها أفراد من أمريكا الوسطى والجنوبية ممن لا يتمتعون أصلاً بإقامة نظامية في الولايات المتحدة، لنشاهد حجم المأساة. صحيح أن الولايات المتحدة هي في الأصل بلاد المهاجرين، غير أن حديثنا هنا عن الهجرة غير الشرعية.

في الدول التي يصنفها الغرب بأنها دول نامية لا تتمتع بسجلات نظيفة في موضوع «حقوق الإنسان» كما يزعمون، لا توجد فوضى كهذه في موضوع التعامل مع المهاجرين بالرغم من تواجد الملايين من الأجانب لكن بطرق نظامية منضبطة ومراقبة صارمة.

لعلنا نعود لهذا الموضوع بعد الهدوء المنتظر هناك ونعيد قراءة المشهد. الواضح أن الحرية بلا ضوابط ودون وجود خطوط حمراء وقبول المهاجرين بالملايين من مستويات وأعراق وديانات مختلفة ليست حرية ولا هي حقوق إنسان بل خليط من الفوضى والإرهاب ينفجر من وقت لآخر ويدمر كل ما تم بناؤه في عشرات السنين. حتماً ديموقراطية وحقوق إنسان ومواد دستورية كهذه لا نريدها على الإطلاق في بلادنا. بل لا أظن أن شعوب تلك الدول «المتقدمة» قادرة على التعايش مع استمرار مثل هذا الانفلات الأمني والأخلاقي المكلف اقتصادياً وسياسياً مهما كانت مسمياته أو مبرراته.