«طبيب الغلابة».. باع الـ«5 عين» ولم يربح المليون !
الأربعاء / 08 / ذو الحجة / 1441 هـ الأربعاء 29 يوليو 2020 21:09
طاهر الحصري (النشر الإلكتروني) taher_ibrahim0@
جاءته الدنيا مرتين وهي راغمة، فأبى في عزة المتعفف، وزهد الناسك، الأولى حينما اختار عن طيب خاطر السير عكس الاتجاه، ومخالفة الهوى المتبع، وأمنيات أقرانه الأطباء المصريين في الـ5 عين (عيادة، عروسة، عربية، عزبة، عمارة)، مروضا طموحاته في خدمة الطبقات المطحونة والمهمشة.
والثانية عندما رفض في دهشة وذهول وأمام العالم شيكا بمليون جنيه وعرضا لتجديد عيادته، من برنامج «قلبي اطمأن»، ليطمئن العالم أنه لا يزال هناك أناس -وإن كانوا يستحقون- لا تغريهم حفن المال، ولا يسيل لعابهم وراء شهرة زائفة أو حكمة مصطنعة.
كان يردد أن «كل إنسان مهيأ لما خلق له»، فطبق القاعدة على نفسه ولزمها على مدى نصف قرن بالتطوع في العمل والعمر حتى آخر الطريق، فكان له ما أراد.
تسبب انتحار طفل مصاب بالسكر ليوفر لإخوته ثمن طعام العشاء في تغيير مجرى حياته، فلم تزد تسعيرة الكشف لديه عن 10 جنيهات (2.5 ريال)، لتكتظ عيادته الشعبية في مدينة طنطا بأوجاع آلاف المعذبين الذين أدارت لهم الحياة وجهها، ولم يجدوا إلا المقاعد القديمة لعيادة الدكتور محمد مشالي ليلقوا بأجسادهم المتعبة عليها، قاصين حكايات لا تنتهي عن بصيص رحمة يطل بوجهه في الزمن الصعب.
بر بقسمه طوال 50 عاما في التفرغ لعلاج الفقراء، ومن لا يملكون ثمن العلاج، فاستحق بجدارة أن يكون «طبيب الغلابة»، رغم عدم تسليط الضوء عليه إعلاميا إلا أخيرا.
اختار تجارة من نوع آخر، شعارها «ما عندكم ينفد وما عند الله باق»، فلم يشغله التربح من معاناة البسطاء، أو حسابات ومعادلات الثروة وأرصدة البنوك، حتى عند تكريمه، لم يتأنق كعادة المكرمين في ليالي الاحتفال، منحازا في ملابسه القديمة للفئة التي أفنى حياته من أجلها، كأنه يبعث برسالة مفادها «أنا منكم وأنتم مني»، حتى وأنا على منصات التتويج، التي يلهث وراءها عشرات الملايين.
امتهن مساعدة البشر، فتسلل حبه لقلوب البشر، وكرّمه رب البشر، على لسان قادة وحكام، في مقدمتهم حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، ليسدل الستار على مسيرة عطاء انتظرت جزاءها من رب العباد. «طبيب الغلابة» الدكتور محمد مشالي.. وداعاً.