صيف بلا شقق

صيف بلا شقق

كتابة وتصوير: حسين الحجاجي

مسافات ربما كانت قريبة أوبعيدة يقدم بعضهم يحمل إجازة وأطفالا وأسرة.
يسير بهم سائقا أويطير بهم نحوالاسترخاء أوالاستجمام
يصل بهم وهم يحدقون به ويلتئمون حوله:
أبي أين نسكن بعد كل هذا التعب؟
ربما كان الوقت متأخرا وربما كان باكرا لكن السؤال قائم: أبي... أين نسكن؟
أريد أن نكون قريبين من البحر
من الضباب.. من مدن الألعاب
هنا يا أبي؟ المكان جميل؟
لا هنا أجمل؟ أوه تعبنا من التجوال؟
ألا نتوقف؟
تلك هي المعاناة التي يواجهها القادم إلى الاماكن السياحية
هنا في جدة يظل الكثير من القادمين يطوف بشوارعها في منتصف الليالي أو في أي وقت يصلون فيه بحثا عن مأوى عن شقة؟
يجوبون الطريق تلوالطريق لعلهم يجدون مكانا يستريحون فيه من تعب المسافة أيا كانت برية أوجوية؟
دعونا نحمل خيامنا
تماما مثلما صادفت أحدهم على مشارف الفجر وهو يقبع مع أطفاله وأسرته في أحد الشوارع الفرعية عندما نال منهم التعب لدرجة النوم داخل سيارتهم ونوم الأب خلف مقود السيارة:
ماذا أفعل وكيف أتصرف لا أعرف أحدا هنا وإلا لجأت إليه أنا قادم من الدمام وقد وصلت في حدود الساعة الحادية عشرة ليلا.. وكنت أطوي المسافة معشما أطفالي بالوصول الهادئ لدرجة أنني وضعت برنامجا للاستيقاظ المبكر والذهاب مباشرة الى البحر.
وصول مبرمج كما نخطط... الحصول على السكن ثم النوم مبكرا للاستيقاظ المبكر..
صدقني كما قال محمد ابراهيم المرحبي – تخلصت من كل الالتزامات التي كنت أرضخ لها كل عام فأنا أصلا من الجنوب وفي كل عام يقدم إلي الأهل والاقارب من أجل قضاء إجازاتهم لدي في الشرقية هذا العام قررت أن تكون الاجازة لي ولأطفالي ولهذا شددت الرحال ولم أتوقف في الطريق إلا من أجل تعبئة البنزين فقط حتى الأكل والشرب نتناوله ونحن نسير كل هذا من أجل الوصول الى هنا بأسرع ما يمكن لكن فوجئت بهذا الوضع العجيب..
مررت على أغلب الشقق المفروشة ولم أعثر على مكان فيها.. لم أترك شارعا وكنت أسأل في كل مرة عن أي موقع لهذه الشقق لم أعد أتشرط مثلما كنت أخطط أصبحت أريد مكانا فقط أرتاح فيه أنا وأطفالي؟
للاسف عندما وجدت شقة،، وكانت الشقة الوحيدة الخالية أبلغني عامل الشقق أن دورة المياه فيها عطلانة وتحتاج الى صيانة والرائحة في تلك الشقة لا تطاق ومن غير المعقول أن آوي اليها في ذلك الوضع لهذا قررت التوقف هنا والنوم داخل السيارة ريثما يحلها الله تعالى وإن وجدت الامور صعبة فسوف أواصل سيري باتجاه الجنوب والله المستعان
ويقترح المرحبي قائلا: طالما هذا هوالوضع فلماذا لا تترك مساحات بجوار البحر مثلا يسمح فيها للناس بالتخييم؟
بمعنى أن يحمل القادم معه خيمة ثم يقوم بنصبها في تلك الاماكن المخصصة للقادمين الى جدة؟
ممكن جدا أن يتم تسوير أحد تلك الاماكن ويتم توفير المياه فيها ودورات المياه من قبل البلدية تكون مكانا لمن لم يعثر على مكان هل هذه صعبة أذا كان الهدف فعلا هوتشجيع السياحة؟؟
وجدتها أخيرا
وبعد تحركات نصف يوم كما يقول الشاب: (علي حمد الحبابي القحطاني) تمكنت وأسرتي التي قدمت معي من الحصول على شقة المشكلة كما يرويها: المشكلة لدى القادمين بالطيران مثلنا أننا نضطر للتجول بسيارة الأجرة وهذا عبء يضاف على عبء ولهذا وجدت من الأصوب أن أقوم باستئجار سيارة تمكنني من التحرك في عملية البحث هذه بصورة أفضل المهم أنه بعد أثنتي عشرة ساعة وفقت في الوصول لهذا المكان والذي صادف أن كان المستأجر قد قرر الرحيل عنه ساعة وصولنا..
وأنا أعرف هذه الصعوبة مقدما وكنت أعلم أنني وأسرتي سنواجه هذا الموقف لكن لم يكن أمامنا من خيار فنحن لم نأت من أبها لغرض السياحة بقدر ما ان لدينا مريض يعالج في احد المستشفيات؟ ولو كان الوضع يقتصر على السياحة لما جئت في مثل هذا التوقيت لكن حمد لله أنني وجدتها أخيرا
لا شقة ولا سيارة
وكان محمد عوض محمد الاسمري للتو خارجا من إحدى الشقق عندما أشار له عامل الشقق بعدم وجود مكان يقول:
جئت بالفعل من أبها لغرض التسجيل في الجامعة وقد ذهبت من المطار مباشرة الى مقر الجامعة حاولت أن أنهي موضوعي اليوم لكن صار من الضروري بقائي الى يوم الغد
الآن كما ترى أبحث عن مكان أرتاح فيه وللتو بدأت عملية البحث هذه بحيث لم يمض علي سوى ساعتين وأنا أقف عند كل مبنى لهذه الشقق.
كنت أفكر في أسعارها لكنني الان لم أعد أفكر في ذلك أريد مكانا فقط وبأي سعر المسألة لم تعد تحتمل عملية النزول والعودة من جديد بلا شيء؟
كل الأماكن التي مررت بها خلال الساعتين محجوزة ولا أدري ماذا أفعل سوى أنني سأعاود البحث في شوارع جدة ريثما أوفق؟
سعيد سالم الحربي والقادم من الطائف تدخل بما يوحي بالاحباط عندما قال: يا رجل أنا قادم من الطائف تعطلت سيارتي على مشارف مكة، واضطررت الى نقلها معي محمولة الى هنا تركتها بعد ذلك عند أحدى الورش. والتي تكرم علي صاحبها بنقلي بسيارته لكي أجد شقة أستأجرها لأخي القادم غدا هو وأسرته من الخارج.
بحثت أنا وصاحب الورشة عند كل من يعرفهم الجميع اعتذر، ولم يقصر الرجل وبحثنا عند غيرهم أخيرا أجبرت على أن أطلب منه تركي في هذا المكان خجلا لأنني عطلته عن عمله بالفعل صاحب الورشة غادر وبقيت جالسا بجوار هذا المكان لعل أحدا يغادر..
لقد تعبت وأصابني اليأس ولسوف أحاول حتى آذان العصر إن لم أجد فليس أمامي سوى الاتصال بأخي وإبلاغه بأنني سأبحث له عن غرفة في أحد الفنادق هذا إذا وجدت مكانا له هناك.. المعضلة الأكبر أنني نسيت بطاقة الصراف في سيارتي وقد ضيعت مكان الورشة التي بها سيارتي؟
لم أطلب من صاحب الورشة عنوانا أو حتى محاولة أن أعرف كيف أعود لسيارتي وليس أمامي سوى أن يتصل بي صاحب الورشة هاتفيا فقد أعطيته رقم جوالي؟ ولا أمل لي إلا أن يأتي هذا الاتصال من صاحب الورشة؟ أتمنى أن يتصل فقد قال لي أنه سيحاول ذلك لكي يعرف ماذا فعلت؟
الحجز يسقط التفاوض
ويروي الرجل الوقور والمرح محمد احمد الشديدي قصة المشقة التي واجهها كقادم بالجو برفقة الأولاد قائلا: لا أخفيك أنني قضيت ما يقارب الاربع والعشرين ساعة من البحث لدرجة أشفقت فيها على أسرتي.
لم أوفق خلالها في الحصول على مكان،، كان هذا في إجازات سابقة لكن بفضل الله تحاشيت كل هذا في قدومي الحالي فقد كلفت أحد أقاربي بالحجز لي مبكرا ووفق في ذلك لكن عندما تقوم بهذا الحجز فانك تسقط حقك في المفاوضة على السعر وخصوصا أن أسعار هذه الشقق غير محددة بصورة رسمية
كما أنك تجبر على دفع إلايجار للساعات التي تسبق قدومك فأنا مثلا لم أجلس سوى ست ساعات عند قدومي وحسبت على يوم كامل!
يتدخل حسن عمار عسيري قائلا: هذه من أهم المشاكل التي يواجهها القادم بكل ألم،، فإن وفقك الله وحصلت على شقة فانك تضطر للسكن بها وبالسعر الذي يحدده عامل الشقق..
لا يمكن أن تفاوضه ولو في ريال واحد أمام أزمة الحصول على شقة؟
ويمكنك أن تلاحظ فرق السعر من عام إلى آخر ففي العام الماضي كنت أحصل على شقة بـ(200) ريال الان صارت بـ(400) ريال دونما يوجد مبرر لهذا التجاوز الصعب
طاهر محمد الجهني -القادم من المدينة المنورة كان في تلك الظهيرة منشغلا بإنزال (العفش) من سيارته.
كان منهمكا جدا لدرجة انه تحدث معي ولم يتوقف قائلا::
تعلمت الدرس من الاعوام السابقة،، وعشت ما يعانيه البعض الآن لهذا لم أتحرك من المدينة المنورة إلا بعدما تأكدت من حجز الشقة في هذا المكان.
لقد تعرفت على أحد عمال الشقق هنا وأصبح يحجز لي الشقة بمجرد أن أتصل به
وطبعا هذا لا يسمح لي بأن أبحث معه عن السعر أوالاجرة اليومية للشقة لأنني حجزتها مقدما لكن هذا أفضل من (اللف والدوران) ومشقة البحث وخصوصا أنني قادم بالبر.
ودعني أقول فكرة جديرة بالأخذ بها من قبل الهيئة العليا للسياحة وهي أن تخصص مكتبا للاستعلام الهاتفي مثلا يمكن الناس من الاتصال به لكي يحدد لهم الأماكن الشاغرة في جدة أوأبها أوأي مكان للسياحة يود الناس الذهاب إليه بمعني ان يكون هذا المكتب متصلا بالشبكة الاليكترونية أوالانترنت مع أجهزة الشقق والفنادق بحيث تتاح للمكتب معرفة نسبة الاماكن الشاغرة من عدمها وبالتالي يقدم نصيحة للموعد المناسب لمن يتصل به في القدوم؟
أعتقد ان هذا يساهم إلى حد كبير في التخفيف عن الناس ويساهم كذلك في الارباك المروري الممكن أن يحدث في الطرقات بسبب التجول من قبل القادمين في البحث عن شقة.
نزيل المقهى
ويحلف (عبيد صالح النشمي) أنه أجبر لأول مرة في حياته على الدخول الى (مقهى) نتيجة للموقف المحرج الذي وقع فيه قائلا: لولا أنني قدرت ظرفه وإلا والله كنت أريد أن أصب جام غضبي والتعب والموقف المحرج الذي عايشته انتقاما من ولد خالتي (ياسين). فقد كان يلح علي منذ شهر بأن أزوره هنا في جدة، وظل يلح ويلح حتى قررت المجيء.. وقد أبلغته بساعة قدومي من تبوك؟ وبعد جهد جهيد تحصلت على حجز وقدمت على أمل الالتقاء به في المطار.
هي تلك اللحظات التي أقفلت فيها الجوال عند صعودي للطائرة لكي أصل على هنا وأتفاجأ عند فتح الجوال برسالة يذكر لي فيها بأنه أضطر الى الذهاب لوالدته في بالجرشي لظرف طارئ وأنه ترك لي مفتاح البيت في مكان محدد؟
اتصلت بالوالدة وأكدت لي أن خالتي تعرضت لوعكة طارئة وأن ابن خالتي قد سافر متوجها اليها بعدما اتصلوا به؟
طيب الان كيف أصل إلى الشقة وأنا لا أعرف جدة اصلا؟
جواله مقفل منذ أكثر من سبع ساعات؟ ولا أحد يستطيع أن يدلني على موقع سكنه سواه؟
فهوطالب يدرس هنا ويقطن في مكان مخصص للعزاب أين هذا المكان لا أدري حتى لوأعطيت عنوان الحي فأين أبحث في هذا الحي؟
أنا أترقب أن يفتح جواله لكي أعرف كيف أتصرف؟ في ظل حالة اليأس التي عشتها من الحصول على شقة مفروشة!