كتاب ومقالات

ماذا تحاول أن تقول؟

أريج الجهني

هل تشعر في بعض الأحيان أن لا أحد يفهمك؟ أو تشعر بأن الأحرف تتعثر على شفتيك؟ أو تخذلك يداك في كتابة جملتك الإلكترونية؟ وتصطدم بعقل آخر عالق بنمط تقني معين فيبدأ بالرد عليك بنبرة تكاد ترى العصي والعصب من وراء أسطرها؟ أعتقد أننا جميعاً نعلق وبشكل شبه يومي في «الأخطاء الاتصالية» سواء بين محيطنا العملي أو الاجتماعي والأسوأ محيطنا العاطفي الذي عادة ما تطاله المناوشات التقنية، قبل أن أطرح حلولاً أتوقع أن تكون جيدة أو عملية في هذه المواقف، دعني أخبرك أن هناك دراسة أجريت في عام 2014 على 400 شركة بين أمريكا وبريطانيا وتضم 100 ألف موظف قدرت خسائرها بـ63 مليون دولار أمريكي سنوياً في المتوسط بسبب الأخطاء الاتصالية أو كما أسموها (خسائر الإيميلات)، حيث يغضب العديد من الموظفين من الرسائل والنبرة التي يتم التواصل معهم من خلالها فيتم اتخاذ قرارات تجعل الشركات تخسر هذه الطاقات، لهذا اتجهت العديد من الشركات العالمية لوضع متخصصين لمراجعة ورصد هذه الأخطاء.

لنطرح الآن حزمة من هذه الأخطاء الاتصالية فهناك مثلاً: خطأ «التذبذب» في الرسائل والتفاوت بين الثناء الشديد أو النقد الحاد، خطأ «المبالغة» كأن يتم تضخيم خطأ الموظف أو حجم المشكلة بشكل فج، خطأ «عدم التعاطف» يخطئ الكثير في التواصل الرسمي باللغة الجافة، خطأ «المهاجمة» كأن يبادر المرسل بالاتهامات بشكل شخصي، أخيراً خطأ «الصمت» وانقطاع التغذية الراجعة بين الفريق.

لمعالجة هذه الأخطاء الخمسة الأساسية في الاتصال، سنبدأ بخطأ التذبذب فبدلاً من أن تكون عرضة للحالة المزاجية فالحل: أن تقوم بجدولة الإيميلات والاتصالات وأن تتجنب التعامل بمشاعرك الشخصية قدر المستطاع بمعنى احتفظ بمشاعرك لنفسك في مكان العمل، خطأ «المبالغة» الحل لهذه المعضلة هو أن تصالح مع فكرة أن المبالغة جزء من ثقافتنا الاجتماعية التي لا ينبغي أن تكون حاضرة في بيئة العمل، فالإيميل ليس قصيدة أو نكتة هو مستند قد تدفع ثمنه غالياً إن تجاوزت حدودك به، أما خطأ «عدم التعاطف» فهو من الأمور التي يندر أن يتم التحدث عنها، نعم نحن نفتقد كثيراً إظهار التعاطف في تواصلنا كأن تقول «أنا آسف لما حدث لك» أو أن تقول أنا «أفهم وأقدر حزنك» الحلول هنا كثيرة لكن الرغبة في إظهار التعاطف في ثقافتنا متحيزة جداً وتغتالها الجندرية من جهة والمزاجية من جهة أخرى، لكن إن كنت تدرك أنك ستدفع فاتورتها فسارع بمعالجتها، يلي ذلك خطأ «المهاجمة» وهي الابن غير الشرعي للمثل الشعبي البائس (اسبقوهم بالصوت لا يغلبوكم) البعض يمارس الهجوم ظناً منه أنه يحمي العمل وهو بالفعل يدمره، الحل: أن تضبط غضبك وأن تعد للعشرين قبل أن تراسل شخصاً أنت لا تستسيغه! نعم هناك أشخاص أنت لا تفضلهم لأي سبب كان لا مشكلة! افهم مشاعرك أولاً، تجرد من تبعاتها في العمل لأنك قد تدفع ثمنها غالياً فالإكثار من الغيبة والنميمة ومحاولة الصعود في عين المسؤول من خلال الهجمات المتواصلة لن يجعلك «نجماً» تفهم هذا الخطأ وعالجه واستحضر الثقافة القانونية وعندما تواجه الهجوميين بالعمل احتفظ لنفسك بحق الرد ولا تنهار من أول هجوم، أخيراً خطأ «الصمت» في المنظمات والتجمعات المهنية يسود نشاط (قهوة الأسبوع) بهدف كسر الجمود وقراءة ما تحت رأس الجليد، المنظمات الصامتة عليها أن تتخذ هذا الحل وأن تضع الاجتماعات (حتى لو عن بعد) على قائمة أولوياتها وبدلاً من أن تتهم أحدهم بالصمت أو الخجل اطرح له هذا السؤال (ماذا تحاول أن تقول)؟!.

بالمجمل ما كتبته هنا هو رؤوس أقلام لمشاهدات اتصالية تحدث في كل مكان، ونحتاج أن نعيد معالجتها سواء بشكل فردي أو جماعي، لعل أكثر ما يقلقني هو شعور البعض (العالي) بالتهديد، هناك قيم مهنية كثيرة كالمرونة والمفاوضات والتسامح مهم أن تمارسها ببسالة وأن لا تندفع خلف السائد، اجعل تواصلك متواصلاً وحضورك ذا معنى لا تتردد بأن تظهر الرغبة بالمساعدة لا تخجل من أن تقول «عذراً أنا لا أقف معك في نفس السطر لكني معك في ذات الصفحة» واكتب نقطة من أول السطر وكن أنت الأمان لا الخطر قل وبقوة «أنا هنا لأجلك».