كتاب ومقالات

الإمارات.. وهجمة تجّار «الكضيّة».. ومشعوذو السياسة!

جميل الذيابي

ألقى اتفاق السلام بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل حجراً ثقيلاً في البركة الجيوسياسية الراكدة في منطقة الشرق الأوسط والعالم.

لا أعتقد أن محاولات التخوين والهجوم على دولة الإمارات ستفاجئ كل العارفين بسلوكيات تجّار «الكضيّة» ومشعوذي السياسة ومسوقي الأزمات والتوترات!

وبالطبع هؤلاء معروفون. هم اليساريون العرب، والإسلامويون المؤدلجون من قطيع الإخوان ومن على شاكلتهم، ومعهم المدفوعون بالمال القطري والتركي، وملالي إيران الذين يتاجرون بالقضية الفلسطينية منذ التغيير الذي جاء بنظام آية الله خميني في 1979.

وبكلِّ أسفٍ لن ينجو أحد من ألسنة هذه الفئات التي تقتات على التلوّن والنفاق إلا من يؤمن بآيديولوجياتهم وشعاراتهم الكاذبة، ويتماهى مع طرائقهم المتلونة والملتوية.

لك أن تتخيل حجم النفاق الصارخ الذي يسوقه الرئيس التركي أردوغان ويصدقه الرعاع!

يهدد بسحب سفير بلاده من أبو ظبي وتعليق العلاقات معها، وفي الوقت نفسه سفيره يسرح ويمرح في تل أبيب ويوطد علاقات دبلوماسية كاملة وتعاوناً عسكرياً وتجارياً كبيراً مع إسرائيل؟

أليس ذلك قمة التناقض والكذب والنفاق والضحك على الذقون؟ «صحيح اللي اختشوا ماتوا!»

الاتفاق الذي أُعلِن في كلٍّ من واشنطن، وتل أبيب، وأبو ظبي الخميس الماضي اختراق دبلوماسي كبير في المنطقة، رضي هؤلاء المنافقون أم لم يرضوا، وتتمثل كبرى ثمراته في موافقة إسرائيل على إلغاء خطة ضم أراضٍ من الضفة الغربية إلى إسرائيل.

كما أنه ثبّت أحد أهم أركان المبادرة العربية للسلام، ألا وهو حل الدولتين الذي بدا طوال السنوات الماضية أن اليمين الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتانياهو يريد أن يشق عصا الطاعة عليه لتحقيق مكاسب انتخابية.

ومن المؤسف حقاً أن أتباع المدرسة «القومجية» و«الإخونجية»، وصل بهم التكلُّس الى درجة تحريم الجمع بين القومية وسيادة كل دولة من الدول المنتمية إلى الأمة العربية.

وهي مدرسة لا تغالط التاريخ والجغرافيا والمنطق فحسب، بل تتوهم أنها لا تزال ترطن بشعارات بالية بالقبضة ذاتها التي كانت عليها قبل عقود.

أما أرباب «الأدلجة» التي تحاول خطف الدين بعباءات عدة، فلن يعجبهم شيء حتى تصبح لهم وحدهم سلطة حقِّ تقرير مصائر الشعوب، وسيادة الدول.

ومن مآسي الوضع العربي أن هذينِ الاتجاهينِ الخاسريْنِ يستنصران بأعداء العرب والعروبة، كإيران ومليشياتها بالمنطقة، وتركيا ومشاريعها التوسعية.

إن من حقِّ الإمارات، وهي دولة عربية فاعلة، أن تحدد سياساتها، وموجهات علاقاتها الخارجية بما يتفق مع قراراتها السيادية، ومصالحها الاستراتيجية.

ليس في الاتفاق المعلن بين أبو ظبي وتل أبيب أيُّ مساسٍ بفلسطين، ومستقبل الفلسطينيين، فالإعلان لا ينطوي على أي تدخل في الشأن الفلسطيني، بل حدّد خطوطاً حمراً لأي سياسة قد تنتهجها إسرائيل تنطوي على هضم حقوق الشعب الفلسطيني، وأبعد شبح ضم الأراضي الفلسطينية، وعزّز الحل عبر الدولتين.

والإمارات ليست الأولى عربياً التي تقدم على إقامة علاقات علنية مع إسرائيل، فقد سبقتها إلى ذلك مصر وتمكنت من استعادة شبه جزيرة سيناء إلى سيادتها. وتلاها الأردن الذي أغلق بتفاهمه مع إسرائيل أحد أهم مخاطر أمنه الوطني والقومي. أما عن «الحمدين» في قطر... فحدث ولا حرج، مما يجري تحت الطاولات وداخل الغرف المغلقة سواء في الدوحة أو تل أبيب، وقناتها «الجزيرة» أول من طبع مع الإسرائيليين تلفزيونياً.

وهناك صاحب العلاقة الأقدم مع إسرائيل رغم أن حكومته ترفع زوراً راية نصرة فلسطين، إنه مسعور أنقرة رجب أردوغان، فأردوغان يوصف بـ«مدلل تل أبيب» إلى درجة موافقتها على استرضائه بتعويضات مالية وتتوسع معه في كل أنشطته!

زمن المزايدات ولى.. وعلى أردوغان أن يسأل نفسه أولاً قبل نباحه المعتاد: بماذا أفاد الفلسطينيين وفي عاصمته سفارة يرفرف على سارية مبناها العلم الإسرائيلي، وعلاقاته التجارية هي الأكبر معها؟

الأكيد أن القرار الإماراتي جريء، فالإمارات لم تتعدَّ على حقِّ أحدٍ، بل مارست حقّها السيادي وتصرّفت علانيةً، أمام الكل، وتحت ضوء الشمس بما يخدم استقرار المنطقة، ويكسر طوق الجمود الذي ظل يعرقل قطار سلام الشرق الأوسط، وكفى مزايدات باسم «الكضية».