أخبار

طبابة الناجين من الجائحة

كيف يتعامل أخصائيو التخاطب مع العائدين من عناية كورونا المركزة

«عكاظ» (جدة) OKAZ_online@

شيء صغير قد يغير مسار الحياة، سواء كان ذلك بشكل دائم أو مؤقت، فمنذ إعلان منظمة الصحة العالمية في مارس 2020 عن فايروس كوفيد ١٩ المستجد جائحة عالمية، والكوكب يردد «العالم قبل كورونا، لن يكون كالعالم بعده»، لا سيما لأولئك الذين منّ الله عليهم بالشفاء بعد أن احتاجت رئاتهم إلى مساعدة عبر أنبوب من الحلق للتنفس، بعد دخولهم العناية المركزة. ولم يدر بخلد كبير أخصائي التخاطب بمستشفى الملك فيصل التخصصي و مركز الأبحاث بجدة الدكتورة سميرة جميل دهيثم، و المحاضر بقسم اضطرابات السمع و التخاطب – كلية علوم التأهيل الطبي بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة الأستاذة منار رأفت حداد، أن القدر خبأ لهن مقابلة العائدين من كورونا بعد دخول العناية المركزة، من وقفوا إلى حد قريب من الخطر، الخطر الذي زاد من دعوات ونبضات قلوب من يحبونهم ليعودوا سالمين.

طبابة العائدين من الجائحة، دفعت الدكتورة سميرة دهيثم، والأستاذة منار حداد إلى مراجعة شاملة للمصادر العلمية لتحديد كيفية التعامل مع العائدين من كوفيد. وأشارت مراجعة الأخصائيتان إلى أن الحالات الحرجة التي تطلبت العلاج في العناية المركزة واستخدام أنبوب التنفس الصناعي، تحتاج العناية الصحية للتغلب على الصعوبات التي قد تواجهها بسبب فقد أو ضعف بعض القدرات الوظيفية الناجمة عن التنويم، والعلاج التنفسي خلال فترة المرض ومنها صعوبات البلع واضطرابات الصوت، بعد تأثير العلاج في العناية المركزة على وظائف البلع والكلام ودور أخصائي التخاطب في تأهيل المريض لاستعادة هذه القدرات.

البروتوكول السعودي

حسب البروتوكول العلاجي لمرضى كوفيد ١٩ الصادر من وزارة الصحة السعودية، يتم التعامل مع الأعراض الصحية في الحالات البسيطة والمتوسطة بحسب ظهورها، ولا تستدعي هذه الحالات الرعاية التنفسية والإقامة في المستشفى. أما في الحالات الشديدة من المرض والتي تقّدر نسبتها بحوالى ٢٠٪ من المصابين، فقد يسبب الفايروس متلازمة ضيق التنفس الحاد Acute Respiratory Syndrome مما يؤدي إلى صعوبة في التنفس تتطلب تزويد الجسم بالأكسجين من خلال الأنبوب الأنفي أو قناع أكسجين، وبشكل عام لا تتطلب هذه الحالات الدخول إلى العناية المركزة. أما في الحالات الحرجة التي تصاب بمتلازمة تدهور التنفس الحاد Acute والتي تتراوح ما بين ٥ إلى ٨٪ من مجمل نسبة الإصابة، فقد يحتاج فيها المريض الدخول إلى قسم العناية المركزة واستخدام جهاز التنفس الصناعي الخارجي أو أنبوب التنفس الفموي (الممتد من الفم إلى القصبة الهوائية) مع تغيير وضعية استلقاء المريض proning، أو أنبوب التنفس العنقي (عبر فتحة جراحية في القصبة الهوائية) tracheal tube، أو استخدام الجهاز الرئوي القلبي الصناعي ECMO لفترة قد تمتد لأكثر من أسبوعين. تشير الإحصاءات إلى أن شدة المرض قد تزداد لدى الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة كأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة والفشل الكلوي وبعض أنواع مرض السرطان.

التدخل العلاجي

تشير الطبيبتان إلى احتياج المصاب بصعوبات البلع واضطرابات الصوت إلى تدخل أخصائي التخاطب لمساعدته على استعادة هذه الوظائف ولتقليل الآثار الناتجة عن الإجراءات العلاجية الضرورية طيلة مكوثه في المستشفى. ويعمل أخصائي التخاطب جنباً إلى جنب مع الطبيب المسؤول عن الحالة، وطبيب الأنف والأذن والحنجرة، وفريق التمريض، وأخصائي العلاج التنفسي، وأخصائي العلاج الطبيعي، وأخصائي التغذية. وقالتا: «بعد استقرار وضع المريض وإزالة أنبوب التنفس الفموي، يقوم أخصائي التخاطب بتقييم قدرة المريض على البلع والكلام وتحديد درجة وطبيعة الصعوبة التي قد تؤثر على قدرته على التخلص من أنبوب التغذية المؤقت والعودة لتناول الطعام عن طريق الفم بشكل آمن وفعال، كما يقيّم قدرة المريض على التواصل سواء من خلال إصدار الأصوات أو استخدام طرق التواصل البديلة للتعبير عن احتياجاته. بالإضافة للفحص السريري، قد يستكمل الأخصائي التقييم من خلال المنظار البلعومي أو التصوير بالأشعة عبر دراسة البلع المعدلة. تجدر الإشارة الى أن هناك اختلافا في بعض معايير التقييم تبعاً لحالة المريض، وذلك استناداً لتوصيات الجمعيات المهنية العلمية للحد من انتقال العدوى وانتشار الفايروس». ويهدف علاج صعوبات البلع إلى مساعدة المريض على استعادة قدرته على تناول الطعام والشراب عن طريق الفم بشكل آمن ما يقلل من فرص الإصابة بالالتهاب الرئوي الذي قد ينتج عن دخول السوائل والطعام للرئتين. كما يهدف العلاج إلى زيادة القدرة على استخدام الفم والبلعوم لتناول الطعام بفعالية دون الاعتماد على طرق التغذية البديلة. وينقسم العلاج الى استخدام إستراتيجيات تعويضية مؤقتة أو دائمة تساعد المريض في تناول الطعام عن طريق الفم كتعديل كثافة السوائل وقوام الطعام لجعله أكثر سهولة وأماناً أثناء البلع، أو تعديل وضعية الرأس والجسم عند البلع، أو استخدام وسائل مساندة لتقديم الطعام.

تأثير أنبوب التنفس

لفتت الطبيبتان إلى أنه وبالإضافة لإمداد الجسم بالأكسجين والتخلص من ثاني أكسيد الكربون، تشترك أعضاء الجهاز التنفسي في تحقيق عدد من الوظائف الأخرى، ومنها البلع و إنتاج الصوت اللازم لإصدار الكلام. حيث تعد الرئتان والحنجرة والأوتار الصوتية المصدر الرئيسي لإخراج الصوت. فالحنجرة تسمح بمرور الهواء من وإلى الرئتين. وعند امتلاء الرئتين بحجم الهواء المناسب، يستخدم هذا الهواء لاهتزاز الأوتار الصوتية وإنتاج الصوت بمختلف درجات علوُه و جودته. تلعب الحنجرة والأوتار الصوتية أيضاً دوراً مهماً في عملية البلع. ففي حال وجود ضرر على الأوتار الصوتية يؤدي لصعوبة في إغلاقها، يؤثر ذلك سلباً على عملية البلع. وذلك لأن الأوتار الصوتية يجب أن تكون محكمة الإغلاق أثناء البلع لحماية الرئتين من دخول الأكل أو السوائل.

ونوهت الطبيبتان إلى أنه وحتى الآن، لا توجد إحصاءات شاملة عن نسبة الإصابة بصعوبات البلع واضطرابات الصوت لدى المصابين بكوفيد ١٩، و لكن هناك العديد من الدراسات التي تناولت تأثير الأمراض التنفسية والعلاج التنفسي طويل المدى على البلع والصوت.

العناية المركزة والبلع والصوت

أشارت الطبيبتان إلى احتمالية تأثير طبيعة الرعاية المركزة ومدتها على وظائف الجهاز التنفسي، منوهتان إلى اختلاف الأثر من مريض لآخر.

وأوردتا في مقالتهما أن العديد من المتلقين للعناية المركزة يحتاجون لأجهزة التنفس الصناعي ومنها أنبوب التنفس الفموي أو العنقي. ويحصل المريض على التغذية اللازمة له من خلال طرق بديلة مؤقتة كأنبوب التغذية عن طريق الأنف أو من خلال التغذية الوريدية. وأضافتا: «من المضاعفات الناتجة عن استخدام أنبوب التنفس الفموي جفاف الفم وتعرض الأسنان للضرر خصوصاً لمن يعانون من مشكلات في اللثة و الأسنان. و في حال مضي فترة طويلة على المريض دون تناول الطعام والشراب عن طريق الفم، ودون تنظيف الفم، وبسبب الجفاف، فقد تتجمع البكتيريا في الفم وبين الأسنان. مما يشكل خطراً على المريض في حال انتقال البكتيريا من الفم للرئتين، وقد يتضاعف خطر البكتيريا ليسبب التهاباً رئوياً حاداً». وقد يؤدي استخدام أنبوب التنفس الفموي أيضاً إلى إصابة الشفاه والأوتار الصوتية بجروح وتقرحات تسبب آلاما عند البلع والكلام بعد إزالة الأنبوب. ومن الممكن كذلك أن يتعرض المريض لضعف الإحساس في الحنجرة، وبالتالي صعوبة في حماية الرئتين من دخول السوائل والطعام. وقد تتعرض عضلات الحنجرة واللسان وعضلات منطقة الصدر أيضاً للضعف وذلك لعدم توظيفها أثناء وجود أنبوب التنفس وهو ما يسمى «الضعف المكتسب للرعاية المركزة»، و الذي يؤثر على قدرة المريض على البلع والكلام حتى بعد خروجه من العناية المركزة. وأظهرت الدراسات أن فرصة الإصابة بصعوبات البلع لدى المرضى الذين استخدموا أنبوب التنفس الصناعي الفموي لفترة أكثر من يومين تصل لنسبة ٥٦٪، كما تزداد فرصة حصول الإصابة إلى أكثر من ٨٠٪ للذين استخدموا أنبوب التنفس الفموي لأكثر من ٧ أيام.

6 أشهر

تلمح الطبيبتان إلى أنه قد تستمر صعوبات البلع لدى بعض المرضى لفترة تمتد إلى ٦ أشهر بعد الخروج من المستشفى. وبالنظر لمعدل الفترة التي يقضيها مرضى كوفيد ١٩ في الرعاية المركزة واحتياجهم للتنفس الصناعي لمدة قد تصل إلى أسبوعين أو أكثر، يمكن القول بأن فرصة الإصابة بصعوبات البلع واستمرارها كبيرة، ويؤدي إلى زيادة المدة التي قد يقضيها المريض في المستشفى للعلاج وفي الاعتماد على طرق التغذية البديلة. كذلك يتعرض المريض لصعوبات شديدة في التواصل اللفظي تحد من قدرته على التعبير عن نفسه مما يزيد من شعوره بالضعف والإحباط والعجز وفقدان السيطرة على حياته، وهذا من أسوأ ما قد يشعر به المريض المعتمد على التنفس الصناعي في العناية المركزة بحسب ما تظهره الدراسات.

مشاركة الأهل

لتحقيق عملية إشراك الأهل في العلاج، على الأخصائي توضيح الأهداف العلاجية وتنفيذها على أرض الواقع مع الأهل. لفتت الطبيبتان إلى إمكانية استعانة الأخصائي بالأهل لتطبيق بعض الأهداف العلاجية مثل: تمارين البلع، التوصيات بطرق الأكل والشرب، واستخدام الوسائل المساندة للتواصل. إضافة إلى تعاون الأهل في تطبيق الخطة العلاجية، تساهم هذه العملية في رفع معنويات المريض وتحسين جودة حياته بعد الشفاء، ومساعدته بشكل تدريجي على ممارسة حياته بفعالية. مما لا شك فيه أن الفريق الطبي الذي يرعى المصاب بفايروس كورونا يعمل على إنقاذ حياة المريض والحفاظ على صحته. ويساعد أخصائي التخاطب في تحسين قدرة المريض على استعادة مهاراته في التواصل والبلع والحفاظ على سلامة المريض و تحسين جودة حياته.

إستراتيجية تأهيلية

لفتت الطبيبتان إلى إستراتيجيات تأهيلية تساعد المريض على استرجاع قدرته على البلع وإصدار الأصوات كما كانت عليه قبل الإصابة. وتشمل تمارين علاجية لتقوية العضلات المسؤولة عن المضغ والبلع وإنتاج الصوت وتحسين مدى حركتها. وكذلك استخدام أدوات مساندة لتحسين البلع والمساعدة في إنتاج الكلام مثل صمام الكلام لمن يستخدم أنبوب التنفس العنقي. ونوهت الطبيبتان إلى مساعدة أخصائي التخاطب المرضى الذين يعانون من صعوبة في التواصل اللفظي بالاستعانة بوسائل التواصل المساندة للتعبير عن احتياجاتهم، ومن ذلك استخدام الوسائل التقنية (كالهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي) أو وسائل غير تقنية (كاستخدام الصور أو الكتابة).

ولا يقتصر دور أخصائي التخاطب على التدخل المباشر لتأهيل صعوبات البلع واضطرابات الصوت والكلام لدى المرضى، بل يشمل إشراك مقدمي الرعاية من الأهل في خطة العلاج والتأهيل، وذلك لضمان استمرار وفعالية العلاج. فأخصائي التخاطب مسؤول عن إطلاع أهل المريض على نتائج التقييم وأهداف العلاج.