كتاب ومقالات

الانسحاب مقابل الانسحاب

من زاوية مختلفة

طارق الحميد

عاد رئيس الوزراء العراقي السيد مصطفى الكاظمي للعراق بعد زيارة للولايات المتحدة في الوقت الذي تشهد بعض المدن العراقية حالة من الانتفاض، وإحراق مقار الميليشيات التابعة لأحزاب إيرانية، وذلك على خلفية عمليات اغتيال الناشطين العراقيين، واختطافهم.

وتزامن كل ذلك مع إعلان قوات التحالف الدولي عن انسحابها من قاعدة التاجي العسكرية العراقية وتسليمها لقوات الأمن المحلية. وقال التحالف ببيانه «إعادة تموضع الأفراد العسكريين هو جزء من خطة طويلة المدى تم التنسيق لها مع حكومة العراق».

ومن المؤكد أن هذا الانسحاب الأميركي، أو قوات التحالف، سيمنح السيد الكاظمي القوة السياسية لمواجهة خصومه في العراق، كما يعني أن رئيس الوزراء العراقي عاد من واشنطن محققا بعض أهدافه، ومنها استعادة هيبة رئاسة الوزراء دوليا، وبالتالي محليا بالعراق.

وبالطبع فإن المهمة صعبة، لكن الجميع يعول على السيد الكاظمي، وما يهم بالطبع هو التكاتف العراقي مع الكاظمي، وقناعتي ليتم ذلك، وليس في العراق وحسب، بل وفي كل الدول العربية المنكوبة بالأسلحة المفلوتة، أو الخارجية، لا بد من تطبيق قاعدة الانسحاب مقابل الانسحاب.

والمقصود هنا هو أن لا يتم سحب قوات دولية، أو نظامية، دون تراجع القوات غير النظامية من ميليشيا، وأسلحة منفلتة، وفي الحالة العراقية الأمر صعب، لكنه قابل للتنفيذ ولسبب بسيط، وهو الانتفاضة الشعبية العراقية، أو المظاهرات المستمرة منذ أكتوبر ٢٠١٩.

مظاهرات العراق أصيلة، وحقيقية، ورافضة للنفوذ الإيراني، والميليشيات، والأحزاب المحسوبة على إيران بالعراق. كما أن المظاهرات في العراق رافضة للفساد، والمحاصصة الطائفية، والتبعية لإيران، وبشكل واضح، وجلي، ومن كافة المكونات العراقية، وليس مكونا طائفيا محددا.

وقبل أمس أقدمت الجموع الغاضبة في الناصرية العراقية على إحراق مقار الأحزاب، والميليشيات، الطائفية، مما يظهر غضبا شعبيا حقيقيا، وذاك يتطلب الانسحاب مقابل الانسحاب، أي لا بد من وضع حد لانفلات الأسلحة، وكذلك وضع حد للجماعات، والميليشيات، في العراق.

وكما أسلفنا فإن الفرصة سانحة الآن أمام السيد الكاظمي وسط نقمة عراقية حقيقية، ودعم عربي، ودولي، على ضرورة أن يستعيد العراق سيادته، وقراره، وليكون عضوا فاعلا تحتاجه كل المنطقة. عراق عقلاني لا يتدخل بشؤون الغير، ولا يقبل من الغير التدخل بشؤونه.

والتفاؤل اليوم بالمنطقة، ودوليا، هو بأن السيد الكاظمي قادر على فعل ذلك، والظروف أصبحت مواتية، ورغم صعوبتها، وتعقيدها، ورغم حجم مأساة المتظاهرين العراقيين الذين يتعرضون إلى حملة اغتيالات غادرة، لكن كل هذه الظروف من شأنها منح الكاظمي القوة التي يحتاجها لصون العراق.

ولذا فلابد من أن يسعى السيد الكاظمي إلى ضمان انسحاب الميليشيات مقابل كل انسحاب عسكري دولي.

كاتب سعودي

tariq@al-homayed.com