الرسائل الخفية في الإعلانات التجارية !

سمير عابد شيخ

ليس سرّا أن حكومات الدول الصناعية تنفق مئات الملايين في تطوير أبحاث تمكّنها من التأثير على «جنود الأعداء» دون إدراكهم أو مقاومتهم. وهناك علم مستقل بذاته يوظّف هذه التقنية في المجال العسكري يسمّونه «ساي أوبس» أي العمليات النفسية. وكما هو الحال بكثير من العلوم، فانّها تنتقل من حقل لآخر، كما حصل بالفعل في تقنيات التأثير على العقل الباطن الى مجال الاعلانات التجارية.
ولقد كان لكتاب «اغراءات ما دون الوعي» الذي نشر قبل عشرين عاماً قصب السبق في تحليل الوسائل النفسية والغريزية للتأثير على المستهلكين. كما صدر مؤخّرا كتاب من جامعة «هارفرد» الأمريكية بعنوان «اللاوعي لدى المستهلك» يفصّل فيه بعض جوانب هذا الموضوع المثير للجدل. ولعلّ من أبرز ما يستنتجه المؤلّف (جيرالد زالتمان) جرّاء أبحاثه المستفيضة أن 95% من قرارات الشراء يقوم بها المستهلك دون وعيه. ذلك انّ شركات الاعلان العالمية تستخدم وسائل الخداع البصري أو السمعي لتصل الى سويداء مركز اتّخاذ القرار لدى المستهلك – وهو العقل الباطن أو اللاوعي!
فعندما تتأمّل في اعلان ما تفصل بين أمرين! بين المادّة الاعلانية التي تتصدّر اللوحة – مثل صور المرطبات أو السجائر المعلنة – وبين الخلفية للاعلان سواءً كانت منظرا طبيعيا أو غيرها. فالمادّة الاعلانية هي التي تنال اهتمام «وعي» النّاظر أمّا الخلفية الفنية فلا تنال التركيز أو التأمّل. ومن الثابت ان شركات الاعلان طوّرت تقنيات لاخفاء الصور والرموز في الخلفية الاعلانية لتبعث اشارات ورسائل تتجاوز الادراك الى ما دون الوعي لتؤثّر مباشرة على سلوك المستهلك دون ادراكه. ولقد أبدعت تلك الشركات في ذلك باستخدام تقنية «الجرافيكس» التي هي مزيج من التصوير والرسم، لزرع الصّور والرموز المخفية ضمن خلفيات الاعلانات.
هناك عشرات الحالات الموثّقة لاستغلال علم النفس بواسطة الخداع البصري والسمعي لدى المستهلكين. احدى هذه الحالات هي ما فعلته شركة خمور أمريكية لعرقلة الاقلاع عن الخمر لدى المدمنين. ففي تجربة قام بها عالم نفسي على مدمني الخمر، تبيّن أن معظمهم يعانون أعراض «انسحاب» متشابهة عندما يحاولون الاقلاع عن الخمر - منها كوابيس منامية مفزعة جدا مثل رؤيا الجماجم والوجوه الصارخة والحيوانات المفزعة. ولقد استغلّت شركة الخمور هذه النتائج بادماج أشكال هذه الصور المفزعة في خلفيات اعلاناتها ليدركها اللاوعي لدى المدمنين فيعرقل اقلاعهم عن الادمان الكحولي. وفي حالة أخرى، تمت مقاضاة احدى شركات الانتاج السينمائي لدمجها صور «أقنعة موت» في خلفية أحد أفلامها المرعبة، لرفع حدّة الرعب لدى المشاهدين وإنجاح الفلم لدى محبّي أفلام الرعب وتحقيق عائدات مالية أفضل للشركة.
وكما نجحت التقنية في اقتحام حاسّة البصر لدى المستهلكين، فلقد حقّقت نجاحات مثيلة في تجاوز حاسّة السمع للوصول لنقطة اللاوعي لدى المستهلك. فلقد تم تطوير أجهزة لخلط الأصوات، يتم تركيبها لبث رسائل تخاطب اللاوعي وتحرّك المستهلك دون ادراكه. ففي أحد مراكز التسويق الأمريكية التي انتشرت فيها السرقات، تم تركيب جهاز يخلط الموسيقى الحالمة برسائل تبث بصوت خافت تتجاوز العقل الواعي الى العقل الباطن مباشرة، تحث المستهلكين على الأمانة. ولقد سجّل ذلك المركز انخفاض السرقات بنسبة 37%.
وعلى الجانب الآخر، فلقد تمّت محاكمة شركة موسيقى أمريكية، لبيعها أشرطة لفرقة شبابية ماجنة، قامت بخلط رسائل «لاوعي» تحث على الانتحار، مؤدية لانتحار شابين بالفعل في ولاية «كاليفورنيا». وانّي لأتمنّى على وزارة الثقافة والاعلام السعودية أن تولى موضوع «اعلانات السبليمينال» (subliminal advertising) هذا بعض اهتمامها لتثقيف الناس بخطورته لاستحالة محاصرته على القنوات الفضائية!
Samirabid@yahoo.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 117 مسافة ثم الرسالة