كتاب ومقالات

احذر ! ضحكتك فيها كهربا

منى المالكي

تعتبر الأغاني مرايا تعكس أنماط التفكير وصيغ التعبير وسمات الذهنية التي أنتجت وتنتج الاتجاهات الفكرية والفنية والقِيمية والاجتماعية التي تعيشها المجتمعات الإنسانية وتتوارث تلك القيم عبر تطورها أو انكسارها الحضاري في مختلف تجلياته ومستوياته.

وتكشف الأغاني أنماط التفكير الحاكمة بالوعي الثقافي؛ من خلال الأغنية ككلمة شعرية نافذة ومؤثرة بفعالية على النشاط الذهني في المجتمعات الإنسانية بشكل عام.

ويمثل «الحب» الحالة العاطفية الأعلى في التصوير والتعبير عن عذاباته وآلامه بين المحبين في كلمات الأغاني، وتصوير هذه المشاعر بصور يجنح فيها الخيال إلى خطاب يتعامل مع النفس الإنسانية بعذوبة ورقة تجعلنا أقرب لحياة الناس الحقيقية. ورغم أن العديد من الفلاسفة يتعاملون مع المشاعر كونها سيئة السمعة، ويُفضِّلون الحديث عن الأفكار والمُنتج النهائي لها بعيداً عن التطرق لدور المشاعر في الأمر، بل ويتم اعتبارها في بعض الأحيان نقيضاً للتفكير؛ فإن علماء النفس أثبتوا أن المشاعر هي الأخرى ترسل لنا رسائل تساعدنا على معالجة معلوماتنا، وتقييم مواقفنا، كجزء من وظيفتها التي تُمكننا من الوصول إلى حل لعلاج المشكلات.

فالمشاعر جزء من الثقافة، لأننا نتعلم كيف ومتى يمكن التعبير عنها، وكيف يمكن وصفها كما أنها تتخلل المعرفة أيضاً ولا تنفصل عنها، لأنها تجعلنا نعتني بهُوياتنا الجماعية.

فعندما صدح عبدالحليم حافظ يصور ضحكة حبيبته فيغني «ضحكتها أنغام وورود» تنقلنا هذه الجملة الشعرية إلى حقل يوازي الضحكة وجمالها بصوت الأنغام وجمال الورود، ويمر الزمن وبعد أكثر من ثلاثة عقود، نسمع ضحكة أخرى تشبه الكهربا عندما يغني الجسمي «ضحكتك فيها كهربا» فهل يقصد أن تيارا كهربائيا قويا يصعق قلب الحبيب عندما يسمع ضحكة تلك الفتاة فترديه قتيلاً!

كلتا الصورتين تقدم صورة مختلفة عن الأخرى لا أعتمد التفضيل لواحدة عن الأخرى، ولكن أقصد رصد التحول الثقافي للصورة الشعرية كاملة بأطرافها الكاتب والحبيب والحبيبة، فإن كنا نعيش في عوالم الأنغام والورود، فقد استيقظنا على عالم كل ما فيه كهربا «فولت عالي» ستصعقك إن لم تنتبه جيداً وتبتعد عن السلك المكشوف!

كاتبة سعودية

monaalmaliki@