زعيم «الجهاد المصري» لـ عكاظ: الإخوان لصوص وجواسيس احترفوا «جهاد التصوير»
فتح النار على مراجعات «د. فضل» ودور السجون في تصدير الإرهابيين
الثلاثاء / 20 / محرم / 1442 هـ الثلاثاء 08 سبتمبر 2020 03:25
حاوره: خالد عباس طاشكندي Khalid_Tashkndi@
(الحلقة الثانية)
كاد الزعيم السابق لـ«جماعة الجهاد الإسلامي» المصرية الشيخ نبيل نعيم أن يخسر حياته في السبعينات خلال مناظرة بين جماعة «الجهاد» و«التكفير والهجرة» خاضها كمحكم، بعد أن مالت كفة النقاش لصالح الطرف الأول، فانقض عليه أعضاء من التكفير لقتله أثناء الصلاة بالمطاوي والسكاكين وقطعوا أذنه اليسرى وتعرض لإصابات خطيرة في الرأس، وبسبب تلك الواقعة دخل السجن لأكثر من شهرين تعرف خلالها على بعض المحكومين في قضية «الكلية الفنية العسكرية» وهي محاولة الانقلاب الفاشلة على الرئيس الراحل أنور السادات التي قادها الفلسطيني صالح سرية عام 74، وأوصوه بالذهاب إلى الطبيب الجراح أيمن الظواهري لعلاجه من آثار الاعتداء بالمجان، ولكن الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة الإرهابي لم يعالجه لوجه الله، إذ دفع به للذهاب معه إلى أفغانستان عام 80 مع أعضاء في «الجهاد» للتدرب على دبابة روسية يمتلكها حكمتيار شبيهة بالدبابات التي يستخدمها الجيش المصري، وذلك بهدف القيام بانقلاب عسكري ضد السادات وإقامة نظام حكم إسلامي سلفي على غرار الثورة التي قام بها الخميني في إيران.
وبعد أن عاد نعيم والظواهري إلى مصر في غضون 6 أشهر قضياها في أفغانستان للتجهيز لعملية الانقلاب، حدث ما لم يكن في الحسبان بعد أن وقعت فتنة طائفية بين الأقباط والسلفيين بسبب خلاف على قطعة أرض في منطقة «الزاوية الحمراء»، وكانت دافعاً لنظام السادات لاستخدامها كذريعة للإطاحة بجميع معارضيه السياسيين والإسلاميين في آن واحد، فأصدر النظام قائمة ضخمة بأسماء المطلوبين التي عرفت بـ«قرارات التحفظ» وضمت كل من له علاقة ومن ليست له علاقة بتلك الفتنة، فاجتمع حينها عدد من أعضاء «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» الهاربين من قرارات التحفظ، واقترح عليهم القيادي محمد عبدالسلام فرج قتل الرئيس السادات؛ بحجة أن هذه الاعتقالات شبيهة بما فعله الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع الإخوان عقب أحداث «المنشية»، إذ اعتقل المئات بلا محاكمات لسنوات طويلة والكثير منهم ماتوا في السجون، فوافق المجتمعون على القيام بعملية اغتيال السادات على طريقة «نتغدى به قبل ما يتعشى بينا»، وأفتى لهم عمر عبدالرحمن بجواز قتل الرئيس والمحيطين به.
وبعد اغتيال السادات، اعتقلت السلطات المصرية المدبرين واحداً تلو الآخر، وكان الظواهري من أوائل من تم اعتقالهم، ومع أول جلسة تحقيق أبلغ عن أماكن اختباء زملائه في الجماعة وكان من بينهم ضيفنا في هذا النقاش الشيخ نبيل نعيم الذي كان مختبئاً برفقة عصام القمري؛ أحد قيادات الجماعة الذين يعملون في القطاع العسكري، وحكم على نعيم بالسجن 7 سنوات لضلوعه في تخزين الذخيرة التي استخدمت في عملية الاغتيال رغم أنهم لم يعثروا عليها في منزله ولم يعترف بالجريمة.
كانت هذه أبرز مقتطفات الحلقة الأولى.. وبعد أن أكمل نعيم محكوميته وخرج من السجن، وجد نفسه في أحضان سجن آخر لا يقل عنه عذابا وهو نظام «المراقبة الشرطية»، فلم يجد سبيلاً للخروج من ذلك الجحيم إلى بالذهاب مجددا إلى أفغانستان وهو السبب ذاته الذي دفع أيضاً رفيقه الظواهري للعودة إلى هناك في النصف الثاني من الثمانينات، فدخلا سوياً منعطفات جديدة في هذه المسيرة المضطربة، نسلط الضوء عليها في هذا النقاش.
وضمن نقاشات هذه الحلقة أيضاً، نعرج على علاقة الشيخ نبيل نعيم بالتكفيريين، وأصناف الفكر التكفيري التي من أبرزها فكر «القطبيين» و«التكفير والهجرة» والأخطر منها فكر سيد إمام في كتابه «الجامع»، وكذلك سلطنا الضوء على المراجعات التي جرت داخل السجون المصرية والتي لم تكن مجرد إصلاحيات، إذ ساهمت أخطاء السلطات في أن تكون «مفرخة» للإرهابيين، وكانت حقبة السجن الطويلة التي قبع فيها الزعيم السابق لتنظيم الجهاد خلف القضبان وقضى منها 10 سنوات في زنزانة انفرادية لا تتجاوز مساحتها (مترين X مترين) ولم يفتح بابها الذي أكله الصدأ إلا بعد انقضاء المدة كاملة، تجربة مليئة بالعبر.
وقبل الخوض في هذا النقاش.. نكرر بأن «عكاظ» لا تتبنى وجهات نظر الضيف بقدر ما تعمل على طرح هذه التجربة في سبيل إثراء الوعي العام وكشف المزيد من الحقائق عن هذه الجماعات الإرهابية والمتطرفة.
• بعد أن قضيت 7 سنوات خلف القضبان في قضية اغتيال السادات، كان المتوقع أنك ستبحث عن الاستقرار والابتعاد عن تلك الجماعات.. لماذا لم يحدث ذلك؟
•• بعد انقضاء محكوميتي والخروج من السجن دخلت تلقائياً في نظام «المراقبة الشرطية»، وهذا النظام يفرض على أي شخص حكم عليه بالعقوبات «الشاقة»، وهو بمثابة سجن آخر، إذ يشترط المبيت في أقسام الشرطة من الـ6 مساء إلى الـ6 فجراً يوما بعد يوم، وكذلك البقاء في المنزل من 6 مساء إلى 6 فجراً، وكانت مدة الرقابة المفروضة علي بعد الخروج من السجن هي 5 سنوات، وكان من الاستحالة الحصول على وظيفة أو القيام بأي عمل من أجل الاستقرار، وهذا الأمر دفعني لشراء جواز سفر مزور للهرب من ذلك الوضع.
• ذهبتم إلى أفغانستان في المرة الأولى من أجل التجهيز للانقلاب على السادات، ثم عدتم مجدداً هروباً من جحيم «المراقبة الشرطية»، أي أنكم لم تذهبوا إلى هناك في كلا المرتين بنية الجهاد.. هل نعتبر ذهابكم إلى هناك «جهاد المضطر»؟
•• ضحك.. «حاجة زي كده».
• وهل كان الوضع في أفغانستان أفضل من البقاء في مصر؟
•• ذهبت إلى أفغانستان مجدداً بين عام 1987 إلى خروج الروس منها، وسكنت هناك مع أيمن الظواهري في منزله، وكنا خلالها نتنقل بين باكستان واليمن والصومال، واستقرينا في السودان مؤقتاً 1991، وكان ذلك بسبب الخلافات الداخلية التي اندلعت بعد خروج الروس من كابول، إذ بدأت نزاعات عسكرية بين أتباع تحزبات عدة، من بينها حقاني وبرهان رباني وحكمتيار وأحمد شاه مسعود وسياف ودستم وغيرهم، والعرب الأفغان كانوا موزعين على هذه الأحزاب، فاجتمعت بعض القيادات الجهادية العربية لبحث هذا الأمر وخلصوا إلى أنهم أتوا إلى أفغانستان من أجل الجهاد ضد الروس والاستشهاد في سبيل الله وليس مقاتلة بعضهم البعض والذهاب إلى جهنم بدلاً من الجنة، فقررنا الابتعاد عن الخوض في تلك الحروب والمغادرة، فحطينا الرحال في السودان.
• ولماذا لم تعد إلى مصر وتسعى للاستقرار مع أسرتك بأي شكل من الأشكال بدلاً من الحياة في ذلك الجحيم؟
•• كنت أتمنى ذلك ولكن بعد خروج الروس من أفغانستان واندلاع الحرب الداخلية نزحنا إلى باكستان المجاورة تزامنا مع الانتخابات الرئاسية في باكستان بين بناظير بوتو ونواز شريف، والولايات المتحدة كانت تدعم انتخاب بوتو وفقاً لشهادة وزير الدفاع الباكستاني التي قالها أمامنا خلال لقاء جمعنا به في ذلك الوقت، وكان برنامج بوتو الانتخابي يدعو إلى فتح المفاعل النووي الباكستاني للتفتيش والتوقيع على معاهدة حظر السلاح النووي حتى إذا لم توقع الهند على المعاهدة ذاتها، وأيضاً القبض على الأفغان العرب وتسليمهم إلى دولهم، وفازت بناظير بوتو في الانتخابات، وبدأت الحكومة الباكستانية في القبض على المقاتلين العرب، وكان مصير غالبية من تتم إعادتهم إلى دولهم بعد القبض عليهم أو العودة طوعاً إما القتل أو السجن، فمن عاد إلى العراق وليبيا مثلاً كان يقتل، ومن يعود إلى مصر يتم اعتقاله لسنوات طويلة دون محاكمة.
وكانت السودان في ذلك الوقت هي الوجهة الأفضل والملاذ الآمن للاستقرار، وهناك التقيت بأسامة بن لادن والظواهري مجدداً، وأقام «بن لادن» في السودان مشاريع استثمارية ومصانع حتى تتاح لنا فرص عمل ونوع من الاستقرار، وهذا سبب بقائنا هناك لفترة.
• وما رأيكم في عبدالله عزام باعتباره من أقدم المقاتلين العرب خلال حقبة الجهاد الأفغاني؟
•• كان إخوانياً قلباً وقالباً ويستنفع من أموال المنظمات الإغاثية ويتحكم في صرفها، واتهمه أعضاء الجماعات الإسلامية العرب في افغانستان بالتجسس عليهم فحدث خلاف معهم أدى إلى قطعه المعونات، ولذلك أرسلني حينها الظواهري إلى السعودية برفقة علي الرشيدي، وهو ضابط مصري انضم لجماعة الجهاد وأصبح لاحقا القيادي المعروف في تنظيم القاعدة باسم «أبو عبيدة البنشيري»، واجتمعنا هناك مع أسامة بن لادن من أجل الحصول على دعم لمصروفات المعسكرات، وساهم ذلك الدعم في تأسيس «القاعدة» العسكرية للمقاتلين العرب ومن ثم لاحقاً تمت مبايعة «بن لادن» أميراً لهذا التنظيم عام 1988.
• والمفترض أيضاً أن «بن لادن» يميل إلى فكر الإخوان.. أليس كذلك؟
•• نعم، ولكن ليس بالشكل الذي تتخيله، فعندما قابلته شخصياً للمرة الأولى سألته: «هل أنت محسوب على الإخوان»، فقال: «للأسف الشديد نعم، ولكن لم أكن من هذه الجماعة، وتورطت معهم بسبب أنني جمعت لهم تبرعات بقيمة 80 مليون ريال ونحو 100 مركبة دفع رباعي عام 1982 خلال صراعهم مع نظام حافظ الأسد في حلب وحماة، ثم اكتشفت لاحقاً أنهم لصوص وقاموا بسرقة هذا الدعم».
كما لم يكن «بن لادن» تكفيرياً في ذلك الوقت، وكان من الشواهد على ذلك أنه خلال الفترة الثانية التي عدنا فيها إلى أفغانستان في النصف الثاني من الثمانينات، أسس الظواهري مركزا اسمه «النور» الإعلامي في بيشاور وأشرف عليه المصري مجدي كمال المعروف بـ«أبو حذيفة» وكان متشدداً وتكفيرياً ويكفر حكام الخليج، وهو ما أغضب «بن لادن» في ذلك الوقت وقرر وقف الدعم وإغلاق المركز.
• وماذا كان دور الإخوان خلال فترة الغزو السوفيتي؟
•• كانوا «حرامية»، وأدوا الدور نفسه الذي أدوه في حرب تحرير فلسطين التي لم يطلقوا فيها رصاصة على المحتل، وأستشهد في هذا الأمر بما كشفه زعيم حزب مصر الفتاة أحمد حسين عن دور الإخوان في حرب فلسطين، إذ كان شاهداً على تلك المرحلة وألف كتاباً أكد فيه أنهم ذهبوا إلى هناك لالتقاط الصور وأيضاً جاءتهم فتوى من المشرف على كتائب الإخوان في حرب فلسطين 1948 الشيخ محمد فرغلي بعدم الاشتراك في الحرب، والأمر ذاته كرروه في أفغانستان، إذ تفرغ الإخوان لإدارة المدارس وهيئات الإغاثة والاستيلاء على أموالها ولم يدخلوا أي حرب، وكانوا يدخلون إلى المعسكرات للتصوير أمام المدافع والتصوير أثناء حمل قذائف «الآر بي جي» ورشاشات الكلاشينكوف.
ومن الشواهد التي أذكرها حين كنت أقيم مع الظواهري في منزله في الثمانينات، إذ كان يعمل حينها في مستشفى «الهلال الكويتي» في بيشاور، ثم تفاجأت ببقائه في المنزل عدة أيام دون أن يذهب إلى عمله في المستشفى، فسألته عن السبب، فأجاب: «الإخوان مسكوا إدارة المستشفى وطردوني لأني اكتشفت أنهم يسرقون التبرعات القادمة من دول الخليج»، وكانت دول الخليج ترسل أدوية عالية الجودة والتكلفة من إنتاج ألماني وسويسري وفرنسي، والإخوان كانوا يسرقون هذه الأدوية لبيعها واستبدالها بأدوية رخيصة من صناعة باكستانية وفيتنامية.
• ولكنك عدت إلى مصر.. هل كنت تريد تسليم نفسك والخلاص من «الغُلب»؟
•• لم أسلم نفسي، بل دخلت إلى مصر بجواز سفر مزور، ونقلت أسرتي إلى سكن جديد دون علم أحد، واستطعت قضاء نحو سنة كاملة إلى أن قبض على أحد العائدين من الخارج وأبلغهم أنني من بين الذين عادوا إلى مصر، وحينها بدأوا بالبحث والتحري عني إلى أن تم القبض علي.
• قضيت نحو 20 عاما خلف القضبان، بينها 10 سنوات في سجن انفرادي.. ماذا تريد أن تقول عنها؟
•• سجنت بعد أن اعتبروني أمير «العائدون من أفغانستان»، وحكم علي في سجن «العقرب» وهو أحد وحدات سجون «طرة» المعروف بأنها مخصصة للسياسيين والمعارضين والمراقبة عليها مشددة، ويقع هذا السجن جنوب القاهرة وعلى بعد 2 كم من سجن طرة الرئيسي، وكان معي حينها نحو 80 من أعضاء جماعة الجهاد وكنت أتزعمهم، ونتيجة للظروف القاسية التي عشناها داخل السجن قمت حينها باحتلال السجن وإحراقه مع هذه المجموعة وتدمير كاميرات المراقبة، وبسبب ذلك تمت معاقبتي بإلقائي في سجن انفرادي لمدة 10 سنوات من عام 1993 إلى 2003 داخل زنزانة مساحتها «مترين X مترين»، ولم يفتح باب الزنزانة نهائياً طيلت فترة بقائي فيها، لدرجة أنهم حين قرروا إلغاء السجن الانفرادي لم يستطيعوا فتح باب الزنزانة لأن الصدأ تسبب في تيبس الأقفال، فاضطروا لكسر الباب الحديدي.
• هل كان من أسباب الحبس الانفرادي عزل أفكارك عن أعضاء الجماعة.. خصوصا أن جماعة «التكفير والهجرة» نشأت فكرياً وتنظيمياً من داخل السجون؟
•• لا.. ولا أعتقد أنهم يفكرون مثلك في مسألة عزلي انفرادياً خوفاً من نشر الأفكار، وأستشهد في هذا الأمر بسجناء شباب سيناء الذين تورطوا في حادثتي طابا وشرم الشيخ في 2004 و2005، وكان غالبيتهم من الفقراء وغير المتعلمين وكانوا متخلفين جداً، وبينهم بائعو مخدرات، وكان أكثر شخص تجده متعلما بينهم بالكاد يحمل شهادة «دبلوم صنايع»، وبعد القبض عليهم تم سجنهم جميعها في عنبر واحد مع زعيم تنظيم «الناجون من النار» الدكتور مجدي الصفتي، وهو أحد كبار التكفيريين المتشددين وحكم عليه بالمؤبد في محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء حسن أبو باشا عام 1987، ونتيجة لوجوده بجانب هؤلاء الشباب الغلابة نقل لهم فكر «التوقف والتبين»، وهو من أشد مناهج التكفير، إذ يقسّم هذا الفكر المجتمع إلى 3 أقسام: «مسلم، وكافر، أما القسم الـ3 فلا يحكمون بكفره حتى يتبين لهم هل هو مسلم أم لا»، وهذا الفكر منبثق من الأفكار القطبية التكفيرية، وتم تلقينه ونشره على يد الصفتي بين سجناء شباب سيناء، وهؤلاء بعد خروجهم أسسوا التنظيمات الإرهابية الناشطة في سيناء حالياً مثل «جماعة بيت المقدس» و«ولاية سيناء» و«جند الإسلام» و«أنصار الدين» إلخ.. وهذا يدل على أن السلطات في السجون لم تفكر بخطر أفكار التكفيريين على السجناء، ولم يكن حبسي انفرادياً سوى انتقاما لقيامي بحرق سجن العقرب.
• قمتم بحل جماعة «الجهاد» في 2007 من داخل السجن.. لماذا؟ هل هي ضغوط من السلطات أم تراجع فكري؟
•• حين أخرجوني من السجن الانفرادي في 2003، التقيت ببعض الإخوة العائدين من أفغانستان ومن ألبانيا ومن اليمن، ووجدت أن أفكارهم تحولت نحو الأسوأ باعتناق التشدد وتكفير السلطات الحكومية والأمنية والمجتمع عامة، وهي أفكار عفا عليها الزمن بالنسبة لي ومن خاض مع هذه الجماعات سنوات طويلة ويعرف خفايا التنظيمات وفكرها ودوافعه. كما خلصت إلى أن إجراء مراجعات فكرية مع هؤلاء العائدين من ساحات الصراع في الخارج عملية صعبة، فالبعض منهم كانوا يرفضون تقبل الأدلة التي تحاجج ما اعتنقوه من أفكار تكفيرية ومتطرفة، وكانوا يتحججون بأني أناقشهم في التراجع عن فكر التكفير بسبب ما تعرضت له من حبس انفرادي لسنوات طويلة، وكانوا يردون علي «انت تعبت»، وكانوا يرفضون الاستماع إلى الأدلة الشرعية التي تناقض فكرهم، فحينها أعلنا حل جماعة الجهاد.
ولكن على الرغم من رفض البعض للمراجعات، إلا أن مجموعات أخرى من السجناء نجحت معهم المراجعات بالفعل وابتعدوا عن أفكار التشدد والغلو والتكفير.
• هل كانت وزارة الداخلية في عهد حبيب العادلي هي التي دفعت لمشروع المراجعات التي أجراها السجناء من قيادات التنظيمات المتراجعين عن أفكار التشدد؟
•• جاءت المبادرة من المسؤول عن ملف النشاط الديني في السجون اللواء أحمد رأفت، ورئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق اللواء حسن عبدالرحمن، والتقيت بهما وعرضت عليهما ما أرغب فعله، وسمحا لي بالتجول ومناقشة شباب الجهاد وعمل الأبحاث للرد على الأفكار. ثم قبض على سيد إمام وهو من أخطر الشخصيات التكفيرية في تاريخ الجماعات السلفية الجهادية عامة، وأبلغني حينها اللواء أحمد رأفت وحسن عبدالرحمن بأنهما سيدفعان بسيد إمام لإجراء المراجعات الفكرية للسجناء لأنه هو من طبع ونشر كتب الفكر التكفيري، خصوصا أنه أعلن التراجع عن أفكاره وأصدر حينها من داخل السجن «وثيقة ترشيد العمل الجهادي» كمراجعة نظرية للأفكار الجهادية، وبالتالي كانت الجهات الأمنية ترى أن إمام هو من يجب أن يتصدر المشهد في هذه المسألة، فهو بمثابة الداء والدواء، وأنا لم أكن تكفيرياً ولم أتبع أي منهج تكفيري، ولم يكن لدي أي مانع في أن يتصدى سيد إمام للمراجعات، فالغاية التي ننشدها تصحيح الأفكار الخاطئة لدى هؤلاء الأتباع، وربما كانت الغاية من انتقاء سيد إمام لهذا الدور هي أنه كان من منظري هذا الفكر وقد يسهم في تراجع من اتبع نهجه التكفيري.
• ما أخطر المدارس التكفيرية؟ وباختصار أعطنا أمثلة على الرد الناجع في المراجعات التي أجريتها معهم؟
•• هذا الموضوع كبير ومتشعب ولكن من أبرزهم «التكفير والهجرة» و«القطبيين» وأفكار سيد إمام وهو في الأساس من القطبيين وتتلمذ على أيديهم ولكنه ينكر ذلك.
بالنسبة إلى «التكفير والهجرة»، هؤلاء خوارج مثل الخوارج الذين قتلوا الإمام علي وخرجوا عليه، يكفرون بالمعصية، فيستشهدون مثلاً بحديث الرسول: «ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»، فيقولون من انتفى عنه الإيمان فهو كافر، وعندما ناقشنا زعيمهم شكري مصطفى عام 77 قبل حادثة قتل الشيخ الذهبي على ما أذكر، قلنا له: أنت تقول إن المعصية كفر ولكن المقصود الإصرار على المعصية والتكرار، والمعنى هنا الوعيد والتحذير، وإن من قام بهذه المعصية ليس مؤمنا الإيمان الكامل، أي عنده نقص في إيمانه، وليس معناه أنه «كافر»، ولكن شكري مصطفى كان يصر على أن المعصية كفر وليس تكرارها والإصرار عليها، فقلنا له بأن الله تعالى يقول: «وعصى آدم ربه فغوى»، فهل كفر آدم والملائكة سجدت لكافر؟! فضحك الجميع، وكان هذا من الردود المفحمة.
أما فكر سيد قطب فهو يتسلل إلى «من ليس له خلفية شرعية صحيحة» مثل طلاب الجامعات في تخصصات الطب والهندسة وغيرها من التخصصات التي لا تتعلق بتدريس أصول الشريعة، وبالتالي يستهدف فكر قطب شريحة محددة وواضحة المعالم، وأفكاره مضطربة، فهو أقر بأنه كان ملحداً لأكثر من 15 عاماً وأن عباس العقاد أنقذه من الإلحاد، وكان كاتباً في المجلة الماسونية لأكثر من 10 سنوات، فهذا الرجل من الأساس كان مضطرباً نفسياً ومنحرفاً عقلياً، تقلب من ملحد إلى ماسوني إلى تكفيري.
ولاختصار مسألة الرد على هذه الأفكار فأفضل طريقة هي جلب الكتب التكفيرية والمتطرفة والرد على كل جزئية يوجد فيها انحراف فكري، ويكون الرد عليها مفحماً على الطريقة ذاتها التي استشهدت فيها بالرد على شكري مصطفى، وهو رد بمثابة الصدمات.
• ولكن هل بالفعل تراجع سيد إمام وتبرأ من أفكاره التكفيرية والمتطرفة، خصوصا أن مؤلفاته مثل «العمدة في إعداد العدة» وموسوعته «الجامع في طلب العلم» من أخطر كتب التكفير على الإطلاق؟
•• الحقيقة هي أن سيد إمام انهار في السجن رغم أنه لم يشاهد 1% مما عانيناه في السجون، وكان يريد الخروج من السجن بأي طريقة، وهذا الأمر يؤخذ في الاعتبار كسبب منطقي للتراجع عن أفكاره التكفيرية، فكتاب «الجامع في طلب العلم الشريف» يعد من أكثر كتب التكفير انتشاراً حول العالم بعد ترجمته إلى العديد من اللغات، وهذا الكتاب هو مرجع «القاعدة» و«داعش» والكثير من التنظيمات الإرهابية.
وهو حالياً يعتبر نفسه متراجعاً عن أفكاره وليس له أي نشاط، ولكن أعتقد أن أفكاره جاهزة للبيع، لأنه إنسان «منفعجي» وليس له مبادئ، وكان متفرغاً في بيشاور للكتابة والتأليف وحين «عضته» الحياة ودخل إلى السجن، حاول الخروج بأي ثمن، أي أنك إذا أردته أن يتراجع ستدفع له مبلغاً من المال ويتراجع، وبالتالي إذا دفعت له المال للتشدد فسيتشدد، أي أن «أفكاره للعرض».
وقمت أخيراً بتأليف كتاب للرد على ما جاء في «الجامع في طلب العلم» لسيد إمام وعنوانه: «المانع من أخطاء الجامع»، وتم عرضه على المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وحصلت على تصريح بنشره بإمضاء مفتي الجمهورية الشيخ علي جمعة، ولكن لم أطبعه بعد.
• لماذا تريد الرد على طروحات سيد إمام تحديداً وهناك الكثير من مشاهير الفكر التكفيري مثل «القطبيين» و«التكفير والهجرة»؟
•• السبب في تخصيص كتاب للرد على أفكار سيد إمام لأنني أرى أن فكره الذي طرح في مؤلفاته هو أخطر أنواع التكفير، ولأنه اطلع على فكر «القطبيين» وكتب بعدهم وقام بتنقيح تلك الأفكار وتطويرها، أما بالنسبة لطرح سيد إمام في كتاب الجامع فله بعد عقائدي أوسع و«يتعشش» في عقل المتلقي والقارئ، وبحاجة إلى رد عميق ومفصل، فأفكار سيد إمام دفعت بشخص إرهابي مجرم لتفجير نفسه قرب الحرم النبوي، ودفعت هذه الأفكار إرهابي آخر لتفجير نفسه في مسجد الروضة في سيناء وقتل العشرات خلال صلاة الجمعة.
وخلال فترة وجودنا في أفغانستان، اجتمعت مع سيد إمام في منزل أيمن الظواهري في بيشاور الذي سكنت فيه مع الظواهري 3 سنوات، لمناقشة محتوى كتاب «الجامع في طلب العلم الشريف»، وكان السبب في ذلك هو أنني متخصص في العلوم الشرعية بينما الظواهري وإمام كانا طبيبي جراحة، وكان الكتاب متغولاً في التكفير، وفيه فصل بعنوان «من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»، وفصل آخر يكفر أعوان الحاكم في مرافق السلطة مثل القضاء والأمن والمجالس التشريعية وباقي مؤسسات الدولة، ولذلك سألته: «إذا الشعب هو من انتخب الحاكم، فما حكمهم؟»، فقال سيد إمام: «كلهم كفار»، بل وكتب فصلا كاملا عن تكفير الشعوب، وقرر الظواهري حذف أجزاء من الكتاب، فأعد سيد إمام الذي يستخدم أكثر من اسم حركي في مؤلفاته وهي «الدكتور فضل» و«عبدالقادر بن عبدالعزيز»، مذكرة بعنوان: «جهاد تنظيم القاعدة أولى من جهاد الطواغيت»، وكفر أيمن الظواهري، بسبب اعتراضه على محتوى الكتاب.
• كأنك توحي لنا بأن الظواهري الإرهابي العالمي ورئيس تنظيم القاعدة ليس تكفيرياً؟
•• الظواهري تكفيري لا شك ويعتنق الفكر القطبي التكفيري ولكنه أقل حدة من سيد إمام، فالأخير أستطيع وصفه بأنه «سوبر تكفير»، أما الظواهري فهو جاهل في العلوم الشرعية.
• خلال حقبة الجهاد الأفغاني كانت هناك خلافات بين جماعات الجهاد والإخوان بلغت حد الكراهية.. ما السبب؟
•• لأننا أدركنا أن جماعة الإخوان أجرم من بني صهيون، ونسأل الله أن ينتقم منهم، هؤلاء لعنة وطاعون في جسد الأمة، بل إن الخوارج أرحم من الإخوان لأنهم صادقون «واللي في قلبهم على لسانهم»، أما الإخوان خبثاء وخونة ويعملون لصالح أجهزة استخباراتية دولية عدة مثل المخابرات الأمريكية والبريطانية، وقيادات التنظيم الدولي للإخوان مرفهين ويقيمون في لندن وعواصم أوروبية عدة مثل إبراهيم منير وأمين جمعة وغيرهم، ووجودهم هناك يعطي دلالة على أنهم عملاء مخابرات، فالإخوان بجانب أنهم عملاء مخابرات غربية تجتمع في قياداتهم جميعاً صفات الكذب والغدر والخيانة.
ومن الشواهد التي أذكرها عن خبث هذه الجماعة، أنه خلال الفترة التي بدأت فيها عمليات اعتقال العائدين من أفغانستان مطلع التسعينات، التقيت أنا والظواهري ورفاعي طه (القائد السابق للجماعة الإسلامية في مصر) ومصطفى حمزة (من أمراء الجماعة الإسلامية) بشخص اسمه الحركي «أبو الوليد»، وكان يقيم في ألمانيا منذ قضية سيد قطب عام 1965 المعروفة باسم قضية «تنظيم 65» التي اتهم فيها العديد من قيادات جماعة الإخوان وعلى رأسهم سيد قطب بمحاولة إحياء التنظيم السري، وحاول المدعو «أبو الوليد» حين التقينا به أن يسدي لنا نصائح مشبوهة، إذ قال: «اضربوا السياح في مصر للتأثير على النظام فيضطر لإخراج المعتقلين»، فقلنا له بأننا نحتاج إلى دعم، فقال بأنه يستطيع أن يدعمنا بمبلغ 50 ألف دولار، وبعد أن غادرنا قلت لأيمن الظواهري حينها: هذا إخواني قذر ومن أرسله إلينا بالتأكيد المخابرات التي أعطته مبلغ الدعم وعلينا أن نبتعد عنه ولا نصغي لنصائحه الخبيثة، ولكن للأسف الشديد اتضح لنا أن رفاعي طه أخذ منه مبلغ الـ50 ألف دولار وقام بأحداث «مذبحة الأقصر» عام 1997 التي قتل فيها 58 سائحاً أجنبيا بهدف ضرب السياحة في مصر.
• ولماذا أراد الإخوان توريط جماعة الجهاد في ضرب السياحة في مصر؟
•• حتى يزيحوا السلفيين ويقدموا أنفسهم للعالم بأنهم الجناح المعتدل وأصحاب فكر إسلامي مستنير ومتحضر، ولا يمانعون حقوق المثليين، ولا يمنعون بيع الخمور وكل ما يسهم في تلميع صورتهم أمام الغرب وما يسهم في وصولهم للسلطة، إضافة إلى أنهم مخترقون وأداة في أيدي المخابرات الأجنبية وينفذون أجنداتها في ضرب المنطقة وتدميرها، والشواهد على ذلك لا حصر لها.
• الغريب أن الظواهري رغم قطبيته كان يكره الإخوان وألف كتاباً يذم فيه تاريخهم ويكشف خياناتهم (الحصاد المر.. الإخوان المسلمون في 60 عاماً)؟
•• نعم هو يميل من الأساس لأفكار القطبيين، وهو سلفي في الوقت ذاته، وأيضاً استشهدت لك مسبقاً كيف طرد الإخوان الظواهري من مستشفى الهلال الكويتي في بيشاور بعد أن اكتشف سرقاتهم وبيعهم أدوية المساعدات الإغاثية، وكذلك كيف سيطر عبدالله عزام على مصادر التمويل القادمة من المنظمات الإغاثية واستنفع منها وقطعها عن الجهاديين حين اختلف معهم.
وكانوا دائماً يتعمدون تشويه صورة الظواهري وأنه كان يرشد على زملائه الذين قبض عليهم في أحداث «قرارات التحفظ» في عام 81، وكانوا يستغلون ذلك الأمر ضده ويروجون لذلك رغم أن سبب إرشاده علينا أنه كان تحت ضغط الاعتقال.
ولكن بالرغم من كراهيتي للإخوان ومعرفتي بحقيقتهم، إلا أنني رفضت طباعة كتاب الظواهري «الحصاد المر» في مصر بعد أن عرضه علي للمراجعة والطباعة، وذلك لأنه كتاب تكفيري ويكفر جماعة الإخوان وأنا أرفض مبدأ التكفير وأعارضه جملة وتفصيلا، وقلت له حينها أنا أؤكد أن الإخوان لصوص وجواسيس وخونة وعملاء للمخابرات الغربية ولهم دور تخريبي يهدف إلى هدم المنطقة وزعزعة الاستقرار، ولكن أرفض مسألة التكفير.
وقام الظواهري بتسليم الكتاب إلى مجدي سالم الذي كان من قيادات تنظيم «طلائع الفتح الجهادي» وقام بطباعته، وتمت مداهمة المطبعة والقبض على مجدي سالم وسحب النسخ التي وزعت من الكتاب، وكانت نحو 70 نسخة.
وبعد أن عاد نعيم والظواهري إلى مصر في غضون 6 أشهر قضياها في أفغانستان للتجهيز لعملية الانقلاب، حدث ما لم يكن في الحسبان بعد أن وقعت فتنة طائفية بين الأقباط والسلفيين بسبب خلاف على قطعة أرض في منطقة «الزاوية الحمراء»، وكانت دافعاً لنظام السادات لاستخدامها كذريعة للإطاحة بجميع معارضيه السياسيين والإسلاميين في آن واحد، فأصدر النظام قائمة ضخمة بأسماء المطلوبين التي عرفت بـ«قرارات التحفظ» وضمت كل من له علاقة ومن ليست له علاقة بتلك الفتنة، فاجتمع حينها عدد من أعضاء «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» الهاربين من قرارات التحفظ، واقترح عليهم القيادي محمد عبدالسلام فرج قتل الرئيس السادات؛ بحجة أن هذه الاعتقالات شبيهة بما فعله الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع الإخوان عقب أحداث «المنشية»، إذ اعتقل المئات بلا محاكمات لسنوات طويلة والكثير منهم ماتوا في السجون، فوافق المجتمعون على القيام بعملية اغتيال السادات على طريقة «نتغدى به قبل ما يتعشى بينا»، وأفتى لهم عمر عبدالرحمن بجواز قتل الرئيس والمحيطين به.
وبعد اغتيال السادات، اعتقلت السلطات المصرية المدبرين واحداً تلو الآخر، وكان الظواهري من أوائل من تم اعتقالهم، ومع أول جلسة تحقيق أبلغ عن أماكن اختباء زملائه في الجماعة وكان من بينهم ضيفنا في هذا النقاش الشيخ نبيل نعيم الذي كان مختبئاً برفقة عصام القمري؛ أحد قيادات الجماعة الذين يعملون في القطاع العسكري، وحكم على نعيم بالسجن 7 سنوات لضلوعه في تخزين الذخيرة التي استخدمت في عملية الاغتيال رغم أنهم لم يعثروا عليها في منزله ولم يعترف بالجريمة.
كانت هذه أبرز مقتطفات الحلقة الأولى.. وبعد أن أكمل نعيم محكوميته وخرج من السجن، وجد نفسه في أحضان سجن آخر لا يقل عنه عذابا وهو نظام «المراقبة الشرطية»، فلم يجد سبيلاً للخروج من ذلك الجحيم إلى بالذهاب مجددا إلى أفغانستان وهو السبب ذاته الذي دفع أيضاً رفيقه الظواهري للعودة إلى هناك في النصف الثاني من الثمانينات، فدخلا سوياً منعطفات جديدة في هذه المسيرة المضطربة، نسلط الضوء عليها في هذا النقاش.
وضمن نقاشات هذه الحلقة أيضاً، نعرج على علاقة الشيخ نبيل نعيم بالتكفيريين، وأصناف الفكر التكفيري التي من أبرزها فكر «القطبيين» و«التكفير والهجرة» والأخطر منها فكر سيد إمام في كتابه «الجامع»، وكذلك سلطنا الضوء على المراجعات التي جرت داخل السجون المصرية والتي لم تكن مجرد إصلاحيات، إذ ساهمت أخطاء السلطات في أن تكون «مفرخة» للإرهابيين، وكانت حقبة السجن الطويلة التي قبع فيها الزعيم السابق لتنظيم الجهاد خلف القضبان وقضى منها 10 سنوات في زنزانة انفرادية لا تتجاوز مساحتها (مترين X مترين) ولم يفتح بابها الذي أكله الصدأ إلا بعد انقضاء المدة كاملة، تجربة مليئة بالعبر.
وقبل الخوض في هذا النقاش.. نكرر بأن «عكاظ» لا تتبنى وجهات نظر الضيف بقدر ما تعمل على طرح هذه التجربة في سبيل إثراء الوعي العام وكشف المزيد من الحقائق عن هذه الجماعات الإرهابية والمتطرفة.
• بعد أن قضيت 7 سنوات خلف القضبان في قضية اغتيال السادات، كان المتوقع أنك ستبحث عن الاستقرار والابتعاد عن تلك الجماعات.. لماذا لم يحدث ذلك؟
•• بعد انقضاء محكوميتي والخروج من السجن دخلت تلقائياً في نظام «المراقبة الشرطية»، وهذا النظام يفرض على أي شخص حكم عليه بالعقوبات «الشاقة»، وهو بمثابة سجن آخر، إذ يشترط المبيت في أقسام الشرطة من الـ6 مساء إلى الـ6 فجراً يوما بعد يوم، وكذلك البقاء في المنزل من 6 مساء إلى 6 فجراً، وكانت مدة الرقابة المفروضة علي بعد الخروج من السجن هي 5 سنوات، وكان من الاستحالة الحصول على وظيفة أو القيام بأي عمل من أجل الاستقرار، وهذا الأمر دفعني لشراء جواز سفر مزور للهرب من ذلك الوضع.
• ذهبتم إلى أفغانستان في المرة الأولى من أجل التجهيز للانقلاب على السادات، ثم عدتم مجدداً هروباً من جحيم «المراقبة الشرطية»، أي أنكم لم تذهبوا إلى هناك في كلا المرتين بنية الجهاد.. هل نعتبر ذهابكم إلى هناك «جهاد المضطر»؟
•• ضحك.. «حاجة زي كده».
• وهل كان الوضع في أفغانستان أفضل من البقاء في مصر؟
•• ذهبت إلى أفغانستان مجدداً بين عام 1987 إلى خروج الروس منها، وسكنت هناك مع أيمن الظواهري في منزله، وكنا خلالها نتنقل بين باكستان واليمن والصومال، واستقرينا في السودان مؤقتاً 1991، وكان ذلك بسبب الخلافات الداخلية التي اندلعت بعد خروج الروس من كابول، إذ بدأت نزاعات عسكرية بين أتباع تحزبات عدة، من بينها حقاني وبرهان رباني وحكمتيار وأحمد شاه مسعود وسياف ودستم وغيرهم، والعرب الأفغان كانوا موزعين على هذه الأحزاب، فاجتمعت بعض القيادات الجهادية العربية لبحث هذا الأمر وخلصوا إلى أنهم أتوا إلى أفغانستان من أجل الجهاد ضد الروس والاستشهاد في سبيل الله وليس مقاتلة بعضهم البعض والذهاب إلى جهنم بدلاً من الجنة، فقررنا الابتعاد عن الخوض في تلك الحروب والمغادرة، فحطينا الرحال في السودان.
• ولماذا لم تعد إلى مصر وتسعى للاستقرار مع أسرتك بأي شكل من الأشكال بدلاً من الحياة في ذلك الجحيم؟
•• كنت أتمنى ذلك ولكن بعد خروج الروس من أفغانستان واندلاع الحرب الداخلية نزحنا إلى باكستان المجاورة تزامنا مع الانتخابات الرئاسية في باكستان بين بناظير بوتو ونواز شريف، والولايات المتحدة كانت تدعم انتخاب بوتو وفقاً لشهادة وزير الدفاع الباكستاني التي قالها أمامنا خلال لقاء جمعنا به في ذلك الوقت، وكان برنامج بوتو الانتخابي يدعو إلى فتح المفاعل النووي الباكستاني للتفتيش والتوقيع على معاهدة حظر السلاح النووي حتى إذا لم توقع الهند على المعاهدة ذاتها، وأيضاً القبض على الأفغان العرب وتسليمهم إلى دولهم، وفازت بناظير بوتو في الانتخابات، وبدأت الحكومة الباكستانية في القبض على المقاتلين العرب، وكان مصير غالبية من تتم إعادتهم إلى دولهم بعد القبض عليهم أو العودة طوعاً إما القتل أو السجن، فمن عاد إلى العراق وليبيا مثلاً كان يقتل، ومن يعود إلى مصر يتم اعتقاله لسنوات طويلة دون محاكمة.
وكانت السودان في ذلك الوقت هي الوجهة الأفضل والملاذ الآمن للاستقرار، وهناك التقيت بأسامة بن لادن والظواهري مجدداً، وأقام «بن لادن» في السودان مشاريع استثمارية ومصانع حتى تتاح لنا فرص عمل ونوع من الاستقرار، وهذا سبب بقائنا هناك لفترة.
• وما رأيكم في عبدالله عزام باعتباره من أقدم المقاتلين العرب خلال حقبة الجهاد الأفغاني؟
•• كان إخوانياً قلباً وقالباً ويستنفع من أموال المنظمات الإغاثية ويتحكم في صرفها، واتهمه أعضاء الجماعات الإسلامية العرب في افغانستان بالتجسس عليهم فحدث خلاف معهم أدى إلى قطعه المعونات، ولذلك أرسلني حينها الظواهري إلى السعودية برفقة علي الرشيدي، وهو ضابط مصري انضم لجماعة الجهاد وأصبح لاحقا القيادي المعروف في تنظيم القاعدة باسم «أبو عبيدة البنشيري»، واجتمعنا هناك مع أسامة بن لادن من أجل الحصول على دعم لمصروفات المعسكرات، وساهم ذلك الدعم في تأسيس «القاعدة» العسكرية للمقاتلين العرب ومن ثم لاحقاً تمت مبايعة «بن لادن» أميراً لهذا التنظيم عام 1988.
• والمفترض أيضاً أن «بن لادن» يميل إلى فكر الإخوان.. أليس كذلك؟
•• نعم، ولكن ليس بالشكل الذي تتخيله، فعندما قابلته شخصياً للمرة الأولى سألته: «هل أنت محسوب على الإخوان»، فقال: «للأسف الشديد نعم، ولكن لم أكن من هذه الجماعة، وتورطت معهم بسبب أنني جمعت لهم تبرعات بقيمة 80 مليون ريال ونحو 100 مركبة دفع رباعي عام 1982 خلال صراعهم مع نظام حافظ الأسد في حلب وحماة، ثم اكتشفت لاحقاً أنهم لصوص وقاموا بسرقة هذا الدعم».
كما لم يكن «بن لادن» تكفيرياً في ذلك الوقت، وكان من الشواهد على ذلك أنه خلال الفترة الثانية التي عدنا فيها إلى أفغانستان في النصف الثاني من الثمانينات، أسس الظواهري مركزا اسمه «النور» الإعلامي في بيشاور وأشرف عليه المصري مجدي كمال المعروف بـ«أبو حذيفة» وكان متشدداً وتكفيرياً ويكفر حكام الخليج، وهو ما أغضب «بن لادن» في ذلك الوقت وقرر وقف الدعم وإغلاق المركز.
• وماذا كان دور الإخوان خلال فترة الغزو السوفيتي؟
•• كانوا «حرامية»، وأدوا الدور نفسه الذي أدوه في حرب تحرير فلسطين التي لم يطلقوا فيها رصاصة على المحتل، وأستشهد في هذا الأمر بما كشفه زعيم حزب مصر الفتاة أحمد حسين عن دور الإخوان في حرب فلسطين، إذ كان شاهداً على تلك المرحلة وألف كتاباً أكد فيه أنهم ذهبوا إلى هناك لالتقاط الصور وأيضاً جاءتهم فتوى من المشرف على كتائب الإخوان في حرب فلسطين 1948 الشيخ محمد فرغلي بعدم الاشتراك في الحرب، والأمر ذاته كرروه في أفغانستان، إذ تفرغ الإخوان لإدارة المدارس وهيئات الإغاثة والاستيلاء على أموالها ولم يدخلوا أي حرب، وكانوا يدخلون إلى المعسكرات للتصوير أمام المدافع والتصوير أثناء حمل قذائف «الآر بي جي» ورشاشات الكلاشينكوف.
ومن الشواهد التي أذكرها حين كنت أقيم مع الظواهري في منزله في الثمانينات، إذ كان يعمل حينها في مستشفى «الهلال الكويتي» في بيشاور، ثم تفاجأت ببقائه في المنزل عدة أيام دون أن يذهب إلى عمله في المستشفى، فسألته عن السبب، فأجاب: «الإخوان مسكوا إدارة المستشفى وطردوني لأني اكتشفت أنهم يسرقون التبرعات القادمة من دول الخليج»، وكانت دول الخليج ترسل أدوية عالية الجودة والتكلفة من إنتاج ألماني وسويسري وفرنسي، والإخوان كانوا يسرقون هذه الأدوية لبيعها واستبدالها بأدوية رخيصة من صناعة باكستانية وفيتنامية.
• ولكنك عدت إلى مصر.. هل كنت تريد تسليم نفسك والخلاص من «الغُلب»؟
•• لم أسلم نفسي، بل دخلت إلى مصر بجواز سفر مزور، ونقلت أسرتي إلى سكن جديد دون علم أحد، واستطعت قضاء نحو سنة كاملة إلى أن قبض على أحد العائدين من الخارج وأبلغهم أنني من بين الذين عادوا إلى مصر، وحينها بدأوا بالبحث والتحري عني إلى أن تم القبض علي.
• قضيت نحو 20 عاما خلف القضبان، بينها 10 سنوات في سجن انفرادي.. ماذا تريد أن تقول عنها؟
•• سجنت بعد أن اعتبروني أمير «العائدون من أفغانستان»، وحكم علي في سجن «العقرب» وهو أحد وحدات سجون «طرة» المعروف بأنها مخصصة للسياسيين والمعارضين والمراقبة عليها مشددة، ويقع هذا السجن جنوب القاهرة وعلى بعد 2 كم من سجن طرة الرئيسي، وكان معي حينها نحو 80 من أعضاء جماعة الجهاد وكنت أتزعمهم، ونتيجة للظروف القاسية التي عشناها داخل السجن قمت حينها باحتلال السجن وإحراقه مع هذه المجموعة وتدمير كاميرات المراقبة، وبسبب ذلك تمت معاقبتي بإلقائي في سجن انفرادي لمدة 10 سنوات من عام 1993 إلى 2003 داخل زنزانة مساحتها «مترين X مترين»، ولم يفتح باب الزنزانة نهائياً طيلت فترة بقائي فيها، لدرجة أنهم حين قرروا إلغاء السجن الانفرادي لم يستطيعوا فتح باب الزنزانة لأن الصدأ تسبب في تيبس الأقفال، فاضطروا لكسر الباب الحديدي.
• هل كان من أسباب الحبس الانفرادي عزل أفكارك عن أعضاء الجماعة.. خصوصا أن جماعة «التكفير والهجرة» نشأت فكرياً وتنظيمياً من داخل السجون؟
•• لا.. ولا أعتقد أنهم يفكرون مثلك في مسألة عزلي انفرادياً خوفاً من نشر الأفكار، وأستشهد في هذا الأمر بسجناء شباب سيناء الذين تورطوا في حادثتي طابا وشرم الشيخ في 2004 و2005، وكان غالبيتهم من الفقراء وغير المتعلمين وكانوا متخلفين جداً، وبينهم بائعو مخدرات، وكان أكثر شخص تجده متعلما بينهم بالكاد يحمل شهادة «دبلوم صنايع»، وبعد القبض عليهم تم سجنهم جميعها في عنبر واحد مع زعيم تنظيم «الناجون من النار» الدكتور مجدي الصفتي، وهو أحد كبار التكفيريين المتشددين وحكم عليه بالمؤبد في محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء حسن أبو باشا عام 1987، ونتيجة لوجوده بجانب هؤلاء الشباب الغلابة نقل لهم فكر «التوقف والتبين»، وهو من أشد مناهج التكفير، إذ يقسّم هذا الفكر المجتمع إلى 3 أقسام: «مسلم، وكافر، أما القسم الـ3 فلا يحكمون بكفره حتى يتبين لهم هل هو مسلم أم لا»، وهذا الفكر منبثق من الأفكار القطبية التكفيرية، وتم تلقينه ونشره على يد الصفتي بين سجناء شباب سيناء، وهؤلاء بعد خروجهم أسسوا التنظيمات الإرهابية الناشطة في سيناء حالياً مثل «جماعة بيت المقدس» و«ولاية سيناء» و«جند الإسلام» و«أنصار الدين» إلخ.. وهذا يدل على أن السلطات في السجون لم تفكر بخطر أفكار التكفيريين على السجناء، ولم يكن حبسي انفرادياً سوى انتقاما لقيامي بحرق سجن العقرب.
• قمتم بحل جماعة «الجهاد» في 2007 من داخل السجن.. لماذا؟ هل هي ضغوط من السلطات أم تراجع فكري؟
•• حين أخرجوني من السجن الانفرادي في 2003، التقيت ببعض الإخوة العائدين من أفغانستان ومن ألبانيا ومن اليمن، ووجدت أن أفكارهم تحولت نحو الأسوأ باعتناق التشدد وتكفير السلطات الحكومية والأمنية والمجتمع عامة، وهي أفكار عفا عليها الزمن بالنسبة لي ومن خاض مع هذه الجماعات سنوات طويلة ويعرف خفايا التنظيمات وفكرها ودوافعه. كما خلصت إلى أن إجراء مراجعات فكرية مع هؤلاء العائدين من ساحات الصراع في الخارج عملية صعبة، فالبعض منهم كانوا يرفضون تقبل الأدلة التي تحاجج ما اعتنقوه من أفكار تكفيرية ومتطرفة، وكانوا يتحججون بأني أناقشهم في التراجع عن فكر التكفير بسبب ما تعرضت له من حبس انفرادي لسنوات طويلة، وكانوا يردون علي «انت تعبت»، وكانوا يرفضون الاستماع إلى الأدلة الشرعية التي تناقض فكرهم، فحينها أعلنا حل جماعة الجهاد.
ولكن على الرغم من رفض البعض للمراجعات، إلا أن مجموعات أخرى من السجناء نجحت معهم المراجعات بالفعل وابتعدوا عن أفكار التشدد والغلو والتكفير.
• هل كانت وزارة الداخلية في عهد حبيب العادلي هي التي دفعت لمشروع المراجعات التي أجراها السجناء من قيادات التنظيمات المتراجعين عن أفكار التشدد؟
•• جاءت المبادرة من المسؤول عن ملف النشاط الديني في السجون اللواء أحمد رأفت، ورئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق اللواء حسن عبدالرحمن، والتقيت بهما وعرضت عليهما ما أرغب فعله، وسمحا لي بالتجول ومناقشة شباب الجهاد وعمل الأبحاث للرد على الأفكار. ثم قبض على سيد إمام وهو من أخطر الشخصيات التكفيرية في تاريخ الجماعات السلفية الجهادية عامة، وأبلغني حينها اللواء أحمد رأفت وحسن عبدالرحمن بأنهما سيدفعان بسيد إمام لإجراء المراجعات الفكرية للسجناء لأنه هو من طبع ونشر كتب الفكر التكفيري، خصوصا أنه أعلن التراجع عن أفكاره وأصدر حينها من داخل السجن «وثيقة ترشيد العمل الجهادي» كمراجعة نظرية للأفكار الجهادية، وبالتالي كانت الجهات الأمنية ترى أن إمام هو من يجب أن يتصدر المشهد في هذه المسألة، فهو بمثابة الداء والدواء، وأنا لم أكن تكفيرياً ولم أتبع أي منهج تكفيري، ولم يكن لدي أي مانع في أن يتصدى سيد إمام للمراجعات، فالغاية التي ننشدها تصحيح الأفكار الخاطئة لدى هؤلاء الأتباع، وربما كانت الغاية من انتقاء سيد إمام لهذا الدور هي أنه كان من منظري هذا الفكر وقد يسهم في تراجع من اتبع نهجه التكفيري.
• ما أخطر المدارس التكفيرية؟ وباختصار أعطنا أمثلة على الرد الناجع في المراجعات التي أجريتها معهم؟
•• هذا الموضوع كبير ومتشعب ولكن من أبرزهم «التكفير والهجرة» و«القطبيين» وأفكار سيد إمام وهو في الأساس من القطبيين وتتلمذ على أيديهم ولكنه ينكر ذلك.
بالنسبة إلى «التكفير والهجرة»، هؤلاء خوارج مثل الخوارج الذين قتلوا الإمام علي وخرجوا عليه، يكفرون بالمعصية، فيستشهدون مثلاً بحديث الرسول: «ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»، فيقولون من انتفى عنه الإيمان فهو كافر، وعندما ناقشنا زعيمهم شكري مصطفى عام 77 قبل حادثة قتل الشيخ الذهبي على ما أذكر، قلنا له: أنت تقول إن المعصية كفر ولكن المقصود الإصرار على المعصية والتكرار، والمعنى هنا الوعيد والتحذير، وإن من قام بهذه المعصية ليس مؤمنا الإيمان الكامل، أي عنده نقص في إيمانه، وليس معناه أنه «كافر»، ولكن شكري مصطفى كان يصر على أن المعصية كفر وليس تكرارها والإصرار عليها، فقلنا له بأن الله تعالى يقول: «وعصى آدم ربه فغوى»، فهل كفر آدم والملائكة سجدت لكافر؟! فضحك الجميع، وكان هذا من الردود المفحمة.
أما فكر سيد قطب فهو يتسلل إلى «من ليس له خلفية شرعية صحيحة» مثل طلاب الجامعات في تخصصات الطب والهندسة وغيرها من التخصصات التي لا تتعلق بتدريس أصول الشريعة، وبالتالي يستهدف فكر قطب شريحة محددة وواضحة المعالم، وأفكاره مضطربة، فهو أقر بأنه كان ملحداً لأكثر من 15 عاماً وأن عباس العقاد أنقذه من الإلحاد، وكان كاتباً في المجلة الماسونية لأكثر من 10 سنوات، فهذا الرجل من الأساس كان مضطرباً نفسياً ومنحرفاً عقلياً، تقلب من ملحد إلى ماسوني إلى تكفيري.
ولاختصار مسألة الرد على هذه الأفكار فأفضل طريقة هي جلب الكتب التكفيرية والمتطرفة والرد على كل جزئية يوجد فيها انحراف فكري، ويكون الرد عليها مفحماً على الطريقة ذاتها التي استشهدت فيها بالرد على شكري مصطفى، وهو رد بمثابة الصدمات.
• ولكن هل بالفعل تراجع سيد إمام وتبرأ من أفكاره التكفيرية والمتطرفة، خصوصا أن مؤلفاته مثل «العمدة في إعداد العدة» وموسوعته «الجامع في طلب العلم» من أخطر كتب التكفير على الإطلاق؟
•• الحقيقة هي أن سيد إمام انهار في السجن رغم أنه لم يشاهد 1% مما عانيناه في السجون، وكان يريد الخروج من السجن بأي طريقة، وهذا الأمر يؤخذ في الاعتبار كسبب منطقي للتراجع عن أفكاره التكفيرية، فكتاب «الجامع في طلب العلم الشريف» يعد من أكثر كتب التكفير انتشاراً حول العالم بعد ترجمته إلى العديد من اللغات، وهذا الكتاب هو مرجع «القاعدة» و«داعش» والكثير من التنظيمات الإرهابية.
وهو حالياً يعتبر نفسه متراجعاً عن أفكاره وليس له أي نشاط، ولكن أعتقد أن أفكاره جاهزة للبيع، لأنه إنسان «منفعجي» وليس له مبادئ، وكان متفرغاً في بيشاور للكتابة والتأليف وحين «عضته» الحياة ودخل إلى السجن، حاول الخروج بأي ثمن، أي أنك إذا أردته أن يتراجع ستدفع له مبلغاً من المال ويتراجع، وبالتالي إذا دفعت له المال للتشدد فسيتشدد، أي أن «أفكاره للعرض».
وقمت أخيراً بتأليف كتاب للرد على ما جاء في «الجامع في طلب العلم» لسيد إمام وعنوانه: «المانع من أخطاء الجامع»، وتم عرضه على المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وحصلت على تصريح بنشره بإمضاء مفتي الجمهورية الشيخ علي جمعة، ولكن لم أطبعه بعد.
• لماذا تريد الرد على طروحات سيد إمام تحديداً وهناك الكثير من مشاهير الفكر التكفيري مثل «القطبيين» و«التكفير والهجرة»؟
•• السبب في تخصيص كتاب للرد على أفكار سيد إمام لأنني أرى أن فكره الذي طرح في مؤلفاته هو أخطر أنواع التكفير، ولأنه اطلع على فكر «القطبيين» وكتب بعدهم وقام بتنقيح تلك الأفكار وتطويرها، أما بالنسبة لطرح سيد إمام في كتاب الجامع فله بعد عقائدي أوسع و«يتعشش» في عقل المتلقي والقارئ، وبحاجة إلى رد عميق ومفصل، فأفكار سيد إمام دفعت بشخص إرهابي مجرم لتفجير نفسه قرب الحرم النبوي، ودفعت هذه الأفكار إرهابي آخر لتفجير نفسه في مسجد الروضة في سيناء وقتل العشرات خلال صلاة الجمعة.
وخلال فترة وجودنا في أفغانستان، اجتمعت مع سيد إمام في منزل أيمن الظواهري في بيشاور الذي سكنت فيه مع الظواهري 3 سنوات، لمناقشة محتوى كتاب «الجامع في طلب العلم الشريف»، وكان السبب في ذلك هو أنني متخصص في العلوم الشرعية بينما الظواهري وإمام كانا طبيبي جراحة، وكان الكتاب متغولاً في التكفير، وفيه فصل بعنوان «من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»، وفصل آخر يكفر أعوان الحاكم في مرافق السلطة مثل القضاء والأمن والمجالس التشريعية وباقي مؤسسات الدولة، ولذلك سألته: «إذا الشعب هو من انتخب الحاكم، فما حكمهم؟»، فقال سيد إمام: «كلهم كفار»، بل وكتب فصلا كاملا عن تكفير الشعوب، وقرر الظواهري حذف أجزاء من الكتاب، فأعد سيد إمام الذي يستخدم أكثر من اسم حركي في مؤلفاته وهي «الدكتور فضل» و«عبدالقادر بن عبدالعزيز»، مذكرة بعنوان: «جهاد تنظيم القاعدة أولى من جهاد الطواغيت»، وكفر أيمن الظواهري، بسبب اعتراضه على محتوى الكتاب.
• كأنك توحي لنا بأن الظواهري الإرهابي العالمي ورئيس تنظيم القاعدة ليس تكفيرياً؟
•• الظواهري تكفيري لا شك ويعتنق الفكر القطبي التكفيري ولكنه أقل حدة من سيد إمام، فالأخير أستطيع وصفه بأنه «سوبر تكفير»، أما الظواهري فهو جاهل في العلوم الشرعية.
• خلال حقبة الجهاد الأفغاني كانت هناك خلافات بين جماعات الجهاد والإخوان بلغت حد الكراهية.. ما السبب؟
•• لأننا أدركنا أن جماعة الإخوان أجرم من بني صهيون، ونسأل الله أن ينتقم منهم، هؤلاء لعنة وطاعون في جسد الأمة، بل إن الخوارج أرحم من الإخوان لأنهم صادقون «واللي في قلبهم على لسانهم»، أما الإخوان خبثاء وخونة ويعملون لصالح أجهزة استخباراتية دولية عدة مثل المخابرات الأمريكية والبريطانية، وقيادات التنظيم الدولي للإخوان مرفهين ويقيمون في لندن وعواصم أوروبية عدة مثل إبراهيم منير وأمين جمعة وغيرهم، ووجودهم هناك يعطي دلالة على أنهم عملاء مخابرات، فالإخوان بجانب أنهم عملاء مخابرات غربية تجتمع في قياداتهم جميعاً صفات الكذب والغدر والخيانة.
ومن الشواهد التي أذكرها عن خبث هذه الجماعة، أنه خلال الفترة التي بدأت فيها عمليات اعتقال العائدين من أفغانستان مطلع التسعينات، التقيت أنا والظواهري ورفاعي طه (القائد السابق للجماعة الإسلامية في مصر) ومصطفى حمزة (من أمراء الجماعة الإسلامية) بشخص اسمه الحركي «أبو الوليد»، وكان يقيم في ألمانيا منذ قضية سيد قطب عام 1965 المعروفة باسم قضية «تنظيم 65» التي اتهم فيها العديد من قيادات جماعة الإخوان وعلى رأسهم سيد قطب بمحاولة إحياء التنظيم السري، وحاول المدعو «أبو الوليد» حين التقينا به أن يسدي لنا نصائح مشبوهة، إذ قال: «اضربوا السياح في مصر للتأثير على النظام فيضطر لإخراج المعتقلين»، فقلنا له بأننا نحتاج إلى دعم، فقال بأنه يستطيع أن يدعمنا بمبلغ 50 ألف دولار، وبعد أن غادرنا قلت لأيمن الظواهري حينها: هذا إخواني قذر ومن أرسله إلينا بالتأكيد المخابرات التي أعطته مبلغ الدعم وعلينا أن نبتعد عنه ولا نصغي لنصائحه الخبيثة، ولكن للأسف الشديد اتضح لنا أن رفاعي طه أخذ منه مبلغ الـ50 ألف دولار وقام بأحداث «مذبحة الأقصر» عام 1997 التي قتل فيها 58 سائحاً أجنبيا بهدف ضرب السياحة في مصر.
• ولماذا أراد الإخوان توريط جماعة الجهاد في ضرب السياحة في مصر؟
•• حتى يزيحوا السلفيين ويقدموا أنفسهم للعالم بأنهم الجناح المعتدل وأصحاب فكر إسلامي مستنير ومتحضر، ولا يمانعون حقوق المثليين، ولا يمنعون بيع الخمور وكل ما يسهم في تلميع صورتهم أمام الغرب وما يسهم في وصولهم للسلطة، إضافة إلى أنهم مخترقون وأداة في أيدي المخابرات الأجنبية وينفذون أجنداتها في ضرب المنطقة وتدميرها، والشواهد على ذلك لا حصر لها.
• الغريب أن الظواهري رغم قطبيته كان يكره الإخوان وألف كتاباً يذم فيه تاريخهم ويكشف خياناتهم (الحصاد المر.. الإخوان المسلمون في 60 عاماً)؟
•• نعم هو يميل من الأساس لأفكار القطبيين، وهو سلفي في الوقت ذاته، وأيضاً استشهدت لك مسبقاً كيف طرد الإخوان الظواهري من مستشفى الهلال الكويتي في بيشاور بعد أن اكتشف سرقاتهم وبيعهم أدوية المساعدات الإغاثية، وكذلك كيف سيطر عبدالله عزام على مصادر التمويل القادمة من المنظمات الإغاثية واستنفع منها وقطعها عن الجهاديين حين اختلف معهم.
وكانوا دائماً يتعمدون تشويه صورة الظواهري وأنه كان يرشد على زملائه الذين قبض عليهم في أحداث «قرارات التحفظ» في عام 81، وكانوا يستغلون ذلك الأمر ضده ويروجون لذلك رغم أن سبب إرشاده علينا أنه كان تحت ضغط الاعتقال.
ولكن بالرغم من كراهيتي للإخوان ومعرفتي بحقيقتهم، إلا أنني رفضت طباعة كتاب الظواهري «الحصاد المر» في مصر بعد أن عرضه علي للمراجعة والطباعة، وذلك لأنه كتاب تكفيري ويكفر جماعة الإخوان وأنا أرفض مبدأ التكفير وأعارضه جملة وتفصيلا، وقلت له حينها أنا أؤكد أن الإخوان لصوص وجواسيس وخونة وعملاء للمخابرات الغربية ولهم دور تخريبي يهدف إلى هدم المنطقة وزعزعة الاستقرار، ولكن أرفض مسألة التكفير.
وقام الظواهري بتسليم الكتاب إلى مجدي سالم الذي كان من قيادات تنظيم «طلائع الفتح الجهادي» وقام بطباعته، وتمت مداهمة المطبعة والقبض على مجدي سالم وسحب النسخ التي وزعت من الكتاب، وكانت نحو 70 نسخة.