ثقافة وفن

البردوني يشعل الخلاف مجدداً حول المراكز والأطراف !

عبدالله البردوني

علي فايع (أبها) alma3e@

أعادت «عكاظ» إلى واجهة الحوار قضيّة المراكز والأطراف في الثقافة العربية، بعد امتعاض الشاعر محمد زايد الألمعي من تسويق المبدعين المبرزين في الجزيرة العربية من قبل المراكز في بغداد وبيروت والقاهرة، واستشهاده بتسويق الشاعر عبدالله البردوني وسواه، وكأنه ظاهرة نادرة اكتشفها أهل المراكز الثلاثة.

الشاعر والأكاديمي حسن عبده صميلي، قال إن هناك مبالغات حول تجربة البردوني وتأثيراتها الجمالية، وأضاف: نعم، هو شاعر؛ لكنه ليس خارقاً وليس منهجاً يمكن تسويق قِيَمِه للآخر البعيد والقريب، فالمتتبع لشعره لن يجد حضوراً جديداً في الشكل أو المضمون/‏الرؤية أو التشكيل، ولن تنساب جملٌ شعرية مبتكرة عنده على غرار محمود درويش أو أمل دنقل أو البياتي، أو على غرار من يتخذون القصيدة البيتية - من مجايليه - كصلاح عبدالصبور ونزار قباني وعبدالرزاق عبدالواحد، ولعل حاجة البيئة التي يعيشها لجوهر يباهي به، ولظروفه الصحية والنفسية المحيطة أثر في تغييب كثير من عيوبه الشعرية.

فيما كان للشاعر عبدالرحمن موكلي رأي مختلف في مسألة التسويق، فالبردوني، من وجهة نظره، هو الأكثر قيمة والمتفق عليه في اليمن الذي حطمته الحروب والصراعات ومع ذلك يوجد الكثير من كتب وشعر البردوني لم ينشر ومن حق اليمنيين الحفاوة به ونشر إبداعه بعيدا عن قضية المركز والهامش التي حطمتها الألفية الجديدة.

أما الكاتب والروائي عمرو العامري فقد لاحظ أنّ هناك تسويقاً للبردوني وكأنه اكتشاف جديد، نعم البردوني شاعر مبدع وله صور شعرية أخاذة جدا ولكن لمَ الآن؟

وأضاف، موضوع المراكز والأطراف نحن من كرسها وأوهمنا الآخر بأستاذيته وتفوقه.

ربما في زمن ما كانت بيروت والقاهرة وبغداد هي مراكز الإعلام والثقافة، ولكن الآن هناك دبي والشارقة والرياض وكازابلانكا وأبوظبي والكويت (سابقا) مما يسمى بالأطراف تحتفي بطاهر زمخشري وحسين سرحان وشحاته وابن خميس وحتى الثبيتي، نحن من كرس فوقية ما يسمى بالمراكز.

فيما أكد القاص محمد الشقحاء أنه عرف البردوني من خلال الوفد الثقافي اليمني الذي زار الرياض ثم جدة وقد دعتني وزارة الإعلام لحضور فعاليات الوفد على مسرح مبنى الوزارة بجدة وجاء سكني مع مرافقي في الفندق الذي يسكن فيه ومرافقي رحمه الله بلطفه وروحه المرحة خلق تواصلاً معرفياً معه ومع ثلة من أعضاء الوفد الذي يتشكل من أناث وذكور أسماء لامعة وكورال وقد شدنا الشاعر البردوني بقصائده التي تلامس الإنسان اليمني وصنعاء والفقر والجهل والمرض وكأنه يبصر الواقع اليمني.

وأوضح الشقحاء أنّنا كنا نتوسم المربد عتبه ليشاهدنا الحضور مع تجربتنا العميقة وتاريخنا الأدبي إذ لم يتجاوز البعض صفة «التلميذ» ومقعد المدرسة الابتدائية. وأضاف أن الوفد الثقافي اليمني كان في جولة عربية وكانت محطته قبل الرياض بغداد، أما اليوم فكل العواصم العربية مركز في فضاء إعلام يتجاوز الحدود.

الناقد جبريل السبعي أكد أننا نجيد الاحتفاء بالآخر البعيد، تماما كما نجيد استنقاص، أو التشكيك، أو على الأقل التساؤل المتنكر حيال القريب، نعم نحن نفعل هذا باستمرار، وقد قيل منذ أن كان هنالك حس يتبلد: زامر الحي لا يطرب، ولو كنا هنالك حيث بغداد وبيروت والقاهرة، لصفقنا طويلا، كما صفقوا ويصفقون، صدقوني مسألة عدم احتفائنا بالرجل، أو حتى مسألة تساؤلنا حيال الاحتفاء به، لا علاقة لها بالقيم الجمالية، ولا علاقة لها بالموضوعية، ولو شئنا رفعه لفعلنا ذلك دون أدنى عناء، ولو شئنا خفضه لفعلنا ذلك بكل يسر وسهولة أيضا، وفي كلتا الحالتين سنفعل ذلك دون أن نتقصى، ودون أن نتثبت، ودون أن نحرك بيتا شعريا من مكانه. إذاً، فالمسألة لا تتعلق بمواقف موضوعية، وجمالية، وإنما تتعلق بأشياء أخرى.

واختلف الدكتور عبدالحميد الحسامي مع العديد من الآراء التي ترى أنّ المراكز هي من سوّقت لشاعر كالبردوني، إذ قال: يبدو لي أن رؤية محمد زايد الألمعي في عمقها انتصار لتجربة البردوني ولحقيقة الشعر والشاعر. فالنصوص الحية تسوّق نفسها ولا تنتظر شهادة من خارجها. واحتفاؤنا بنص البردوني احتفاء بروح الشعر وانتصار للذات المتمردة على الموت بكل صنوفه.

واتفق معه الشاعر محمد خضر الذي أكد أنّ من قدم البردوني لقارئه في كل مكان هو شعره فقط، وأضاف، عرفته من مجلات خليجية ومن الملحق الثقافي في صحيفة الثورة اليمنية، قدم نصاً حديثاً وجديداً حتى لو في قالب تقليدي.أو كما يقول المقالح: عطر جديد في آنية قديمة.

أما الدكتور عبدالواسع الحميري فقد أكد أنّ ما جرى على لسان الألمعي هو عين ما كان يدور في ذهنه، وذهن كل من يعرف حقيقة الشعر، وأن الشعر هو الشعر، فلا يحتاج إلى من يروج له، أو يزعم أنه هو من اكتشفه. وأضاف: إن أفضل من يخدم الشاعر هم خصومه.

واتفق الكاتب صالح الديواني على أنّ البردوني ظاهرة أدبية فريدة في الأدب العربي الحديث، وأمهر من مزج روح قصيدة التفعيلة ومصطلحاتها في القالب الشعري التقليدي، وأضاف أنّ الاحتفاء به رمزاً أدبياً بعيداً عن الانتماءات السياسية في المراكز الثقافية في بغداد أو بيروت أو القاهرة أمر طبيعي، لضعف صنعاء على مستوى صناعة الحدث الثقافي وترويجه، وهو الأمر الذي كانت عليه أيضا المراكز الثقافية في الخليج باستثناء الكويت، وأكد أنّ أدب البردوني قطعا لا يحتاج إلى محاباة أو تزكية، بل يحتاج إلى تناول حقيقي خارج الحسابات السياسية، وهو ما تفتقد إليه المراكز الثقافية العربية في الوقت الراهن واتفق على أنّ الألمعي انطلق من غيرته على القيمة الأدبية التي يتمتع بها البردوني ويحاول البعض استثمارها بطريقة لا تعبر عن الوعي الثقافي بقدر تعبيرها عن تلميع الصورة من خلال شخصية وتراث البردوني.

فيما رأى الروائي أحمد الدويحي أنّ حضور البردوني في المربد وقصيدته الشهيرة أبو تمام وعروبة اليوم أعطته وهجاً عند بعض عرب الجزيرة وشعراء العالم العربي من كل الجهات.

وهو ما يتفق معه فيه الشاعر علي الدميني الذي أكد أنه لم يسمع بهذا الشاعر العظيم إلا بعد قصيدته الشهيرة في المربد.