العرب والواقع الجديد
تلميح وتصريح
الأحد / 25 / محرم / 1442 هـ الاحد 13 سبتمبر 2020 00:32
حمود أبو طالب
ليس منطقياً أن نلتزم الصمت أمام التحول الكبير الذي يحدث في منطقتنا، أو نتعامل معه من منطلق عاطفي بحت إما بالرفض القاطع والشجب والتنديد أو التأييد والترحيب والتصفيق، دون تفكير عملي وتحليل واقعي ومكاشفة صادقة مع الذات، والتحول الذي نعنيه هو توقيع معاهدات سلام بين دولتين خليجيتين وإسرائيل، وتلميح الراعي الأمريكي أن دولاً أخرى سوف تنضم إلى الركب في المنظور القريب.
يجب التنويه أولاً أن مثل هذا التحول الكبير لا يمكن أن يحدث بشكل مفاجئ نتيجة ظروف آنية، بل هو محصلة تفاهمات ونتيجة قناعات تبلورت خلال وقت طويل، وإذا أردنا الصراحة والدقة فإن الدول العربية، نتيجة الأخطاء الإستراتيجية المتراكمة، ليست في موقف قوة يجعلها قادرة على رفض واقع تقرره الدول القوية المهيمنة على تشكيل خارطة العالم السياسية. مشروع الشرق الأوسط الجديد لم يكن سراً منذ وقت طويل، وتم إعلانه والتصريح بأنه سيصبح واقعاً، وبدأ بالفعل منذ الاحتلال الأمريكي للعراق وصولاً إلى ما أُطلق عليه الربيع العربي الذي فكك دولاً عربية وحول بعضها إلى دول فاشلة.
وفي المقابل كانت إسرائيل تنمو وتزدهر وتستقر وتتسلح بترسانة عسكرية وعلمية متفوقة، ورعاية مستمرة من الدول الكبرى، واحتضان مطلق من أمريكا تحديداً، وكانت تجربة الحروب معها أشبه بالانتحار، إضافة إلى عامل جوهري هو سوء أداء المسؤولين عن القضية الفلسطينية التي تمثل أساس الصراع العربي الإسرائيلي. صحيح أن إسرائيل دولة احتلال غاصبة، وصحيح أنها لم تنفذ كثيراً من بنود القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية، ولكن هذا هو الواقع الذي أوصلنا إليه الوقت، صراع واستنزاف بلا نتيجة، وإصرار عبثي على استمراره مع كثير من المزايدات والمتاجرة بهذا الملف، وللأسف من المعنيين أساساً به، وربط كثير من المصالح السياسية لدول عربية به، مع أنه لن يحل أبداً كما تريد له الأماني والعواطف.
ولكن مع كل ذلك هل يجب أن تعني الاتفاقيات التي تمت والتي ستتم مع إسرائيل نسيان القضية الفلسطينية أو تحويلها إلى ملف هامشي؟. الجواب قطعاً: لا. فالدول التي طبعت العلاقات والتي سوف تطبع لها مصالح مهمة متبادلة مع رعاة ملف التطبيع تستطيع توظيفها لإجبار إسرائيل على تحريك عملية السلام العادل، بل يمكن لها أن تفاوض على ذلك مباشرة معها طالما ستنشأ علاقات اقتصادية وتبادلات تجارية، شريطة أن يتوحد الصف القيادي الفلسطيني وينأى بقضيته، التي كانت وما زالت قضية عربية، عن الحماقات والمزايدات والتوظيف السيئ لها لصالح أطراف لا تهمها فلسطين، وتريد الإضرار بكل العرب.
شئنا أم أبينا، نحن في واقع جديد وترتيبات جديدة، والأفضل لنا أن نتعامل معها بحصافة وحنكة واتزان للحصول على أفضل النتائج الممكنة، وأقل الأضرار المحتملة.
كاتب سعودي
habutalib@hotmail.com
يجب التنويه أولاً أن مثل هذا التحول الكبير لا يمكن أن يحدث بشكل مفاجئ نتيجة ظروف آنية، بل هو محصلة تفاهمات ونتيجة قناعات تبلورت خلال وقت طويل، وإذا أردنا الصراحة والدقة فإن الدول العربية، نتيجة الأخطاء الإستراتيجية المتراكمة، ليست في موقف قوة يجعلها قادرة على رفض واقع تقرره الدول القوية المهيمنة على تشكيل خارطة العالم السياسية. مشروع الشرق الأوسط الجديد لم يكن سراً منذ وقت طويل، وتم إعلانه والتصريح بأنه سيصبح واقعاً، وبدأ بالفعل منذ الاحتلال الأمريكي للعراق وصولاً إلى ما أُطلق عليه الربيع العربي الذي فكك دولاً عربية وحول بعضها إلى دول فاشلة.
وفي المقابل كانت إسرائيل تنمو وتزدهر وتستقر وتتسلح بترسانة عسكرية وعلمية متفوقة، ورعاية مستمرة من الدول الكبرى، واحتضان مطلق من أمريكا تحديداً، وكانت تجربة الحروب معها أشبه بالانتحار، إضافة إلى عامل جوهري هو سوء أداء المسؤولين عن القضية الفلسطينية التي تمثل أساس الصراع العربي الإسرائيلي. صحيح أن إسرائيل دولة احتلال غاصبة، وصحيح أنها لم تنفذ كثيراً من بنود القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية، ولكن هذا هو الواقع الذي أوصلنا إليه الوقت، صراع واستنزاف بلا نتيجة، وإصرار عبثي على استمراره مع كثير من المزايدات والمتاجرة بهذا الملف، وللأسف من المعنيين أساساً به، وربط كثير من المصالح السياسية لدول عربية به، مع أنه لن يحل أبداً كما تريد له الأماني والعواطف.
ولكن مع كل ذلك هل يجب أن تعني الاتفاقيات التي تمت والتي ستتم مع إسرائيل نسيان القضية الفلسطينية أو تحويلها إلى ملف هامشي؟. الجواب قطعاً: لا. فالدول التي طبعت العلاقات والتي سوف تطبع لها مصالح مهمة متبادلة مع رعاة ملف التطبيع تستطيع توظيفها لإجبار إسرائيل على تحريك عملية السلام العادل، بل يمكن لها أن تفاوض على ذلك مباشرة معها طالما ستنشأ علاقات اقتصادية وتبادلات تجارية، شريطة أن يتوحد الصف القيادي الفلسطيني وينأى بقضيته، التي كانت وما زالت قضية عربية، عن الحماقات والمزايدات والتوظيف السيئ لها لصالح أطراف لا تهمها فلسطين، وتريد الإضرار بكل العرب.
شئنا أم أبينا، نحن في واقع جديد وترتيبات جديدة، والأفضل لنا أن نتعامل معها بحصافة وحنكة واتزان للحصول على أفضل النتائج الممكنة، وأقل الأضرار المحتملة.
كاتب سعودي
habutalib@hotmail.com