كتاب ومقالات

فلسطين.. بلد المليون دبكة !

محمد الساعد

المواقف الفلسطينية الحادة التي اتخذت من مشروع السلام العربي الإسرائيلي الذي انخرطت فيه مؤخراً الإمارات والبحرين وربما تتبعها بضع دول أخرى، هي أكثر من خاتمة سيئة لفيلم تعيس بدأه الفلسطينيون أنفسهم في العام 1993، إثر اتفاقيات أوسلو التي فضلوا أن يعقدوها لوحدهم منفردين بالإسرائيليين والأمريكان، واليوم يلومون من كفر بنهاية فيلمهم بعدما كان مؤمناً كمال الإيمان ببدايته.

لن يرى التاريخ الإنساني أبلد من السياسي الفلسطيني، ودعوني أذكركم بشيء من تلك الانهزامية والضعف والتخبط التي طغت على المسار الفلسطيني منذ بداياته، وكانت البندقية والمتفجرات والتي وجهت في أغلبها لمدنيين عرب وغربيين للتغطية على حالة الإفلاس.

يقول دبلوماسي نرويجي حضر المفاوضات السرية بين فريق ياسر عرفات والفلسطينيين في أوسلو العام 1993، إن الوفد الفلسطيني جاء للمفاوضات غير محضر لها وليس لديه طلبات واضحة، بل إن الأدهى أنهم لم يحضروا حتى خرائط ووثائق تاريخية تدعم مطالباتهم وحجتهم، وتم الاعتماد على الخرائط والوثائق الإسرائيلية، لقد كان وفد تل أبيب مستعداً لكل شيء ومتوقعاً لأي مفاجأة، بينما وفد المنظمة كان تائهاً بلا أجندة ولا عقل سياسي.

تلك لم تكن الرحلة الأولى في ضياع المفاوضات، فقد هربوا من التقسيم قبل 1948، وهاجموا السادات 1978، وخونوا مشروع الملك فهد 1982، وتراجعوا عن مفاوضات طابا 1999، مسيرة طويلة من التيه الفلسطيني سببها قادته.

هل تتذكرون حالة الحيرة التي وقع فيها عرفات وقت توقيع الاتفاق مع رابين وبيريز ومبارك، كانت تلك نهاية متوقعة لمجموعة بشرية لا تفهم ولا تترك أحداً ممن يفهم يقود التفاوض بدلاً عنهم.

لقد كانت أنانية مفرطة من عرفات ووفده المفاوض تعيس الحظ الذي شارك في أوسلو، ففي خلال خمسين عاماً دفعت مصر وسوريا والأردن ولبنان والسعودية والعراق وكثير من الدول العربية ثمناً باهظاً من دماء أبنائهم وقوتهم وحياتهم وخاضوا نيابة عن الفلسطينيين حروباً عدة في 48 مروراً بـ 56 و67 و73 و82، ومع ذلك تعمد عرفات أن لا يطلعهم على مفاوضات أوسلو.

وإذا كانت السلطة الفلسطينية نادمة على تلك الاتفاقات، أو يعتقدون أنهم تكبدوا بسببها خسائر كما يدعون فعليهم الخروج من رام الله والعودة إلى الشتات وإعلان النضال مرة أخرى، لأن أنصاف الحلول في السياسة غير مجدٍ (إما سلام كامل أو نضال حتى الموت) هكذا تقول قوانين الحياة.

مع التذكير أن الفلسطينيين وعن إصرار استبدلوا النضال ضد إسرائيل ووجهوه للدول العربية، فاختطفت المنظمات الدبلوماسيين وقتلت الدبلوماسيين واحتلت السفارات وفجرت الطائرات المدنية حتى وصلت إلى محاولة الاستيلاء على الأردن ولبنان وتحويلها إلى وطن بديل.

يظن الكثير من الشبان والشابات الفلسطينيين أن لف الكوفية الشهيرة حول رقابهم التي كان يعتمرها ياسر عرفات وتحولت إلى رمز لحركتهم، ورفع أعلام المنظمات الشيوعية في الساحات، وسماع أغنية «وين الملايين.. الشعب العربي وين..» وهم يشربون الأرجيلة في المقاهي والأندية ويشتمون السعوديين والمصريين والخليجيين، ثم يختمونها بحفلة إحراق الأعلام وصور قادتها، إنها النضال الذي سيحقق لهم حلم التحرير وهم يرقصون الدبكة، حتى سميت بلد المليون دبيكة بدلاً من بلد المليون شهيد كما هي الجزائر.

معارك التحرير التي يخوضها شبان فلسطين لا يمكن أن تأتي من رقص الدبكة على أغاني جوزيف صقر ومارسيل خليفة في ساحات رام الله وغزة، ولا باتهام السعوديين أنهم باعوا القضية، ولا برسوم كاريكاتير مسيئة، ولا بحفلات تزوير التاريخ والتنمر والتعالي الثقافي على شعوب الجزيرة العربية، معارك التحرير الحقيقية يقوم بها الشجعان مثل الفيتناميين الذين حرروا أراضيهم من الاحتلال الفرنسي والأمريكي، وكما السعوديون الذين حرروا أجزاء واسعة من نجد والأحساء وجنوب الجزيرة ومكة المكرمة والمدينة المنورة من الاحتلال العثماني عدة مرات.

كاتب سعودي

massaaed@