«رجل أنقرة المريض».. سيكوباتي
تهديداته الجوفاء للدول العظمى والزعماء انعكاس لاعتلالات سيكولوجية خطيرة.. والأطباء يؤكدون:
الجمعة / 01 / صفر / 1442 هـ الجمعة 18 سبتمبر 2020 01:53
تقرير: خالد عباس طاشكندي Khalid_Tashkndi@
تشير التحولات والتقلبات والأزمات الهائلة والمتسارعة التي تشهدها الساحة التركية منذ الانقلاب المزعوم في 2016 إلى بروز انعكاسات سيكولوجية خطيرة على شخصية الرئيس التركي رجب أردوغان، باتت ملحوظة بشكل واضح مع تزايد حدة التصريحات المتشنجة والجوفاء التي يهاجم من خلالها الرئيس التركي الدول العظمى والرؤساء والزعماء وكبار المسؤولين، والتي لا تخلو من تهديد ووعيد بلغة بربرية وهمجية لا تعترف بالبروتوكولات والأعراف الدبلوماسية، وتثير التساؤلات حول مدى تأثير الأزمات المتلاحقة التي يعاني منها النظام التركي على السلوك العقلي والنفسي للرئيس التركي الذي اتسمت مراحل حكمه بتقلبات مفزعة على جميع الأصعدة، هبطت خلالها مؤشرات الديمقراطية وحقوق الإنسانية وحرية التعبير، فيما ارتفعت مؤشرات الفساد والقمع ومظاهر السلطة الديكتاتورية الاستبدادية.
وساهم نهج الرئيس أردوغان الديماغوجي في خطاباته الموجهة للطبقات الشعبية التركية وتوظيفه الأيديولوجي للدين والشعبوية في استنهاض النعرات القومية والمشاعر الدينية لدى هؤلاء البسطاء الذين أصبحوا أكبر الطبقات الجماهيرية التي انساقت خلف أردوغان وخطبه الحماسية والتعبوية الرنانة رغم ما تتضمنه من أكاذيب يختلقها الرئيس ليكون في نظرهم بطلاً وزعيماً أسطورياً سيعيد لهم أمجاد الخلافة والإمبراطورية العثمانية، إلا أن هذه الشعبوية الجوفاء ضللت مع الوقت الرئيس أردوغان نفسه الذي أصبحت تنطبق عليه المقولة الدارجة «يكذب الكذبة ويصدقها»، حيث تلبسته أوهام الخلافة وزعامة العالم الإسلامي والهيمنة عليه، وبات من الواضح أن الجوانب السيكولوجية المتراكمة في شخصية أردوغان المتضخمة والمتورمة انعكست على سياساته في إدارة الدولة التركية التي انحرفت إلى منحى راديكالي متطرف في التعاطي مع الأزمات المتلاحقة التي تواجهها تركيا على الصعيد الداخلي والخارجي.
هراء التهديد والوعيد
يواصل الرئيس التركي رجب أردوغان من حين إلى آخر ابتزاز الاتحاد الأوروبي وتهديده بنقل نحو 4 ملايين لاجئ سوري إلى أوروبا، خاصة في ظل الانتقادات ضد التوغل العسكري التركي في الشمال السوري التي وصفها الاتحاد الأوروبي بأنها عملية احتلال، وهي مسألة تكررت مرات عدة خلال السنوات الماضية، فقد سبق أن هدد بفتح المعابر الحدودية أمام اللاجئين السوريين عقب تصويت الاتحاد الأوروبي على تجميد مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في 2016، وفي قضية القس الأمريكي أندرو برونسون الذي اعتقل في تركيا عام 2016 على خلفية اتهامات متعلقة بالإرهاب، حاول أردوغان مقارعة سيدة العالم حينها وتهديدها بفرض عقوبات عليها، فبعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات ضد وزيرين تركيين رد أردوغان بفرض عقوبات مماثلة بتجميد أي أصول في تركيا لوزيري الداخلية والعدل الأمريكيين، ثم تراجع في غضون أيام بعد أن فاق على حقيقة حجم تلك التهديدات وأفرج عن القس الأمريكي دون قيد أو شرط، وكرر الأمر في ديسمبر من العام الماضي حين أعلن أردوغان أن بلاده ستفرض عقوبات على الولايات المتحدة في حال اتخذت تدابير تقييدية ضد بلاده، وذلك على خلفية شراء تركيا أنظمة الدفاع الجوي الروسية «إس 400»، وقبل تلك التصريحات بفترة وجيزة كان الرئيس أردوغان أعلن رفضه لقاء نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو عند زيارتهما أنقرة لإجراء محادثات حول العمليات العسكرية التركية في سورية، وقال حينها «لن أتحدث إلا مع ترمب إذا قدم»، غير أن أردوغان سرعان ما تراجع، والتقى بهما بعد ساعات قليلة من تهديدات ترمب بفرض عقوبات على تركيا إذا لم يُجرِ أردوغان محادثات مباشرة مع بنس وبومبيو.
وعلى خلفية مخالفة تركيا للقوانين الدولية وانتهاكات نظام أردوغان المتواصلة في حوض شرق البحر المتوسطة بإرسال سفن بحرية للتنقيب عن الغاز داخل محيط المياه الإقليمية لليونان، رد أردوغان على انتقادات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متوعداً إياه بـ«المزيد من المشكلات معه شخصياً»، ولكن جرت العادة أن يعود أردوغان صاغراً ويتراجع عن مثل تلك التهديدات التي رغم أنها عادة ما تكون مثاراً للسخرية حين المقارنة بين حجم تركيا وأسلوب مخاطبتها للدول العظمى والقادة وتراجعها المعتاد حين تلامس الخطوط الحمراء التي لا تجرؤ على تجاوزها.
إلا أن ما يدعو للقلق هو استمراء الرئيس التركي للغة التهديد والوعيد المتواصلة التي يطلقها بأسلوب فظ خارج عن إطار اللباقة الدبلوماسية، ويتعاطى مع الملفات الإقليمية بنفس إمبريالي متعاظم يتماهى مع الشخصية الأردوغانية المتضخمة، فهو لا يستطيع تفريغ أعراضه السيكوباتية على الدول العظمى، ولكنه ينفس عنها هنا في المنطقة بنشر القواعد العسكرية وانتهاك سيادة دول الجوار في سورية والعراق ومساعي احتلال ليبيا وتهديد الأمن القومي للدول العربية ودعم الجماعات الإرهابية في المنطقة، الأمر لا يتعلق فقط بالنهج السياسي وإنما هناك علاقة وطيدة مع الجانب السيكولوجي في شخصية أردوغان المصابة بجنون العظمة وعدد من الاضطرابات الأخرى.
أزمة 2013 وانكشاف «الكليبتوقراطية التركية»
في بداية عهد الرئيس أردوغان انطلقت تركيا على ذات المسار الديمقراطي الذي نشأت عليه تركيا الحديثة (الدولة الكمالية)، وحدثت طفرة على الصعيد الاقتصادي والتنموي انعكست على مستوى دخل الأفراد والبنية التحتية، وساهم التدفق الكبير في الاستثمارات الأجنبية في قطاعات عدة إلى ارتفاع معدلات النمو، ولكن ارتفعت معه معدلات الاقتراض والتضخم إلى مستويات قياسية وكان الاقتصاد التركي أشبه بالفقاعة، ولذلك ظل متقلباً في قوائم وكالة «فيتش» الدولية للتصنيف الائتماني ضمن أعلى 10 اقتصادات هشة في العالم.
ثم وقعت أحداث فضيحة تحقيقات الفساد الكبرى المدوية في ديسمبر 2013 وكشفت الوشاح عن الوجه القبيح لـ «كليبتوقراطية السلطة الحاكمة»، إذ أطاحت تلك الكارثة بنصف وزراء الحكومة إلى أن قطع أردوغان الطريق على استقلالية التحقيقات التي كشفت تورط رأس هرم السلطة وعدد من الوزراء وأبنائهم ونواب من الحزب الحاكم في عمليات نهب منظم بملايين الدولارات وعلاقات مع تنظيمات سرية تقوم بعمليات غسل أموال للالتفاف على العقوبات الأمريكية على إيران، وكانت الأجهزة الأمنية التركية قد أجرت حينها تحقيقاً سريّاً حول تلك العمليات المشبوهة ثم ألقت القبض على 52 مشتبهاً جميعهم كانوا على صلات بحزب العدالة والتنمية الحاكم من بينهم سليمان أصلان، مدير بنك «خلق» الحكومي، ورجل الأعمال الإيراني رضا ضراب، وعدد من أعضاء مجلس الوزراء، إضافة إلى أبناء 3 وزراء وهم وزير الداخلية والاقتصاد ووزير البييئة والتخطيط، وبينهم أيضاً عمدة بلدية فاتح، ووجهت إليهم تهم بالرشوة والفساد والتزوير وغسل الأموال وتهريب الذهب، وكان أردوغان حينها في زيارة خارجية إلى باكستان ولم يكن على علم بالتحقيقات. وبمجرد عودته إلى البلاد أجرى عدداً كبيراً من التعديلات الوزارية، ثم بدأت حكومة حزب العدالة والتنمية بعملية تطهير داخل أجهزة الشرطة وإقالة العشرات من قادتها، وعلى رأسهم رئيس شرطة إسطنبول بسبب اجرائه تلك التحقيقات السرية بعيدا عن أعين الحزب الحاكم، وأجرت كذلك تغييرات في أنظمة وزارة الداخلية والعدل تفرض على قوات الأمن إخبار رؤسائهم بتحركاتهم في جميع الأوقات، وحينها اتهمت المعارضة بمختلف أطيافها الحكومة التركية بمحاولة التأثير على مسار القضية.
وكانت ضغوطات تلك الأزمة وتداعياتها تلاحق الرئيس التركي في أوساط الإعلام والمعارضة، وفي ظل تفاقم تداعيات الأزمة، قام أردوغان بحجب موقع «تويتر»، بعد أن تم تسريب عدد من التسجيلات الصوتية على الموقع كشف أحدها عن تورط أردوغان ونجله في القضية، إذ جاء في المقطع الصوتي المنسوب لأردوغان إعطاؤه تعليمات لابنه بلال بالتخلص من ملايين الدولارات المتواجدة في منزله بشكل عاجل.
الانقلاب المزعوم
كانت فضيحة الفساد الكبرى في 2013 على وجه التحديد هي المرحلة الأساسية في حلقة التقلبات المتتالية التي شهدتها تركيا في العقد الأخير، إلى أن وقعت أزمة الانقلاب الفاشل أو المزعوم في يوليو 2016 التي كانت بمثابة المتنفس للخروج من فضيحة الفساد التي لاحقت أردوغان كظله، وتحولت المحاولة الانقلابية إلى ذريعة لاقتلاع جميع المعارضين، وكانت نقطة مفصلية في تحول تركيا إلى «الدكتاتورية» التي فرضتها سلطة الحزب الحاكم «العدالة والتنمية» وحكومة الرئيس أردوغان وأحالت تركيا إلى أحد أكبر المعتقلات السياسية في التاريخ المعاصر.
ففي غضون العامين الأولين اللذين تليا محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، أصدر نظام أردوغان 31 مرسوماً للطوارئ، شن بهذه المراسيم الوضعية أكبر حملة تخوين في التاريخ التركي، وتحولت البلاد إلى أحد أكبر المعتقلات السياسية في التاريخ المعاصر، تجاوز على إثرها عدد السجناء أكثر من ربع مليون معتقل في السجون التي اكتظت بما يفوق القدرة الاستيعابية التي لا تحتمل سعتها سوى 233 ألف شخص بحسب إحصاءات صادرة عن مؤسسات تركية رسمية، وهو ما دفع السلطات إلى تدشين 196 سجناً جديداً حتى 2020 لاستيعاب المعتقلين المعارضين لدكتاتورية أردوغان، إذ يوجد في تركيا 366 سجناً، من بينها 263 سجناً مغلقاً لا يستقبل الزيارات، فيما ارتفع عدد السجناء في تركيا بنسبة 14% عن العام 2017، إذ بلغ إجمالي السجناء 264842 سجيناً وفقاً لمعهد الإحصاء التركي الحكومي، في حين تبلغ نسبة السجناء السياسيين 17% من إجمالي السجناء والمعتقلين، وتؤكد سلسلة من التقارير الأخرى أن عدد المتهمين في الانقلاب المزعوم تجاوز 50 ألفاً.
وأخطر ما في هذه التحركات التي قادها حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، هي تفكيك منظومة السلطات التشريعية والقضاء في تركيا مقابل مضاعفة قوة السلطة التنفيذية للرئيس أردوغان الذي انفرد بالسلطة وواصل سحق المعارضين وكل من ينتقد سياسات الحزب الحاكم والزج بهم في السجون بلا تهم أو محاكمات أو من خلال التهم المعلبة التي تلفق لكل من ينتقد النظام مثل الضلوع في محاولة الانقلاب على السلطة أو الانتماء لجماعات إرهابية أو التجسس لصالح جهات أجنبية، وهي التهم التي تسببت في طرد عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك من وظائفهم والزج بآلاف آخرين في السجون في فترة قياسية منذ 15 يوليو 2016، ومن بين هؤلاء ما لا يقل عن 5 آلاف قاضٍ ومدعٍ عام و30 ألف شرطي و10 آلاف طبيب وأكثر من 50 ألف معلم، جميعهم فصلوا من أعمالهم ويقبع الكثير منهم في السجون، وهذه الإحصاءات استعراض لقليل من كثير، إذ تضم القوائم التي تم رصدها وإحصاؤها من خلال الكم الهائل لمراسيم الطوارئ الصادرة عن الحزب الحاكم منذ مسرحية الانقلاب، أساتذة جامعات وطلاباً وإعلاميين وعمال نقابات، وأفضت في محصلتها بحسب ما أعلنه وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في الذكرى السنوية الرابعة للمحاولة الانقلابية، إلى احتجاز 282790 شخصاً واعتقال وحبس 94975 شحصاً آخر، بعد أن شنت وزارته «99066 حملة أمنية منذ المحاولة الانقلابية وحتى يومنا هذا»، وبين أيضاً أن عدد سجناء المحاولة الانقلابية يبلغ حالياً 25912 شخصاً، بينما بلغ إجمالي الأشخاص الذين تم اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم 597783 شخصاً، فيما تم طرد نجو 150 ألفاً من موظفي الحكومة وأفراد الجيش والشرطة. والمثير في الأمر حقاً، هو أنه لم يتم حتى يومنا هذ نشر «تقرير تقصي الحقائق حول المحاولة الانقلابية» الذي انتهى منه البرلمان التركي في عام 2017.
دولة الرجل الواحد
بعد عام من عملية الانقلاب الفاشل وقمع المعارضة والتي كانت أشبه بمسرحية مدبرة، تم التصويت على إجراء تعديلات على الدستور التركي في أبريل 2017، وعلى إثر تلك التعديلات تحولت تركيا من نظام برلماني إلى جمهوري، أزاح أردوغان من خلاله منصب رئيس الوزراء لينتزع سلطة تنفيذية مطلقة وليصبح نظام الحكم «أوتوقراطياً» تحت إمرة وقبضة رجل واحد، وهو ما ساهم في اغتصاب صلاحيات البرلمان والقضاء على استقلالية القضاء وتقويض السلطات التشريعية مقابل انفراد أردوغان بالسلطة التنفيذية، لتصبح تركيا تحت سلطة فاشية بامتياز.
هذه التحولات الحادة في نظام الحكم التركي الذي تقلب بشكل تراجيدي من الديموقراطية إلى الديكتاتورية تحت خليط من الأوتوقراطية والشوفينية والفاشية والسلطة الاستبدادية بكافة مظاهرها القميئة، لم تحدث بمنأى عن دور فاعل للشخصية الأردوغانية السيكوباتية في إحداث هذه التحولات، فكان من الواضح أن أردوغان استهدف بشكل ممنهج عملية القضاء على الدولة «الأتاتوركية» أو «الكمالية» ليحظى بحقبة تمثله وتخلده، ولا شك أن هذه التحولات لم تكن ستحظى بالقدرة على الاستمرار لولا أن هناك بيئة خصبة لتقبلها خصوصاً في أوساط المناطق الشعبية التي نشأ فيها الرئيس التركي التي تعد القلب النابض للقومية التركية والطبقات الدينية التي كانت مهمشة خلال تسيد الطبقة العلمانية الأتاتوركية مفاصل السلطة، إذ نجح أردوغان بنهجه «الديماغوجي» في مخاطبة البسطاء من أبناء تلك الطبقات الشعبية التي استنهض نعرتها القومية بخطاباته الشعبوية والدينية التي تحمل سمات تعبوية وحماسية رنانة في ألفاظها وطريقة إلقائها رغم ما تحمله من مغالطات وأكاذيب يختلقها الرئيس أمامهم ليظهر في نظرهم بطلاً أسطورياً، فيوهم المتدينين المحافظين بأنه سيعيد لهم أمجاد الخلافة الإسلامية، ويوهم القوميين بأنه ماضٍ قدماً في استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، وبالتالي نجح أردوغان نوعياً في التوظيف الأيديولوجي للدين والعرقية القومية خصوصاً في ظل سحق المعارضة الداخلية عقب عملية الانقلاب الفاشل.
الرئيس الأفاك
الإشكالات المتفاقمة في السياسات التركية تكمن في أن الجوانب السيكولوجية السيكوباتية في شخصية الرئيس أردوغان طغت على الجوانب السياسية في إدارة الدولة، فنهجه الديماغوجي رغم أنه نجح في تضليل وخداع الطبقات الشعبية التي انساقت وراءه، إلا أنه مع الوقت تضلل من وراء هذه الشعبوية الجوفاء التي أصابته بجنون العظمة وأوهام الخلافة التي تدفعه لتقمص أدوار السلاطين في العهد العثماني بما لا يتسق مع الزمن والوضع الحقيقي لتركيا المعاصرة، وفي ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية والإحباطات المتلاحقة إضافة إلى أزمة جائحة كورونا وتراجع الليرة التركية، انعكست هذه الاعتلالات النفسية على سياسات أردوغان بشكل لافت. ويعد «الكذب» من أكثر الصفات السلبية في شخصية الرئيس أردوغان، وقد رصدت «عكاظ» أبرز هذه الأكاذيب في تقرير نشرته الصحيفة بتاريخ 18 سبتمبر 2019 بعنوان: «أردوغان.. الأفاك»، وكان من بين الأكاذيب الشهيرة التي يطلقها لأغراض سياسية وللترويج للدعاية الدينية ادعاؤه بأنه قدم استقالته من مديرية الرياضة في إسطنبول في الثمانينات لأنه رفض الانصياع لأوامر رئيس المديرية بحلق لحيته، إلا أن إحدى الصحف التركية فضحت الكذبة بعد أن نشرت خطاب استقالته المكتوب بخط يده عام 1981، ويؤكد فيه أنه استقال بسبب تلقيه عرضاً وظيفياً مغرياً في القطاع الخاص، ومن ضمن الأكاذيب الأخرى التي كان يطلقها للترويج عن الإنجازات الحكومية في عهده، أن حكومته أنشأت مطاري مدينتي إديامإن وإزمير بينما في الحقيقة تم إنشاء المطار الأول قبل تأسيس الحزب الحاكم بـ4 أعوام فيما افتتح المطار الثاني قبل تأسيس حزب أردوغان بـ15 عاماً، وبات من المكشوف تماماً أن الرئيس التركي يطلق هذه الأكاذيب في سبيل كسب المزيد من التأييد الجماهيري في الأوساط التركية لأغراض انتخابية.
ومن الأكاذيب الأخيرة التي يروج لها الرئيس أردوغان لكسب الدعم في الانتخابات الرئاسية القادمة 2023، هي الترويج بأنه سيستعيد بعض الدول التي كانت واقعة ضمن حدود الدولة العثمانية، مدعياً أنه بحلول 2023 سيستطيع إلغاء اتفاقية «لوزان» بحجة مرور 100 عام عليها، وهو ادعاء كاذب لأن الدولة العثمانية عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 أي قبل توقيع الاتفاقية بنحو 5 سنوات كانت قد فقدت سلطتها على الأراضي التي يدعي أردوغان أنه يسعى لاستعادتها بعد مرور 100 عامة على الاتفاقية، بل إن مصطفى كمال أتاتورك مؤسس دولة تركيا استطاع أن يحافظ على حدود الدولة الحالية من خلال اتفاقية «لوزان» التي وقعت بعد رفض أتاتورك لمعاهدة «سيفر» التي وقعت عليها الدولة العثمانية عام 1920 والتي كانت ستحصل بموجبها على مساحة جغرافية أقل من الحدود الحالية للدولة التركية.
متلازمة التناقضات
يجمع الرئيس التركي رجب أردوغان بين الشيء ونقيضه كجزء من نهجه في التعاطي مع العديد من الملفات، خصوصاً في مسألة العلاقة مع إسرائيل والقضية الفلسطينية التي يتاجر بها، مثل تهديده بقطع العلاقات مع إسرائيل إذا اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لها، إذ قال في خطاب متلفز أمام أعضاء الحزب الحاكم في ديسمبر 2017، موجهاً كلمته إلى الرئيس الأمريكي: «السيد ترمب، القدس خط أحمر بالنسبة للمسلمين»، مضيفاً: «يمكن أن تؤدي بنا هذه القضية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل»، ثم في اليوم التالي اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل ولم يقطع أردوغان علاقاته مع إسرائيل، فهو يحاول أن يبرز للجماهير تبنيه الدفاع عن القضية الفلسطينية، ويلقي في هذا الشأن الخطب العصماء حول رفع الحصار عن غزة والدفاع عن القدس، بينما شهد عهده تطوراً هائلاً في العلاقات التركية - الإسرائيلية على جميع الأصعدة، ففي عهد أردوغان ألقى الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز خطاباً داخل البرلمان التركي عام 2007 وهي سابقة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في أي دولة إسلامية أخرى، وفي 2015 كشف تقرير صادر عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة قائمة أكبر 20 دولة متبرعة وداعمة للفلسطينيين واللاجئين منهم على مستوى العالم، ولم تكن تركيا ضمن قائمة العشرين الأوائل الداعمين مادياَ، فالدعم التركي كان في إطار الخطب الكلامية الفارغة، بينما الدعم المادي ذهب تجاه رفع التبادل التجاري مع إسرائيل الذي تجاوز العام الماضي أكثر من 6 مليارات دولار.
استشاريان نفسيان لـ عكاظ: أردوغان مصاب بـ «البارانويا»
طرحت «عكاظ» عدداً من التساؤلات على استشاريين متخصصين في الطب النفسي حول الجوانب السيكولوجية في شخصية الرئيس التركي رجب أردوغان، وفي هذا الصدد اعتبر رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر الدكتور هاشم بحري، أن تصريحات أردوغان متطابقة إلى حدٍّ كبير مع الزعيم النازي أدولف هتلر في مسألة «التهديد والوعيد»، كما يشترك معه في تأجيج النعرة العرقية القومية لدى الشعب، فكما كان هتلر يؤمن بأفضلية العرق الآري الألماني ويثير النزعة العرقية لدى الجماهير الألمانية في خطاباته، كذلك يفعل أردوغان في مساعيه الواهية بإعادة حقبة الإمبراطورية العثمانية وقوة وقدرة الجنس التركي في سحق خصومه والهيمنة على الآخر.
ووصف الدكتور بحري الشخصية الأردوغانية بأنها أشبه بالبالون المنتفخ، شخصية تضخم من ذاتها وتضخم من قوة وقدرة بلاده المفرطة في التحكم بمصائر العالم، وتتعالى لديه مشاعر العظمة وهي من أعراض الإصابة بالبارانويا التي من أعراضها «جنون العظمة» والشعور بالأفضلية والتفوق في كل شيء حتى لو كان الواقع مختلفاً وعلى العكس تماماً فهو على أتم الاستعداد لرفض هذا الواقع وعدم تقبله، تماماً كما كان الحال مع هتلر.
وقال إنه من المؤسف أن هؤلاء الزعماء لا يتعظون من العبارة الشهيرة «التاريخ يعيد نفسه»، فيكررون أخطاء أسلافهم بنسخة طبق الأصل وكأنهم يرفضون تقبل هذه الحقائق، مؤكداً أن جميع الزعماء المصابين بداء جنون العظمة والتضخم الذاتي (Psycho Inflation) كان مصيرهم الانهيار التام، وأن أردوغان دخل في مرحلة ما قبل الانهيار في إطار تطوراته النفسية التي أدخلته في حالة من العداء مع غالبية دول العالم.
وخلص رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر، إلى أن شخصية أردوغان تجمع بين نوعين من الاعتلالات النفسية، «السيكوباتية» وهي شخصية عدوانية في دواخلها تسخر قدراتها وإمكاناتها للشر، وتحاول إعطاء تصور مغاير تماماً عن حقيقة وواقع هذه الشخصية، إضافة إلى «بارانويا العظمة» وما يصاحبها من أوهام وتخيلات بامتلاكه قدرات خارقة يتفوق بها عن الآخرين.
ومن جهته، أكد استشاري الطب النفسي الدكتور جمال فرويز أيضاً وجود دلالات بارزة على الشخصية البارانويدية أو اضطراب داء العظمة، وهي واضحت المعالم على شخصية الرئيس أردوغان. موضحاً أن هذه الشخصية تعرف في الطب النفسي بأنها شخصية تشككية لا تثق في الآخرين وتتعامل بعدائية مع كل من ينتقد السلوكيات الظاهرة في هذه الشخصية، كما أن هذه الشخصية عادة ما ترفض العمل الجماعي وتميل إلى العمل الفردي وقد تنجح في بادئ الأمر ولكن عادة ما ينتهي بتدمير ما تم تحقيقه.
وبين أن شخصية أردوغان على الواقع تتطابق منذ مراحل حكمه المبكرة مع الشخصية المصابة بأعراض «بارانويا العظمة»، مستشهداً بأنه في بدايات بروزه في المنطقة كان ينادي بتحالف الدول السنية في الشرق الأوسط، وحين وجد أن هذه القوى لن تنقاد خلفه سرعان ما تغير نمط سياساته تجاهها ومال إلى معاداتها، وحين تقارب مع الجانب القطري كانت طبيعة العلاقة محصورة في استغلالها مادياً دون أدنى مبالاة أو اكتراث بمسألة اعتبارها دولة تشاركه في التوجهات بل مجرد أداة وغاية في سبيل تحقيق تطلعاته وأهدافه، ونتيجة للإصابة بالبارانويا أصبح في حالة من العداء المتفاقم مع دول الجوار والدول الأوروبية والعظمى، بل إن غالبية الدول التي يحالفها لا يستطيع التناغم معها إيجابياً باستمرار؛ لذلك تركيا في حالة شبه عداء مع الجميع، مضيفاً أن علاقاته الإيجابية مع دولة ما قد تنقلب على النقيض تماماً بمجرد التعرض إلى انتقاد.
وتابع الدكتور فرويز أن شخصية أردوغان مصابة بهوس العظمة بشكل واضح تماماً، فهو يعتبر نفسه وريث الدولة العثمانية وسلطاناً عثمانياً غازياً، ويحاول أن يتقمص هذه الشخصية حتى في الملبس، وعادة هذه الحالات البارانودية تتضخم ذاتها بعشرات أضغاف حجمها الطبيعي، وهذا ما يفسر طبيعة التصريحات المتضخمة ضد زعماء الدول الكبرى.
وأكمل: إن أردوغان لن يتخلى عن السلطة ولن يتقبل أي خسارة محتملة في الانتخابات الرئاسية، وحينها قد يميل نحو مواجهة مسلحة من أجل فرض بقائه فيها.