كتاب ومقالات

أرجوك.. لا تخجل.. لا تزهل.. لا تكفل

فراس ابراهيم طرابلسي

لا يكاد يمضي يوم إلا ويتم تداول قصة مؤسفة من قصص الفزعة غير المدروسة لأناس قاموا بتوقيع عقد كفالة لأصدقاء أو أفراد من العائلة أو الجماعة وباتوا مهددين بالحبس أو المنع من السفر جراء تخاذلهم في أداء مقتضيات الكفالة سواء كانت حضورية أو غرمية، وهو الأمر الذي ينتهي في غالب الأمر بنهاية مؤسفة ألا وهي توجه الكفيل لأهل الخير لتقديم الدعم والعون وإخراجه من مغبة كفالته غير المحسوبة. علماً أن المقالات التثقيفية والأنظمة الشرعية فصلت بشكل واضح في أثر الكفالة وأهمية الفطنة والتريث قبل الإقدام على هذه الخطوة، بيد أنه لا حياة فيمن تنادي، حيث إن كل من ينزلق في إجراءات الكفاله يرى نفسه بمنأى عن الانتهاء لنتيجة مشابهة للمأسوف عليهم من قصص الكفلاء الغارمين، وحال نفسه يقول جملة من جمل الثقة من قبيل (رفيقي مختلف ولن يخذلني بعد وقفة الشهامة هذه) أو (فلان ما منه خوف) ولكن ينتهي به الأمر إلى استحضار جملة (تعدد المصائب والمكفول واحد)، بعد أن يتنصل المكفول ويبدأ بالتبرير بصعوبة الأداء ويطالب كفيله بالصبر واستكمال موقف الشهامة إلى آخر مراسيه.

لذا، فقد أرتأيت تسليط الضوء في هذا الموضوع وأسبابه وتبعاته، تأسياً بالآية الكريمة {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، فالكفالة وإن كانت أمراً محموداً حث عليه الدين الحنيف في التكافل ولهفة المحتاج الذي ألمت به نائبة من نوائب الزمان، ولكن الحال قد اختلف، فلم يعد المكفول الصادق المبتلى يعي قيمة التضحية ويثبت في تبعاتها على كفيله الشهم المغلوب. خصوصاً في ظل تبعاتها الكارثية.

وبما أن الغالب من الكفلاء لا يقومون بهذه الخطوة إلا من منطلق الفزعة أو الخجل من تبعات تخاذلهم عن القيام بدورهم في لهفة قريب أو صديق فنصيحتي الصادقه لهذا النوع ممن تحلوا بأخلاق الفرسان ما يلي:

لا تخجل: فإن خجلك من المكفول في أن يعاتبك على تركه في مصيبته أهون بكثير من خجلك وأنت تقف على أبواب أهل الخير والأقارب والأصدقاء لإقناع المكفول بالوفاء أو بمساعدتك بالوفاء نيابة عنه للخلاص بنفسك أو لتجنب تبعات الكفالة من سجن أو منع سفر وإيقاف الخدمات والحسابات البنكية.

لا تزهل: فالفزعة وإن كانت تخالطها لذة الشهامة وأنت تلقب بـ (ذيبان، وكحيلان) أو تنادى بـ(جابر عثرات الكرام) ولكن نهايتها قد تكون غير مأمونة للكفيل، وحتى حال كانت مجرد كفالة حضورية لا تتضمن أي وفاء مادي فهي خطيرة وقد تتحول في بعض الحالات إلى كفالة حضورية غرامية وفقاً للنظام وفي حالات محددة.

وختاماً لا تكفل: سواء كان المكفول مليئاً أو معسراً، فالنظام لم يشترط إعسار المكفول لتؤدي نيابة عنه والدائن مخير بالتوجه للكفيل أو المكفول للوفاء بالدين. وعليه، فما لم تكن متيقناً أنك قادر على الوفاء بكامل حق الدائن بما لا يلحق الضرر بك أو بتثبت غير منقطع أن لك من المقدرة على إحضار الشخص للجهة الطالبة حضوره دون عمل جولات مرثونية للبحث عنه، فالزم بر الأمان واعتذر اعتذار الواثق أن اعتذاره لا ينقص من شهامتك ونظرة الناس إليك، فالنظرة لك بأنك خذلت صديقاً لم يأخذ حذره فالوقوع فالنوائب، أهون بكثير من نظرة الناس لك بأنك وقعت باختيارك في ما لا يحمد عقباه.

محامٍ وكاتب سعودي

Firastrabulsi1 @