منوعات

عبدالله نصيف.. وجيه لم يزده جلال العلم إلا بياضاً

عبدالله نصيف

طالب بن محفوظ (جدة) talib_mahfooz@

عند أواخر الثلاثينيات الميلادية، احتفى قصر عالم جُدَّة وصدرها ودائرة معارفها الناطقة، التاجر العلامة الأفندي «محمد نصيف»، بولادة حفيده «عبدالله».. «الجد» اصطحب حفيده أينما ذهب وارتحل، و«الحفيد» تأثر بجَدِّه، ورافقه، وخدمه، وأكرم ضيوفه، وحضر مجالسه حتى وفاته.. وعندما مات «أبو عبدالله»، تولت أمه تهذيبه وتنشئته وتعليمه.. وحين خرج من أسرة «أرستقراطية» علماً ومالاً، عاش مكافحاً مثل حياة البسطاء.. إنه متعدد المواهب والمهام الدكتور عبدالله نصيف.

لم يزده العيش في بيت محاط بجلال العلم إلا تواضعاً متوارثاً.. ولم تزده معايشة أجواء الوجاهة إلا روحاً صافية.. وبين هذه «العيشة» وتلك «المعايشة»؛ سمات إنسان، بخُلُقِ أدب، وفيض علم، وصبابة سماحة.. وفي دائرة عائلته العلمية؛ متعلم مصغٍ وعالم موزون.. ومن تفاصيل أسرته وسمتها؛ أخذ صفاء الروح واتقاد الفكر. وفي الابتدائية السعودية بحارة الشام؛ لم يكن طالباً مدللا عند مديرها «أبيه».. وفي مدرسة «أُمِّه»، قائدة أول صرح تعليمي للبنات بجُدَّة «المدرسة النصيفية»؛ حفَّظته القرآن، ودرَّسته الدين، وتابعت تحصيله العلمي.. وفي نظام الحياة؛ علَّمته الطبخ والتنظيف، وترتيب أحذيته وفراشه وملابسه، وصحبته في جولاتها الدعوية بأحياء عروس البحر وقراها المجاورة.

أما أبناؤه فتلقفوا رسائله التربوية التي فاقت كل الرسائل بحب التعلُّم.. في هيئةٍ سَمُوح، ووجهٍ صَبُوح، وطلةٍ طَمُوح، ضمير صافٍ مليء بتوازنات علاقات مجتمعية.. وفي هندامه الأبيض، ولحيته البيضاء؛ جزء من بياض قلبه، وسريرة روحه، وسمو قدره.. وفي جسده النحيل، وطلته الأنيقة، وابتسامته الناصعة؛ قامة رفيعة وقيمة مرفوعة.

وقبيل سن الثمانين دهمه المرض جُملة دون أن يشعر.. ومنذ بداياته كان منضبطاً في برنامجه الغذائي، صارماً في المشي والرياضات البدنية.. ومن معالم نظام وقته؛ ينام مبكراً ويصحو فجراً.. لم يتأخر عن موعد، ولم يتنازل عن زمن هارب.. ولما ابتعد عن الإطراء والمباهاة؛ أخذ من «التراث» أصفاه، ومن «العصرية» مبتغاه. عندما ظفر برصيد متراكم مكنوز في قلوب الناس؛ كان أيقونة قوة ناعمة بمواقع العلم والتعلّم، والشورى والحوار، والإنسانية.. لم يبتعد عن قاعات الدرس إلا بإنهاك المرض.. وفي مؤسسته الخيرية وصندوقه التكافلي؛ أفكار متَّقدة وخدمات مجتمعية راقية.. رجل عشق الديمومة والإتقان في مهامه، أكاديمياً وقيادياً وداعية وكشفياً.