لماذا تبشر جائحة كورونا بميلاد «المملكة الرقمية»
الأربعاء / 06 / صفر / 1442 هـ الأربعاء 23 سبتمبر 2020 12:41
أحمد هوساوي
لا شك أن فايروس كورونا المستجد تمكن من تغيير الطريقة التي نعيش ونعمل بها. وعلى الرغم من أن الاجتماعات عبر الفيديو وتطبيقات الأجهزة المحمولة لم تُخترع خلال فترة انتشار الوباء، إلا أنها جميعاً أصبحت بدائل لا يمكن الاستغناء عنها.
لقد أصبحنا جميعاً خبراء في التعامل مع أجهزتنا الإلكترونية من أجل تلقي الاستشارات الطبية، أو لطلب المأكولات، أو للتواصل مع زملاء العمل والأقارب، أو حتى في التوقيع الإلكتروني على المستندات. إنني على ثقة من أنّ هذه الخبرات المتراكمة تمثل محفزات فعلية للتحول الرقمي في كافة القطاعات بالمملكة.
إنّ العزل المنزلي وتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي كانا سبباً رئيسياً في زيادة الاعتماد على الحلول الرقمية، من أجل استمرار تشغيل المصانع والمنشآت الإنتاجية والمحافظة على أمن وسلامة البنايات، كما أجبرت تلك الأزمة الجميع، بما في ذلك البلديات والمطورين العقاريين، على إدراك حقيقة مهمة وهي أنّ التكنولوجيا التي كانت رفاهية منذ شهور قليلة قبل الأزمة، أصبحت تمثل الآن ضرورة ماسة للحياة اليومية.
إنّ أكثر الأمور المثيرة للاهتمام في التحول الرقمي هو أنّ الاستثمارات التي تتم اليوم في هذا المجال تضع أسساً متينة للقيام بأي تطور رقمي في المستقبل، بما في ذلك التوائم الرقمية والمدن الذكية. والآن تبدأ المملكة العربية السعودية حقبة جديدة في مسيرتها التكنولوجية، حيث ستتحول لما يمكن أن نُطلق عليه «المملكة الرقمية».
هذا ويمثل التحول الرقمي أحد المكونات الأساسية في رؤية المملكة 2030، حيث يبرز هذا التحول بصورة جليّة في قطاعي التنمية الصناعية الوطنية والخدمات اللوجستية، وتنمية الثروة البشرية وبرامج التحول الوطنية الأخرى. وتؤدي هذه الخطط جميعها لنفس النتيجة، حيث يتمكن التحول الرقمي من الربط بين الصناعة والحكومة والاقتصاد بصورة لم يكن من الممكن تخيلها من قبل.
ويمكننا الآن الاعتماد على القوة الهائلة للبيانات في تطوير الصناعات وبناء مدن المستقبل وتقليل الانبعاثات الكربونية وتوفير المهارات الفنية والوظائف المتميزة لشباب المملكة في كل المجالات.
وسيتمكن المواطنون في «المملكة الرقمية» من العيش والعمل والتعلم في المدن الذكية، والتي يستفيد فيها الجميع من البنية التحتية الذكية والإدارة الرقمية لحركة المرور والتحكم في جودة الهواء وكفاءة استخدامات المياه وشبكات شحن المركبات الكهربائية ونظم المواصلات التي تعمل من دون سائق وغيرها.
إنّ هذه المنظومة الهائلة يدعمها خلف الستار ملايين الحساسات المتصلة معاً عبر الإنترنت، وهو ما ينتج عنه كم هائل من البيانات التي يتم تحليلها لمنح مخططي المدن القدرة على تحديد مجالات تطبيق حلول التشغيل الآلي وتحسين معدلات الأداء من أجل زيادة مستويات الراحة والسلامة والكفاءة التشغيلية. إننا بالفعل نستشرف هذا المستقبل ونرى بشائره في مجمعات الأعمال والمكاتب والجامعات، إلا أنّ إمكانيات تطبيق التحول الرقمي بالكامل في المدن وعلى المستوى الوطني بأكمله أكبر بكثير من كل توقعاتنا، كما أنها ستوفر مزايا بيئية هائلة مما يجعل الهواء أكثر نظافة وكوكبنا أكثر صحة وسلامة.
إننا نشهد الآن كيف تعمل مصانع «المملكة الرقمية» بأقصى طاقتها، وكيف يتم خدمتها وصيانتها عن بُعد، وتحديثها بسرعة فائقة، من أجل تلبية رغبات وتفضيلات المستهلكين المتغيرة باستمرار. إنّ أحدث التطبيقات والحلول التكنولوجية مثل التوائم الرقمية لم تعد تمثل وعوداً خيالية، ولكنها حقيقة واقعة ومثبتة لا تحتاج سوى للتطوير والتطبيق الفوري.
أخيراً وليس آخراً، يمثل الشباب في «المملكة الرقمية» الفئة الأكثر استفادة من الاستثمارات في عملية التحول الرقمي، خاصة في مجالات التعلم الافتراضي وتنمية المهارات وفرص العمل. وهنا تلعب سيمنس دوراً محورياً في تلك المجالات من خلال شراكاتها المباشرة مع الجامعات، والفرص التدريبية وبرامج التدريب الصناعي التي تنظمها بما يؤكد التزامها بالتوطين وجهود السعودة.
إنّ التحول الرقمي يمثل بحق فرصة عظيمة للاقتصاد السعودي والسعوديين والمملكة، وهو ما يجعل الاستثمار في التكنولوجيا وتدريب مواهبنا الشابة على كيفية جني ثمار التكنولوجيا في مستقبل المملكة الرقمية أموراً لا مفر منها. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهنا حالياً، إلا أن الأفضل قادم إن شاء الله.
* الرئيس التنفيذي لشركة سيمنس في المملكة العربية السعودية