زوايا متخصصة

ابن مقبل.. الفتى الحجر

عيون شعرية

إعداد: محمد المشرعي mmashraee2@

الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، والأخلاق السامية الرفيعة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل، من الشعراء: تميم بن أُبَيّ بن مقبل بن عوف بن حُنيف بن قتيبة بن العجلان، شاعر جاهلي أدرك الإسلام فأسلم، وعدّ في المخضرمين. اعتبره الجمحي في كتابه «طبقات فحول الشعراء» شاعراً مجيداً وصنّفه في الطبقة الخامسة من شعراء الجاهلية، مقدماً إياه على عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة وعنترة بن شداد الذين وضعهم في الطبقة السادسة.

بكى ابن مقبل أيام الجاهلية، وخصص لرثائها قصائد كاملة، ويرتبط بعبارة التمني «لو أن الفتى حجرٌ» التي ساق على معناها شعراء لاحقون منهم محمود درويش، توفي ابن مقبل سنة 37هـ. من شعره في «الدهماء»:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ القَلْبَ ثَابَ وأَبْصَرَا

وجَلَّى عَمَايَاتِ الشَّبَابِ وأَقْصَرَا

وبُدِّلَ حِلَماً بَعْدَ جَهْلٍ ومَنْ يَعِشْ

يُجَرِّبْ ويُبْصِرْ شَأْنَهُ إِنْ تَفَكَّرَا

أَبَى القَلْبُ إِلاَّ ذِكْرَ دَهْمَاءَ بَعْدَمَا

غَنِينَا وأَضْحَى حَبْلُها قَدْ تَبَتَّرَا

وكُنَّا اجْتَنَيْنَا مَرَّةً ثَمَرَ الصِّبَا

فَلَمْ يُبْقِ مِنْهُ الدَّهْرُ إلاَّ تَذَكُّرا

وعمْداً تَصَدَّتْ يَوْمَ شَاكِلَةِ الحِمَى

لِتَنْكَأَ قَلْباً قَدْ صَحَا وتَوَقَّرَا

عَشِيَّةَ أَبْدَتْ جِيدَ أَدْمَاءَ مُغْزِلٍ

وطَرْفاً يُرِيكَ الحُسْنَ أَحْوَرَا

وأَسْحَمَ مَجَّاجَ الدِّهَانِ كَأَنَّهُ

عَنَاقِيدُ مِنْ كَرْمٍ دَنَا فَتَهَصَّرَا

وأَشْنَبَ تَجْلُوهُ بِعُودِ أَرَاكَةٍ

ورَخْصاً عَلَتْهُ بِالخِضَابِ مُسَيَّرَا

فَيَا لَكَ مِنْ شَوْقٍ بِقَلْبٍ مُتَيَّمٍ

يُجِنُّ الهَوَى مِنْهَا ويَا لَكَ مَنْظَرَا

ومَا أَنْس مِل أَشْيَاءِ لاَ أَنْسَ قوْلَهَا

وقَدْ قُرِّبَتْ رِخْوَ المِلاَطَيْنِ دَوْسَرَا

أَلاَ يَا اجْتَدِينَا بِالثَّوَابِ فَإِنَّنَا

نُثِيبُ وَإِنْ سَاءَ الغَيُورَ المُحَذِّرَا

سَقَاهَا وإِنْ كَانَتْ عَلَيْنَا بِخَيلَةً

أَغَرُّ سِمَاكِيُّ أَقَادَ وأَمْطَرَا

تَهَلَّلَ بِالغَوْرَينِ غَوْرَيْ تِهَامَةٍ

وحُلَّتْ رَوَايَاهُ بِنَجْدٍ وعَسْكَرَا

لَهُ قَائِدٌ دُهْمُ الرَّبَابِ وخَلْفَهُ

رَوَايَا يُبَجَّسْنَ الغَمَامَ الكَنَهْوَرَا

وكَانَ حَيا بِالشَّامِ أَيْسَرُ صَوْبِهِ

وأَحْيَا حَيَا عَامَيْنِ فِي أَرضِ حمْيَرَا

وبَاتَ يَحُطُّ العُصْمَ مِنْ أَجْبُلِ الحِمَى

وهَمَّتْ رَوَاسيَ صَخْرِهِ أَنْ تَحَدَّرَا

وغَادَرَ بِالتَّيْهَاءِ مِنْ جَانِبِ الحِمَى

مِنَ المَاءِ مَغْمُورَ العَلاَجِيمِ أَكْدَرَا

ولاَ قَرْوَ إِلاَّ قَرْوَ رَيِّقِهِ ضُحىً

بِعَبْسٍ ونَجَّتْ طَيْرُهُ حِينَ أَسْفَرَا