ما ينتجه المقيمون في دولنا يعد إنتاجاً ثقافياً محلياً
وزيرة الثقافة والشباب الإماراتية لـ عكاظ :
الجمعة / 08 / صفر / 1442 هـ الجمعة 25 سبتمبر 2020 03:58
حوار: أروى المهنا (أبوظبي) arwa_almohanna@
العلاقات السعودية الإماراتية لا يقتصر ازدهارها هذه الأيام على السياسة والاقتصاد، بل تذهب إلى الحقول الثقافية، فوزيرة الثقافة والشباب الإماراتية نورة الكعبي ترى أن الإمارات والمملكة في سعي دائم للتكامل، وأن «القطاع الثقافي جزء أصيل من هذه الشراكة».
وتقول وزيرة الثقافة والشباب الإماراتية، إن الثقافة والفنون في المملكة تعيش «عصرها الذهبي»، وترى أن وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود «أحدث منذ توليه وزارة الثقافة، طفرة لافتة في القطاع الثقافي في المملكة».
وتضيف: «فتحت رؤية المملكة 2030 آفاقاً أمام المبدعين، بما يخلق حواراً ثقافياً له عمقه بين السعودية ودول العالم محوره الإبداع والفن»، مؤكدة «بدأنا في رؤية ثمار الإستراتيجية الثقافية السعودية الجديدة في مختلف المجالات الثقافية والفنية».
ولا تخفي الوزيرة الإماراتية إعجابها بالمنتج الثقافي السعودي، إذ ترى أن الفنانين السعوديين «يمتلكون إمكانات إبداعية مميزة، وطاقات مُلهمة تؤهلهم للمشاركة والتواجد في أهم المحافل الفنية العالمية».
ويحضر الكتاب السعودي دائماً في مكتبة الوزيرة الإماراتية، إذ تعده ضمن أجندتها المفضلة للقراءة، وتشير إلى أن الإنتاج الأدبي للأدباء السعوديين يتسم بـ«سمات لافتة من جرأة الطرح وعمق الفكرة».
وعن جدلية هوية المنتج الثقافي الذي ينتجه المقيمون من غير المواطنين، أكدت الكعبي أن كل ما ينتج من قبل جميع المقيمين في دولنا هو «إنتاج فني وثقافي محلي بالالتحاق، يُنسب للبيئة التي أنتج فيها، باعتباره منتجاً إنسانياً خالصاً»، وتناولت في الحوار العديد من القضايا الثقافية وحضور الفن والأدب الخليجي عربياً، فإلى نص الحوار:
• معالي الوزيرة، لماذا ارتبط الشباب مع الثقافة في وزارة؟
•• يعد الشباب عصب الثقافة والإبداع والقوة المحركة لأي فعل ثقافي مؤثر على المستويين المحلي والدولي، وقد جاء إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، خلال التشكيل الوزاري الأخير في يوليو 2020، بدمج وزارة الثقافة وتنمية المعرفة مع المؤسسة الاتحادية للشباب والمجلس الوطني للإعلام لتصبح «وزارة الثقافة والشباب» انطلاقاً من توجهات دولة الإمارات بتمكين الشباب في القطاع الثقافي والإبداعي، إذ نعمل حالياً على إعداد إستراتيجية وطنية متكاملة لتطوير قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية في الإمارات، ليكون المنتج الثقافي والإبداعي أحد الروافد الاقتصادية الأساسية.
يحتل ملف الشباب أولوية حكومية نرى أثرها في تسريع وتيرة العمل على المبادرات الوطنية التي تستهدف الشباب، فقد حققت معالي الأخت شما المزروعي وزيرة الدولة لشؤون الشباب إنجازات مهمة خلال السنوات الماضية منذ توليها ملف الشباب، وسنعمل معاً في خطتنا المستقبلية على التركيز على المشاريع والبرامج التي تستثمر في مواهبهم وقدراتهم، لتمكينهم من المساهمة في القطاعات التنموية الواعدة بالدولة.
ومن هنا يأتي دورنا كوزارة للثقافة والشباب، لدينا ضمن إستراتيجيتنا الجديدة مكان للمراكز الإبداعية وحاضنات الأعمال، ستكون مسؤوليتها تدريب وتأهيل المواهب الوطنية وتوجيهها، فنحن في النهاية نرغب بأن ننجح في صناعة منتج وطني إبداعي قادر على الانتشار والمنافسة عالمياً، وفي سبيل ذلك لن نتردد في توظيف القدرات الوطنية والموارد المحلية المتاحة لاستنهاض المنتج الثقافي والإبداعي في سعينا لجعله واحداً من روافد اقتصادنا الوطني، كل ذلك سيكون بالتوازي مع حفظ التراث الوطني وتعزيز حضوره بين الشرائح الشابة، نهدف من ذلك لاستدامة تناقله للأجيال القادمة داخلياً، والترويج له عالمياً كسمةٍ وطنية أصيلة.
أود أن أشير إلى أن منظومة البيانات والدراسات ستعمل على تطور المعطيات المعرفية للدولة في قطاع الشباب، مما سيتيح لنا تصميم البرامج والسياسات والتشريعات التي تناسب قطاعهم، وتعود إيجاباً على الاستثمار بقدراتهم، إضافة إلى المجالس الشبابية التي ستخضع للتطوير المستمر ستنضم إليها شريحة أخرى من المراكز الإبداعية والشبابية، نثق في قدرات شبابنا ونريد لهم أن يكونوا واجهة حيوية للدولة من خلال تمثيلها في المحافل والمعارض والمؤتمرات الإقليمية والدولية.
• لفتني وجود خدمة تسجيل القطع الثقافية المستعارة من ضمن الخدمات المقدمة في وزارتكم، ما هذه الخدمة؟ وكم عدد القطع التي وفرتم لها حصانة وحماية فترة وجودها في الدولة؟
•• في عام 2017 أصدرت دولة الإمارات قانوناً خاصاً بشأن حصانة القطع الثقافية الأجنبية من الحجز أو المصادرة، يغطي القانون كل قطعة ثقافية يستعيرها أحد المتاحف أو المعارض في الدولة، ومن خلاله تقدم وزارة الثقافة والشباب خدمة تسجيل تلك القطع بغرض توفير الحصانة والحماية لها طوال فترة عرضها في الدولة.
يمثل تصنيف وتوثيق القطع الأثرية في متاحف الدولة جزءاً من مهماتنا الأساسية في الحفاظ على التراث الإنساني وحمايته، فكل قطعة لديها شهادة منشأ تتضمن معلومات شاملة عنها، ونبذة عن أهميتها التاريخية والإنسانية والثقافية، كما أن كل قطعة لها رقم دولي.
في مقاربة بسيطة لندرك أهمية هذا القانون، بلغ عدد القطع الأثرية التي دخلت الدولة في عام 2019 نحو 1225 قطعة ثقافية وأثرية توزعت على 8 معارض، فيما وصل عدد القطع التي دخلت الدولة في عام 2020، 377 قطعة عُرضت في 3 معارض، تكشف هذه الأرقام أهمية خدمة القطع الأثرية المستعارة وحمايتها بغرض المحافظة عليها وضمان عودتها إلى وجهتها الأصلية بعد الانتهاء من عرضها في الدولة.
• التعاون السعودي - الإماراتي في المجالات الثقافية مكثّف، ما أبرز هذه الملفات الثقافية؟
•• دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية في سعي دائم للتكامل، والقطاع الثقافي باعتباره واحداً من أهم الجسور التي تُقرب المسافات، جزء أصيل من هذه الشراكة. وهذا ما يفسر تلك القفزات الإستراتيجية التي ميزت العلاقات الثقافية بين الإمارات والسعودية طوال العقد الماضي.
جاء توقيعنا لمذكرة التعاون في المجال الثقافي عام 2019، تتويجاً لهذه الشراكة الثقافية، واستهدفت تطوير آفاقها في المجالات الإبداعية والثقافية، وتغطي مناطق واسعة من المشاريع الإستراتيجية المشتركة، والأنظمة واللوائح والسياسات المعنية بالجانب الثقافي، وتعمل على تنسيق الجهود بين الطرفين في المجالات الثقافية مع المنظمات الدولية، والتعاون في مجالات الثقافات والأدب والفنون والتراث، والمحافظة على المناطق الثقافية الأثرية والطبيعية، واستضافة المهرجانات الثقافية الوطنية، وتنمية القطاعات الثقافية وتطوير برامج الإقامات الفنية بين المؤسسات الحكومية والأهلية، وتسهيل الإجراءات التي من شأنها تعزيز الشأن الثقافي في البلدين، وتبادل العروض الأدائية والوفود الرسمية والخبراء المختصين في مختلف المجالات الثقافية، وإقامة البرامج التدريبية وجلسات العمل وتطوير القدرات وعقد الندوات للمختصين والمثقفين والفنانين.
العام الماضي، شهد أيضاً حدثاً لافتاً يُترجم كثافة التعاون السعودي - الإماراتي على أرض الواقع، إذ استضاف متحف اللوفر أبوظبي المحطة الخامسة عشرة من معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية - روائع آثار المملكة العربية السعودية عبرالعصور» الذي عكس جانباً من الأنماط المعيشية في الحضارات المشتركة في الجزيرة العربية، خصوصاً المتعلقة منها بالصحراء، والفروسية، والجمال، والصيد بالصقور.
• يبدو أن التعاون السعودي - الإماراتي الثقافي يشهد أزهى عصوره.. أليس كذلك؟
•• صحيح، ثمة محطات كثيرة من الفعاليات والمبادرات الثقافية التي أقيمت في المملكة العربية السعودية كان لنا حضور فاعل فيها، نستذكر منها جناح الإمارات المشارك في مهرجان سوق عكاظ الذي لاقى إقبالاً كبيراً من الزوار بلغ أكثر من 50 ألف زائر، عرضنا خلاله تجربتنا الناجحة في تسجيل عدد من ركائز التراث الإماراتي في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في اليونسكو، والمتمثلة بالصقارة والسدو والتغرودة والعيالة والقهوة العربية والمجالس والرزفة والعازي، إلى جانب تسليط الضوء على مختلف أشكال الموروث الثقافي والشعبي لدولة الإمارات، وكان لنا تواجدنا في الاحتفاء باليوم الوطني السعودي، كما نظمنا أمسية شعرية مشتركة بمشاركة شعراء من المملكة والإمارات، فضلاً عن مشاركة الوزارة في معرض الرياض الدولي للكتاب في نسخته لعام 2018، مشاركة ساهمت في إبراز ثقافة دولة الإمارات كونها تضمنت ندوات أدبية وورش عمل مختصة في قضايا النشر وصناعة الكتاب والقراءة، إضافة إلى تنظيم جلسات مع مؤلفي الكتب، كما قمنا بزيارة رسمية لنسخة 2019 بمشاركة عدد من الكتاب والأدباء من الإمارات.
زرنا العام الماضي القصر الأحمر للفنان الأمير سلطان بن فهد بن ناصر آل سعود الذي يُعتبر واحداً من أهم وأبرز التراث العمراني السعودي، ثم انتقل المعرض لمحطته التالية في المجمع الثقافي بأبوظبي الذي أصبح الآن متاحاً بشكل افتراضي.
كما شاركنا في معرض مسك للفنون عام 2018 الذي عكس لنا المستوى الراقي للفنانين والمبدعين السعوديين وملكاتهم وإمكاناتهم الإبداعية اللافتة، وقدرتهم على التنوع بين مختلف المدارس والأساليب الفنية ما بين الفن التشكيلي، والخط العربي، والزخارف الإسلامية، والفنون المعاصرة.
• يبدو أن الحراك الثقافي في المملكة مختلف عن الأعوام الماضية، كيف ترينه؟
•• تعيش الثقافة والفنون في المملكة العربية السعودية عصرها الذهبي في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين، فقد أحدث صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود منذ توليه وزارة الثقافة، طفرة لافتة في القطاع الثقافي في المملكة.
فتحت رؤية المملكة 2030 آفاقاً واعدة أمام الشباب السعودي والرامية لبناء قدرات بشرية واعدة تحول الموهبة إلى مشروعات وطنية ناجحة تخدم المملكة وأهدافها السامية، وتفتح الآفاق أمام المبدعين، بما يخلق حواراً ثقافياً له عمقه بين السعودية ودول العالم محوره الإبداع والفن. تنطلق الرؤية الثقافية السعودية من جعل الثقافة والفنون أسلوب حياة ورافداً مهماً في الاقتصاد الوطني، وتنشيط السياحة، وتوفير منتج ثقافي وفني مميز.
لقد شكل تأسيس 11 هيئة ثقافية تحت مظلة وزارة الثقافة نقطة تحول كبيرة في تطوير وإدارة القطاع الثقافي السعودي بمختلف تخصصاته واتجاهاته، بما يسهم في دعم وتشجيع الممارسين في التخصصات التي تقع ضمن اختصاص الهيئات. بدأنا في رؤية ثمار الإستراتيجية الثقافية السعودية الجديدة في مختلف المجالات الثقافية والفنية، حتى على الصعيد الدولي بعد فوز المملكة العربية السعودية بعضوية المجلس التنفيذي لليونسكو.
• تقود السعودية ملف الخط العربي في منظمة اليونسكو بمشاركة دول عدة، كيف ترى معاليكم هذه الخطوة في توثيق هذا التراث غير المادي؟
•• تبني المملكة العربية السعودية لملف الخط العربي في منظمة اليونسكو وبمشاركة من 16 دولة عربية نعده تحركاً إيجابياً ومهماً في سبيل إعداد ملف عربي مشترك لتسجيل الخط العربي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي، تسعى من خلاله إلى حماية الهوية العربية من الناحية الثقافية، وتعزيز وجود الخط العربي في المنتديات والمؤتمرات المحلية والدولية.
الخط العربي ليس نمطاً للكتابة فحسب، بل هو عمق ثقافتنا وحضارتنا العربية، وهو ناقل للمعرفة، وأحد وسائل بناء الحضارات الإنسانية عبر التبادل الثقافي والترجمة منذ قرون، ومن هنا نقدر عالياً جهد المملكة العربية السعودية راعيةً لملف الخط العربي، وهي خطوة لها ما بعدها على صعيد تحفيز ممارسات الخط العربي، ونشر فنونه للمتخصصين والموهوبين وإبراز جمالياته، وتشجيع النشء على استخدامه.
ولعل سؤالك يدفعني لأسلط الضوء على جائزة البردة التي تنظمها وزارة الثقافة والشباب وحرصها على تمكين الشباب من فنون الخط العربي بشقيه التقليدي والحديث، الجائزة التي أطلقت عام 2004 كرمت أكثر من 300 فائز تقديراً لعملهم المميز في مجال الفن الإسلامي، وكانت حصيلتها من الأعمال الفنية نحو 300 عمل في مختلف أشكال الفن الإسلامي، وعملت كمنصة إماراتية عالمية تحتفي بالتنوع في الثقافة الإسلامية وممارساتها الجمالية، وتكريم الإبداع المميز للأنماط الفنية الإسلامية وتقدير اللغة العربية وجمالياتها.
• يبدو أن هناك جهوداً مشتركة بين السعوديين والإماراتيين في حفظ التراث.. ما أبرز هذه الملفات؟
•• تعاونت دولة الإمارات مع المملكة العربية السعودية في تسجيل عدد من العناصر المشتركة على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى اليونسكو كفنون التغرودة عام (2012) والعيالة عام (2014) والرزفة عام (2015) وكذلك المجالس والقهوة العربية، أخيراً تم إدراج النخلة على القائمة التمثيلية لليونسكو عنصراً عربياً مشتركاً بقيادة دولة الإمارات وبمشاركة 13 دولة عربية.
المملكة العربية السعودية نجحت في تسجيل ملفات منفردة على قائمة التراث الثقافي غير المادي، وشملت العرضة النجدية، المزمار، والقط العسيري.
نعمل خلال العام المقبل 2021، على عقد اجتماعات لمناقشة ملفات جديدة لضمها في القائمة وأبرزها ملف سباقات الهجن، وملف فن حداء الإبل الذي جاء مبادرةً من الأشقاء في المملكة العربية السعودية.
• من موقعك وزيرةَ ثقافةٍ، هل يمكن أن يطلق على الأدب والفن في منطقتنا أنه «خليجي»؟ وما سماته التي تميزه عمّا ينتجه الأدباء والفنانون العرب؟
•• يعد الأدب والثقافة والفن نتاجاً إنسانياً مستمداً من الهوية والبيئة التي يعيش بها الإنسان، وتزخر دول مجلس التعاون الخليجي بمجموعة من الأدباء والفنانين الذين أثروا الحركة الأدبية بإنتاج أدبي سيبقى حاضراً في ذاكرة الأجيال. تجمع الأدب والفن الخليجي هوية واحدة بملامح متنوعة، أعدها مكمناً لجماله وعنصراً يميزه، فلكل دولة أدبها ونكهتها الأدبية الخاصة بها، هذه اللمسة تصنع فرادته إذ لا يجد القارئ نفسه غريباً عن هذا التنوع.
الأدب الخليجي جزء من الأدب العربي، وصار له حضور لافت في المشهد الثقافي العربي، لكنه يتميز بسمةٍ من الخصوصية والتفرد نتجت عن بيئتنا الجامعة المتقاربة، وبكل ما فيها من تراث وثقافة مشتركة تراكمت على مر السنين، كما هي الخصوصية الأدبية للدول العربية الأخرى.
• هل يمكن اعتبار ما ينتجه المقيمون في الخليج من ثقافةٍ - بشتى تمظهراتها - أدباً وفناً منتسباً إلى الثقافة الخليجية؟
•• كانت منطقة الخليج العربية على مر العصور محطة لالتقاء وعبور الثقافات والحضارات، وتحتضن دولنا اليوم مئات الجنسيات من خلفيات ثقافية متنوعة، ولغات مختلفة، لكن الفهم واحد لمفهوم الفن ومدى تأثيره على حياة مجتمعاتنا، ولا شك أن هذا التنوع من مصادر إثراء الإنتاج الإبداعي المحلي. أعتقد أن كل ما ينتج من قبل جميع المقيمين في دولنا هو إنتاج فني وثقافي محلي بالالتحاق، يُنسب للبيئة التي أنتج فيها، باعتباره منتجاً إنسانياً خالصاً، يؤثر جمالياً في بيئته الاجتماعية ويعزز ذائقة أفراده الفنية.
• هل تقرأ معاليكم الأدب السعودي؟ وما أبرز الأعمال السعودية التي لفتت نظركم؟
•• كتب الأدب السعودي حاضرة بشكل دائم في مكتبتي وضمن أجندتي المفضلة للقراءة، يتسم الإنتاج الأدبي للأدباء السعوديين بسمات لافتة من جرأة الطرح وعمق الفكرة، وأذكر هنا الأديب الراحل غازي القصيبي صاحب رواية العصفورية التي صنفت من أفضل مئة رواية عربية، وكتاب «حياة في الإدارة» الذي يقدم فيه عصارة تجربة حافلة بالعطاء في مختلف المناصب والمجالات ويمكن أن يكون مصدراً ملهماً للأجيال العربية.
توقفت عند رواية «موت صغير» إذ نجحت تلك المخيلة البارعة لمحمد حسن علوان في أن تزاوج بين السيرة العميقة في تساؤلاتها والمسيرة الممتدة على امتداد خارطة الشرق لتلك الشخصية التي اجترحتها مخيلته، وتلك اللغة الشاعرية المنسابة الخفيفة الوطء التي أبدعت في احتواء طغيان وازدحام كل تلك المشاعر القلقة للشخصية المتخيلة.
• من الملاحظ اهتمام معاليكم بالفنون البصرية في الخليج والسعودية تحديداً، كيف ترين الحركة الفنية؟ ومَن أبرز الفنانين الذين يلفتون نظركم؟
•• تشهد الحركة الفنية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج عموماً نمواً متصاعداً من حيث زخم الإنتاج الإبداعي وقوة حضوره وتأثيره خصوصاً من الجيل الشاب ونظرته العصرية المتجددة، زخم بوسعه استقطاب وتوظيف القدرات الشابة في تعزيز جودة المُنتج الفني.
زرت العام الماضي مبادرة «فن جدة 21،39» التي ينظمها المجلس السعودي للفن بقيادة الأميرة جواهر بنت ماجد آل سعود، ورأيت أعمالاً فنيةً من السعودية والإمارات والبحرين لفنانين واعدين تعكس مدى نضجهم الإبداعي وقدرتهم على التواجد والمنافسة عالمياً.
نؤمن بأن الفنانين السعوديين يمتلكون إمكانات إبداعية مميزة، وطاقات مُلهمة تؤهلهم للمشاركة والتواجد في أهم المحافل الفنية العالمية، مبادرة مسك للفنون على سبيل المثال عملت على جمع المبدعين السعوديين للتعبير عن أنفسهم ومجتمعهم وثقافتهم من خلال الفن، كما أبرزت الدور الحضاري للفن في إظهار شخصية الشاب السعودي الطموح المتمسك بهويته، والمنفتح على ثقافات وفنون العالم.
هناك مجموعة كبيرة من الفنانين السعوديين الذي يلفتون نظري وأعتقد أنهم يقدمون إنتاجاً إبداعياً مختلفاً عن الآخرين من حيث الفكرة والمحتوى والمضمون من بينهم على سبيل المثال، الفنان أحمد ماطر، والفنان ناصر السالم، والفنانة دانا عورتاني، والفنانة مروة المقيط، والفنان فارس العصيمي، والفنانة منال الضويان، والفنانة لولوة الحمود، والفنانة مها ملوح، والفنان عبدالناصر غارم.
وتقول وزيرة الثقافة والشباب الإماراتية، إن الثقافة والفنون في المملكة تعيش «عصرها الذهبي»، وترى أن وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود «أحدث منذ توليه وزارة الثقافة، طفرة لافتة في القطاع الثقافي في المملكة».
وتضيف: «فتحت رؤية المملكة 2030 آفاقاً أمام المبدعين، بما يخلق حواراً ثقافياً له عمقه بين السعودية ودول العالم محوره الإبداع والفن»، مؤكدة «بدأنا في رؤية ثمار الإستراتيجية الثقافية السعودية الجديدة في مختلف المجالات الثقافية والفنية».
ولا تخفي الوزيرة الإماراتية إعجابها بالمنتج الثقافي السعودي، إذ ترى أن الفنانين السعوديين «يمتلكون إمكانات إبداعية مميزة، وطاقات مُلهمة تؤهلهم للمشاركة والتواجد في أهم المحافل الفنية العالمية».
ويحضر الكتاب السعودي دائماً في مكتبة الوزيرة الإماراتية، إذ تعده ضمن أجندتها المفضلة للقراءة، وتشير إلى أن الإنتاج الأدبي للأدباء السعوديين يتسم بـ«سمات لافتة من جرأة الطرح وعمق الفكرة».
وعن جدلية هوية المنتج الثقافي الذي ينتجه المقيمون من غير المواطنين، أكدت الكعبي أن كل ما ينتج من قبل جميع المقيمين في دولنا هو «إنتاج فني وثقافي محلي بالالتحاق، يُنسب للبيئة التي أنتج فيها، باعتباره منتجاً إنسانياً خالصاً»، وتناولت في الحوار العديد من القضايا الثقافية وحضور الفن والأدب الخليجي عربياً، فإلى نص الحوار:
• معالي الوزيرة، لماذا ارتبط الشباب مع الثقافة في وزارة؟
•• يعد الشباب عصب الثقافة والإبداع والقوة المحركة لأي فعل ثقافي مؤثر على المستويين المحلي والدولي، وقد جاء إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، خلال التشكيل الوزاري الأخير في يوليو 2020، بدمج وزارة الثقافة وتنمية المعرفة مع المؤسسة الاتحادية للشباب والمجلس الوطني للإعلام لتصبح «وزارة الثقافة والشباب» انطلاقاً من توجهات دولة الإمارات بتمكين الشباب في القطاع الثقافي والإبداعي، إذ نعمل حالياً على إعداد إستراتيجية وطنية متكاملة لتطوير قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية في الإمارات، ليكون المنتج الثقافي والإبداعي أحد الروافد الاقتصادية الأساسية.
يحتل ملف الشباب أولوية حكومية نرى أثرها في تسريع وتيرة العمل على المبادرات الوطنية التي تستهدف الشباب، فقد حققت معالي الأخت شما المزروعي وزيرة الدولة لشؤون الشباب إنجازات مهمة خلال السنوات الماضية منذ توليها ملف الشباب، وسنعمل معاً في خطتنا المستقبلية على التركيز على المشاريع والبرامج التي تستثمر في مواهبهم وقدراتهم، لتمكينهم من المساهمة في القطاعات التنموية الواعدة بالدولة.
ومن هنا يأتي دورنا كوزارة للثقافة والشباب، لدينا ضمن إستراتيجيتنا الجديدة مكان للمراكز الإبداعية وحاضنات الأعمال، ستكون مسؤوليتها تدريب وتأهيل المواهب الوطنية وتوجيهها، فنحن في النهاية نرغب بأن ننجح في صناعة منتج وطني إبداعي قادر على الانتشار والمنافسة عالمياً، وفي سبيل ذلك لن نتردد في توظيف القدرات الوطنية والموارد المحلية المتاحة لاستنهاض المنتج الثقافي والإبداعي في سعينا لجعله واحداً من روافد اقتصادنا الوطني، كل ذلك سيكون بالتوازي مع حفظ التراث الوطني وتعزيز حضوره بين الشرائح الشابة، نهدف من ذلك لاستدامة تناقله للأجيال القادمة داخلياً، والترويج له عالمياً كسمةٍ وطنية أصيلة.
أود أن أشير إلى أن منظومة البيانات والدراسات ستعمل على تطور المعطيات المعرفية للدولة في قطاع الشباب، مما سيتيح لنا تصميم البرامج والسياسات والتشريعات التي تناسب قطاعهم، وتعود إيجاباً على الاستثمار بقدراتهم، إضافة إلى المجالس الشبابية التي ستخضع للتطوير المستمر ستنضم إليها شريحة أخرى من المراكز الإبداعية والشبابية، نثق في قدرات شبابنا ونريد لهم أن يكونوا واجهة حيوية للدولة من خلال تمثيلها في المحافل والمعارض والمؤتمرات الإقليمية والدولية.
• لفتني وجود خدمة تسجيل القطع الثقافية المستعارة من ضمن الخدمات المقدمة في وزارتكم، ما هذه الخدمة؟ وكم عدد القطع التي وفرتم لها حصانة وحماية فترة وجودها في الدولة؟
•• في عام 2017 أصدرت دولة الإمارات قانوناً خاصاً بشأن حصانة القطع الثقافية الأجنبية من الحجز أو المصادرة، يغطي القانون كل قطعة ثقافية يستعيرها أحد المتاحف أو المعارض في الدولة، ومن خلاله تقدم وزارة الثقافة والشباب خدمة تسجيل تلك القطع بغرض توفير الحصانة والحماية لها طوال فترة عرضها في الدولة.
يمثل تصنيف وتوثيق القطع الأثرية في متاحف الدولة جزءاً من مهماتنا الأساسية في الحفاظ على التراث الإنساني وحمايته، فكل قطعة لديها شهادة منشأ تتضمن معلومات شاملة عنها، ونبذة عن أهميتها التاريخية والإنسانية والثقافية، كما أن كل قطعة لها رقم دولي.
في مقاربة بسيطة لندرك أهمية هذا القانون، بلغ عدد القطع الأثرية التي دخلت الدولة في عام 2019 نحو 1225 قطعة ثقافية وأثرية توزعت على 8 معارض، فيما وصل عدد القطع التي دخلت الدولة في عام 2020، 377 قطعة عُرضت في 3 معارض، تكشف هذه الأرقام أهمية خدمة القطع الأثرية المستعارة وحمايتها بغرض المحافظة عليها وضمان عودتها إلى وجهتها الأصلية بعد الانتهاء من عرضها في الدولة.
• التعاون السعودي - الإماراتي في المجالات الثقافية مكثّف، ما أبرز هذه الملفات الثقافية؟
•• دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية في سعي دائم للتكامل، والقطاع الثقافي باعتباره واحداً من أهم الجسور التي تُقرب المسافات، جزء أصيل من هذه الشراكة. وهذا ما يفسر تلك القفزات الإستراتيجية التي ميزت العلاقات الثقافية بين الإمارات والسعودية طوال العقد الماضي.
جاء توقيعنا لمذكرة التعاون في المجال الثقافي عام 2019، تتويجاً لهذه الشراكة الثقافية، واستهدفت تطوير آفاقها في المجالات الإبداعية والثقافية، وتغطي مناطق واسعة من المشاريع الإستراتيجية المشتركة، والأنظمة واللوائح والسياسات المعنية بالجانب الثقافي، وتعمل على تنسيق الجهود بين الطرفين في المجالات الثقافية مع المنظمات الدولية، والتعاون في مجالات الثقافات والأدب والفنون والتراث، والمحافظة على المناطق الثقافية الأثرية والطبيعية، واستضافة المهرجانات الثقافية الوطنية، وتنمية القطاعات الثقافية وتطوير برامج الإقامات الفنية بين المؤسسات الحكومية والأهلية، وتسهيل الإجراءات التي من شأنها تعزيز الشأن الثقافي في البلدين، وتبادل العروض الأدائية والوفود الرسمية والخبراء المختصين في مختلف المجالات الثقافية، وإقامة البرامج التدريبية وجلسات العمل وتطوير القدرات وعقد الندوات للمختصين والمثقفين والفنانين.
العام الماضي، شهد أيضاً حدثاً لافتاً يُترجم كثافة التعاون السعودي - الإماراتي على أرض الواقع، إذ استضاف متحف اللوفر أبوظبي المحطة الخامسة عشرة من معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية - روائع آثار المملكة العربية السعودية عبرالعصور» الذي عكس جانباً من الأنماط المعيشية في الحضارات المشتركة في الجزيرة العربية، خصوصاً المتعلقة منها بالصحراء، والفروسية، والجمال، والصيد بالصقور.
• يبدو أن التعاون السعودي - الإماراتي الثقافي يشهد أزهى عصوره.. أليس كذلك؟
•• صحيح، ثمة محطات كثيرة من الفعاليات والمبادرات الثقافية التي أقيمت في المملكة العربية السعودية كان لنا حضور فاعل فيها، نستذكر منها جناح الإمارات المشارك في مهرجان سوق عكاظ الذي لاقى إقبالاً كبيراً من الزوار بلغ أكثر من 50 ألف زائر، عرضنا خلاله تجربتنا الناجحة في تسجيل عدد من ركائز التراث الإماراتي في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في اليونسكو، والمتمثلة بالصقارة والسدو والتغرودة والعيالة والقهوة العربية والمجالس والرزفة والعازي، إلى جانب تسليط الضوء على مختلف أشكال الموروث الثقافي والشعبي لدولة الإمارات، وكان لنا تواجدنا في الاحتفاء باليوم الوطني السعودي، كما نظمنا أمسية شعرية مشتركة بمشاركة شعراء من المملكة والإمارات، فضلاً عن مشاركة الوزارة في معرض الرياض الدولي للكتاب في نسخته لعام 2018، مشاركة ساهمت في إبراز ثقافة دولة الإمارات كونها تضمنت ندوات أدبية وورش عمل مختصة في قضايا النشر وصناعة الكتاب والقراءة، إضافة إلى تنظيم جلسات مع مؤلفي الكتب، كما قمنا بزيارة رسمية لنسخة 2019 بمشاركة عدد من الكتاب والأدباء من الإمارات.
زرنا العام الماضي القصر الأحمر للفنان الأمير سلطان بن فهد بن ناصر آل سعود الذي يُعتبر واحداً من أهم وأبرز التراث العمراني السعودي، ثم انتقل المعرض لمحطته التالية في المجمع الثقافي بأبوظبي الذي أصبح الآن متاحاً بشكل افتراضي.
كما شاركنا في معرض مسك للفنون عام 2018 الذي عكس لنا المستوى الراقي للفنانين والمبدعين السعوديين وملكاتهم وإمكاناتهم الإبداعية اللافتة، وقدرتهم على التنوع بين مختلف المدارس والأساليب الفنية ما بين الفن التشكيلي، والخط العربي، والزخارف الإسلامية، والفنون المعاصرة.
• يبدو أن الحراك الثقافي في المملكة مختلف عن الأعوام الماضية، كيف ترينه؟
•• تعيش الثقافة والفنون في المملكة العربية السعودية عصرها الذهبي في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين، فقد أحدث صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود منذ توليه وزارة الثقافة، طفرة لافتة في القطاع الثقافي في المملكة.
فتحت رؤية المملكة 2030 آفاقاً واعدة أمام الشباب السعودي والرامية لبناء قدرات بشرية واعدة تحول الموهبة إلى مشروعات وطنية ناجحة تخدم المملكة وأهدافها السامية، وتفتح الآفاق أمام المبدعين، بما يخلق حواراً ثقافياً له عمقه بين السعودية ودول العالم محوره الإبداع والفن. تنطلق الرؤية الثقافية السعودية من جعل الثقافة والفنون أسلوب حياة ورافداً مهماً في الاقتصاد الوطني، وتنشيط السياحة، وتوفير منتج ثقافي وفني مميز.
لقد شكل تأسيس 11 هيئة ثقافية تحت مظلة وزارة الثقافة نقطة تحول كبيرة في تطوير وإدارة القطاع الثقافي السعودي بمختلف تخصصاته واتجاهاته، بما يسهم في دعم وتشجيع الممارسين في التخصصات التي تقع ضمن اختصاص الهيئات. بدأنا في رؤية ثمار الإستراتيجية الثقافية السعودية الجديدة في مختلف المجالات الثقافية والفنية، حتى على الصعيد الدولي بعد فوز المملكة العربية السعودية بعضوية المجلس التنفيذي لليونسكو.
• تقود السعودية ملف الخط العربي في منظمة اليونسكو بمشاركة دول عدة، كيف ترى معاليكم هذه الخطوة في توثيق هذا التراث غير المادي؟
•• تبني المملكة العربية السعودية لملف الخط العربي في منظمة اليونسكو وبمشاركة من 16 دولة عربية نعده تحركاً إيجابياً ومهماً في سبيل إعداد ملف عربي مشترك لتسجيل الخط العربي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي، تسعى من خلاله إلى حماية الهوية العربية من الناحية الثقافية، وتعزيز وجود الخط العربي في المنتديات والمؤتمرات المحلية والدولية.
الخط العربي ليس نمطاً للكتابة فحسب، بل هو عمق ثقافتنا وحضارتنا العربية، وهو ناقل للمعرفة، وأحد وسائل بناء الحضارات الإنسانية عبر التبادل الثقافي والترجمة منذ قرون، ومن هنا نقدر عالياً جهد المملكة العربية السعودية راعيةً لملف الخط العربي، وهي خطوة لها ما بعدها على صعيد تحفيز ممارسات الخط العربي، ونشر فنونه للمتخصصين والموهوبين وإبراز جمالياته، وتشجيع النشء على استخدامه.
ولعل سؤالك يدفعني لأسلط الضوء على جائزة البردة التي تنظمها وزارة الثقافة والشباب وحرصها على تمكين الشباب من فنون الخط العربي بشقيه التقليدي والحديث، الجائزة التي أطلقت عام 2004 كرمت أكثر من 300 فائز تقديراً لعملهم المميز في مجال الفن الإسلامي، وكانت حصيلتها من الأعمال الفنية نحو 300 عمل في مختلف أشكال الفن الإسلامي، وعملت كمنصة إماراتية عالمية تحتفي بالتنوع في الثقافة الإسلامية وممارساتها الجمالية، وتكريم الإبداع المميز للأنماط الفنية الإسلامية وتقدير اللغة العربية وجمالياتها.
• يبدو أن هناك جهوداً مشتركة بين السعوديين والإماراتيين في حفظ التراث.. ما أبرز هذه الملفات؟
•• تعاونت دولة الإمارات مع المملكة العربية السعودية في تسجيل عدد من العناصر المشتركة على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى اليونسكو كفنون التغرودة عام (2012) والعيالة عام (2014) والرزفة عام (2015) وكذلك المجالس والقهوة العربية، أخيراً تم إدراج النخلة على القائمة التمثيلية لليونسكو عنصراً عربياً مشتركاً بقيادة دولة الإمارات وبمشاركة 13 دولة عربية.
المملكة العربية السعودية نجحت في تسجيل ملفات منفردة على قائمة التراث الثقافي غير المادي، وشملت العرضة النجدية، المزمار، والقط العسيري.
نعمل خلال العام المقبل 2021، على عقد اجتماعات لمناقشة ملفات جديدة لضمها في القائمة وأبرزها ملف سباقات الهجن، وملف فن حداء الإبل الذي جاء مبادرةً من الأشقاء في المملكة العربية السعودية.
• من موقعك وزيرةَ ثقافةٍ، هل يمكن أن يطلق على الأدب والفن في منطقتنا أنه «خليجي»؟ وما سماته التي تميزه عمّا ينتجه الأدباء والفنانون العرب؟
•• يعد الأدب والثقافة والفن نتاجاً إنسانياً مستمداً من الهوية والبيئة التي يعيش بها الإنسان، وتزخر دول مجلس التعاون الخليجي بمجموعة من الأدباء والفنانين الذين أثروا الحركة الأدبية بإنتاج أدبي سيبقى حاضراً في ذاكرة الأجيال. تجمع الأدب والفن الخليجي هوية واحدة بملامح متنوعة، أعدها مكمناً لجماله وعنصراً يميزه، فلكل دولة أدبها ونكهتها الأدبية الخاصة بها، هذه اللمسة تصنع فرادته إذ لا يجد القارئ نفسه غريباً عن هذا التنوع.
الأدب الخليجي جزء من الأدب العربي، وصار له حضور لافت في المشهد الثقافي العربي، لكنه يتميز بسمةٍ من الخصوصية والتفرد نتجت عن بيئتنا الجامعة المتقاربة، وبكل ما فيها من تراث وثقافة مشتركة تراكمت على مر السنين، كما هي الخصوصية الأدبية للدول العربية الأخرى.
• هل يمكن اعتبار ما ينتجه المقيمون في الخليج من ثقافةٍ - بشتى تمظهراتها - أدباً وفناً منتسباً إلى الثقافة الخليجية؟
•• كانت منطقة الخليج العربية على مر العصور محطة لالتقاء وعبور الثقافات والحضارات، وتحتضن دولنا اليوم مئات الجنسيات من خلفيات ثقافية متنوعة، ولغات مختلفة، لكن الفهم واحد لمفهوم الفن ومدى تأثيره على حياة مجتمعاتنا، ولا شك أن هذا التنوع من مصادر إثراء الإنتاج الإبداعي المحلي. أعتقد أن كل ما ينتج من قبل جميع المقيمين في دولنا هو إنتاج فني وثقافي محلي بالالتحاق، يُنسب للبيئة التي أنتج فيها، باعتباره منتجاً إنسانياً خالصاً، يؤثر جمالياً في بيئته الاجتماعية ويعزز ذائقة أفراده الفنية.
• هل تقرأ معاليكم الأدب السعودي؟ وما أبرز الأعمال السعودية التي لفتت نظركم؟
•• كتب الأدب السعودي حاضرة بشكل دائم في مكتبتي وضمن أجندتي المفضلة للقراءة، يتسم الإنتاج الأدبي للأدباء السعوديين بسمات لافتة من جرأة الطرح وعمق الفكرة، وأذكر هنا الأديب الراحل غازي القصيبي صاحب رواية العصفورية التي صنفت من أفضل مئة رواية عربية، وكتاب «حياة في الإدارة» الذي يقدم فيه عصارة تجربة حافلة بالعطاء في مختلف المناصب والمجالات ويمكن أن يكون مصدراً ملهماً للأجيال العربية.
توقفت عند رواية «موت صغير» إذ نجحت تلك المخيلة البارعة لمحمد حسن علوان في أن تزاوج بين السيرة العميقة في تساؤلاتها والمسيرة الممتدة على امتداد خارطة الشرق لتلك الشخصية التي اجترحتها مخيلته، وتلك اللغة الشاعرية المنسابة الخفيفة الوطء التي أبدعت في احتواء طغيان وازدحام كل تلك المشاعر القلقة للشخصية المتخيلة.
• من الملاحظ اهتمام معاليكم بالفنون البصرية في الخليج والسعودية تحديداً، كيف ترين الحركة الفنية؟ ومَن أبرز الفنانين الذين يلفتون نظركم؟
•• تشهد الحركة الفنية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج عموماً نمواً متصاعداً من حيث زخم الإنتاج الإبداعي وقوة حضوره وتأثيره خصوصاً من الجيل الشاب ونظرته العصرية المتجددة، زخم بوسعه استقطاب وتوظيف القدرات الشابة في تعزيز جودة المُنتج الفني.
زرت العام الماضي مبادرة «فن جدة 21،39» التي ينظمها المجلس السعودي للفن بقيادة الأميرة جواهر بنت ماجد آل سعود، ورأيت أعمالاً فنيةً من السعودية والإمارات والبحرين لفنانين واعدين تعكس مدى نضجهم الإبداعي وقدرتهم على التواجد والمنافسة عالمياً.
نؤمن بأن الفنانين السعوديين يمتلكون إمكانات إبداعية مميزة، وطاقات مُلهمة تؤهلهم للمشاركة والتواجد في أهم المحافل الفنية العالمية، مبادرة مسك للفنون على سبيل المثال عملت على جمع المبدعين السعوديين للتعبير عن أنفسهم ومجتمعهم وثقافتهم من خلال الفن، كما أبرزت الدور الحضاري للفن في إظهار شخصية الشاب السعودي الطموح المتمسك بهويته، والمنفتح على ثقافات وفنون العالم.
هناك مجموعة كبيرة من الفنانين السعوديين الذي يلفتون نظري وأعتقد أنهم يقدمون إنتاجاً إبداعياً مختلفاً عن الآخرين من حيث الفكرة والمحتوى والمضمون من بينهم على سبيل المثال، الفنان أحمد ماطر، والفنان ناصر السالم، والفنانة دانا عورتاني، والفنانة مروة المقيط، والفنان فارس العصيمي، والفنانة منال الضويان، والفنانة لولوة الحمود، والفنانة مها ملوح، والفنان عبدالناصر غارم.