كتاب ومقالات

خلف الجوائز ذئاب.. الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربية

يوسف بن طراد السعدون

لفت نظري يوم الخميس ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٠، إعلان لمندوبية الاتحاد الأوروبي لدى المملكة العربية السعودية في إحدى الصحف المحلية، تضمن انطلاق النسخة ١٢ من جائزة «شايو»، التي تقدم لإحدى منظمات المجتمع المدني المحلية أو المؤسسات العامة أو الخاصة أو الأفراد عن جهودهم في تعزيز الوعي العام بحقوق الإنسان وحقوق الفئات المستضعفة بمنطقة الخليج.

ومسمى الجائزة ينسب إلى قصر «شايو» بباريس الذي شهد اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام ١٩٤٨. وتؤكد لوائحها ضرورة تقدم المؤسسات والأفراد بدول الخليج بطلبات ترشحهم إلى مكتب المندوبية، وإرفاق مجموعة وثائق، منها: تعريف بمؤسسة المجتمع المدني أو القطاع الخاص المترشحة، ومعلومات عن العمل أو الحملة أو المشروع المتصل الذي نفذ، وآثاره المباشرة على المجتمع وتبعاته الأخرى، ومدى ترابطه مع إستراتيجيات وأهداف الاتحاد الأوروبي. وتتولى لجنة مشكلة من رئيس المندوبية الأوروبية واثنين من موظفيها اختيار أفضل ٣ مرشحين، وإرسال القائمة إلى هيئة التحكيم (التي يمثلها سفراء دول الاتحاد الأوروبي المعتمدون بالدول الخليجية) لترتيب تسلسل المرشحين الثلاثة، وفي ضوئه تختار المندوبية الفائز بالجائزة وتكرمه بحفل خاص لديها.

والتساؤل البديهي الذي يطرح نفسه هنا، ماذا ينشد الاتحاد الأوروبي من تقديم مثل هذه الجائزة، التي ليس لها مثيل مع المناطق الأخرى بالعالم؟ وللتمكن من الإجابة عن هذا التساؤل يجب أن نأخذ بالاعتبار الموقع الجغرافي والموارد الاقتصادية لدول الخليج العربية التي ما زالت متمسكة بعرى القيم والهوية والثقافة العربية والإسلامية. كما أن المتتبع لمسيرة جائزة «شايو» يلاحظ أنها قدمت لمؤسسات مجتمع مدني وأفراد، جلهم ذوو اهتمام بمجال المرأة والطفل. وبمراجعة سريعة لما نشر عن الجائزة بالإعلام الخليجي نجدها كانت تتباهى باستحقاق المؤسسة الفائزة، والإشادة بمنجزاتها التي بوأتها لتنال هذا الشرف الرفيع، في نظر ذلك الإعلام. بل إن بعض الإشادات بلغت حد أن يقول الكاتب بعد حصول إحدى المؤسسات بدولته على الجائزة ما نصه «إن عدالة السماء جاءت لتنصف المؤسسة الوطنية وتشهد بمعيارها الحقوقي». وهذا ما يقود إلى استنتاج أن الأوربيين يسعون للحصول على بيانات استخبارية، وترسيخ في أذهان الأفراد والمؤسسات الخليجية مفهوم أنهم هم الرعاة الأساسيون لحقوق الإنسان في العالم. وهو ما يمثل الوجه الملائكي لسياستهم الرامية إلى تمكينهم من التدخل في الشؤون الداخلية وتعميم ثقافتهم وقيمهم، التي تنطلق من مبدأ سيادة العرق الأوروبي.

ولا يتوقف الأوروبيون عند هذا الحد، بل نجدهم يسعون من خلال الوجه الآخر، في مركز المفوضية الأوروبية ببروكسل، لابتزاز دول الخليج بكيل الادعاءات المتصلة بقضايا انتهاكات حقوق الإنسان. ويمنحون جوائز، مثل جائزة «سخاروف»، التي تبنى على ترشيحات تقدمها لجنة الشؤون الخارجية والتنمية بالبرلمان الأوروبي، لدعم عدد من الأشخاص بالعالم العربي ودول الخليج ممن يسعون لإثارة النعرات وزعزعة الأمن والاستقرار وتهديد النسيج الاجتماعي وازدراء الدين الإسلامي. ولا ينسى في هذا الشأن، رفض الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاقية تجارة حرة مع دول الخليج، ما لم يتم إدراج قسم خاص بحقوق الإنسان بهذه الاتفاقية الاقتصادية.

والاتحاد الأوروبي الذي يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، يتغافل عن الانتهاكات المستمرة لها على أراضيه. فهو ينادي بالتعايش والتسامح واحترام الأديان، ولا يحرك ساكنا تجاه النائب الهولندي المتطرف خيرت فيلدرز، الذي أعلن تبني مسابقة رسوم تصور الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، أو مجلة «شارلي ايبدو» التي أعادت نشر الرسوم الكاريكاتورية للرسول الكريم وبتأييد من الرئيس الفرنسي ماكرون بحجة احترام حرية الصحافة. ولا يستثمر موارد وطاقات جوائزه لتلافي التجاوزات والانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان بدوله الأعضاء، كالتي عرضها تقرير «الاتحاد الأوروبي أحداث العام ٢٠١٨»، الصادر عن المنظمة الدولية لمراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch). تلك التجاوزات تضمنت: احتجازا لعائلات وأطفال المهاجرين، وأجندة شعبوية مناهضة للهجرة واللاجئين والمسلمين، وتمييزا على أساس النوع الاجتماعي والجنس، بالإضافة إلى تعذيب واعتقال سري. مما يؤكد أن الاتحاد الأوروبي، يتشدق بحقوق الإنسان لفرض قيمه ومفاهيمه، في سبيل تعظيم مصالحه السياسية والعسكرية والاقتصادية.

ولمواجهة هذه السياسة الخبيثة للاتحاد الأوروبي، لا بد على المجتمع الخليجي التنبه والاعتزاز بموروثه الثري بمجال حقوق الإنسان. فصحيفة المدينة التي تم اعتمادها بالسنة الأولى من الهجرة النبوية الشريفة عام ٦٢٣، أكدت على ضمان تحقيق المساواة بين الأفراد والتعايش السلمي بين كافة المواطنين وضمان حرية الدين والمعتقد. وبالتالي سبقت اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقصر «شايو» بأكثر من ١٣٢٥ سنة. ومن المهم أيضا: أن تحرص المؤسسات المعنية بدول الخليج على بلورة إطار ينظم تقديم الأجانب جوائز على أراضيهم والترشح لها، بما يضمن الاستقرار والأمن الوطني.

أن تبادر منظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية بتأسيس جائزة المدينة المنورة، تقدم سنويا لإحدى منظمات المجتمع المدني أو المؤسسات الخاصة أو الأفراد بمنطقة الاتحاد الأوروبي عن جهودهم في تعزيز الوعي العام بحقوق الإنسان وحقوق الفئات المستضعفة بالدول الأوروبية.

أن يتولى مجلس التعاون لدول الخليج العربية ممثلا بأمانته العامة وهيئته الاستشارية، إعداد تقارير دورية تستعرض تقييم أداء دول الاتحاد الأوروبي بمجال حقوق الإنسان، ونشر التجاوزات والانتهاكات المرتكبة على أراضيه.

كاتب سعودي